أحدث الأخبارالثقافة

الــعــلــمــانــيــة الــغــربــيــة – دراســة فــي الــبــدايــات والــســقــوط والــنــهــايــــة

مجلة تحليلات العصر الدولية

صالح الصيرفي

أقول الغربية لأن العلمانية العربية لاتستحق الذكر لسبب بسيط ان الترجمة العربية للفكر العلماني وأدبياته تتناقض تماما مع النصوص الغربية الاصلية كما قال الفيلسوف الفرنسى الراحل “روجيه غارودي” ، بدءً من الترجمة العربية الخاطئة لكلمة Secularism الانگليزية حيث عربوها “العِلمانية” (بكسر العين) ، المشتقة من العِلم والصحيح هو أن تقرأ وتكتب بفتح العين (العَلمانية) وهي مشتقة من كلمة العالَم بمعنى الدنيا وفقا لتعريف دائرة المعارف البريطانية ، وانتهاء بالاصطلاح …. لم تنشأ العلمانية بهدف العِلم بل ردة فعل على الفكر المسيحي الذي عاشته أوربا طوال العصور الوسطى منذ سقوط روما عام 476م وحتى بداية عصر النهضة، ونشأتها مرتبطة أساسًا بالدين المسيحي والتاريخ الأوربي الوسيط والحديث ، وليست لها علاقة بالاسلام كـ دين وفكر وعقيدة ونظام للحياة .
وهنا بيت القصيد فعندما وطئت أرجل المستعمرين ودنست ارض العرب والمسلمين ، قاومهم علماء الدين وأئمة المساجد ومعلمي القرآن والكتاتيب وانصارهم ، فسأل نابليون مستشاريه من أين تعلم هؤلاء المتخلفون المقاومة فقيل له من القرآن … فأمر بمنع تعليم القرآن في مصر ! وبالتالي عندما عجزوا عن مواجهتهم ” المقاومون المسلمون ” والقضاء عليهم قرروا تصدير الفكر العلماني لهم ، اي ( للمسلمين ) فصدروا لنا افكارهم العلمانية المدنية الفرنسية والعلمانية القومية العربية الانگليزية و العلمانية الشيوعية والاشتراكية الروسية والصينية ، وترجموها الى العربية بما يتناسب مع مصالحهم واهدافهم ، لا كما كتبها الاباء المؤسسون !؟
ولم يكتفوا بتصدير فكرهم العلماني فقط ! وانما بعدما اكتسبوا الخبرة الواسعة والتجربة الطويلة في بلدان العرب والمسلمين ، وبعدما اطلعوا ودرسوا و “استشرقوا ” تاريخهم ومعتقداتهم وفكرهم وفلسفاتهم عمدوا الى إعادة انتاج ” الاسلام الاموي ” و “الاسلام العباسي ” و ” الاسلام العثماني ” ، بنسخ جديدة فأسسوا لنا الوهابية والسلفية وحركة الاخوان والبهائية والبابية و رعوا واحتضنوا الاخبارية والصوفية ، واستطاعوا ان يحولوا هذه المذاهب الى أسلحة للدفاع عن مصالحهم ، وضرب الاسلام من الداخل ، ووجهوا سهامهم الى قلب الاسلام ( التوحيد) والى روح الاسلام ( القرآن ) والى جسد الاسلام ( النبوة ) وحرفّوه عن أصوله الفكرية وجذوره العقدية ومنابعة الأصيلة ، فنتج عن ذلك (إسلامات متعددة حسب المقاسات )، ” اسلام انگليزي ” و ” اسلام امريكي ” و ” اسلام فرنسي ” و ” اسلام مدني ” و ” اسلام اشتراكي ” و : واسلام وهابي ” و ” اسلام سلفي ” و ” اسلام قاعدي ” و ” اسلام داعشي ” ولانعلم اي اسلام جديد يحضّرونه لنا في المستقبل القريب … وخلاصة القول ؛ ان كـل مـا لا يـصـلـح استخدامه في الغرب يصدّر لنا سواء ماتعلق في الفكر أو الثقافة أو الاخلاق أو الصناعة أو التكنولوجيا أو الغذاء أو الدواء … هذه هي الحقيقة التي يرفض العلمانيون والمتأسلمون العرب والمسلمون التصديق أو الاعتراف بها !!

وعودا على بدء ربما يتهمنا البعض بالتهجم والتجني ومجانبة حقيقة العلمانية الغربية كـ ( فكر وفلسفة ورؤية للكون والوجود والحياة ونظريات اقتصادية وانظمة سياسية وحضارة ومدنية ) .
نرد بالقول نحن لاننكر ولانقفز على الواقع ولكن الوقائع اثبتت ان ماحققته العلمانية الغربية لم تحقق بناء الانسان المتكامل ولا الدول الفاشلة ولم تحقق السعادة البشرية وإنما جل ماحققته هو عبارة عن نماذج و صور نسبية براقة في بناء الانسان والدولة الحضارية والنظام الديمقراطي
والمنظومة القيمية ، وان التقدم المعرفي والتقني ليس محصورا في الفكر العلماني ومثاله ايران دولة تتبنى الفكر الاسلامي وتطبق الشريعة الاسلامية في مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضاء والاعلام والتعليم وعلى الرغم من الحروب والحصار السياسي والحظر الاقتصادي استطاعت ان تتبوأ المرتبة العاشرة من الدول المتقدمة معرفيا وعلميا وتقنيا ومجتمعيا ايضا .
وبالتالي يمكننا القول ان هذا الابداع الفكري والفلسفي والاجتماعي والتقدم المعرفي والتكنولوجي والقيمي الصوري والنسبي العلماني الغربي ظل ناقصا وأعرجا ويعاني من خلل بنيوي في كافة أسس منظومته الفلسفية والفكرية والايدلوجية والقانونية والتطبيقية والمعيارية والقيمية ، حيث اصطدمت هذه المنظومة العلمانية بعقبتين اساسيتين فضلا عن العقبات الثانوية الاخرى ؛
الاولى : عندما نزل هذا الفكر العلماني الى ارض التطبيق والواقع في القرن الثامن عشر والتاسع عشر تحديدا ، اصطدم في موائمة المبادئ والفكر والايديولوجيا مع إرثه الاستعماري واهدافه الاستراتيجية ، بمعنى في كيفية الحفاظ على مصالحه الحيوية والاقتصادية والسيطرة على حدود جشعه واسواقه التوسعية ، ومكتسبات ( الاستعمار القديم )
الثانية : الميكافيلية وهي النظرية الاستعمارية المسيحية المستخدمة لتبرير استعمار الشعوب ونهب خيرات البلدان والتي تتعارض شكلا ومضمونا مع مباديء وروح العلمانية الغربية كما كتبها الاباء المؤسسون
وبالتالي دخلت العلمانية الغربية في صراع مع نفسها ، بين مقولة فولتير ( لا يوجد إلا منهج أخلاقي واحد ، كما لا يوجد إلا علم هندسي واحد ) ، وبين الانقلاب على منظومة الافكار والمبادئ والقيم والاخلاق ونسف هذا القول بقول آخر مفاده: أن القيم مجال تعددي نسبي، وأن الإنسان الفرد هو منتج قيمه، فلكل إنسان نسقه القيمي الخاص، وأخلاقه الخاصة التي يغيرها من مناسبة لأخرى وفق غاياته وأهدافه ومصالحه الذاتية وفق منطق الميكافيلية “الغاية تبرر الوسيلة ” ، بمعنى انها وجدت نفسها بين خيارين ( المبادئ أو المصالح ) ، وقد اختارت المصالح على المبادئ بعد مباحثات ودراسات دامت سنتين ( 1905-1907) في مؤتمر لندن ” كامبل بنرمان” .
حينذاك تحولت العلمانية المسيحية الغربية ، من علمانية الفكر والمبادئ الى علمانية الاستهلاك والمصالح والاستعمار والهيمنة فانتجت لنا علمانية إزدواجية مشوهة !! ، بمعنى ان الغرب صار علماني في الهوية و استعماري ميكافيلي في التطبيق والممارسة والموقف !! وعادت من جديد الى إحياء الاستعمار القديم واستبداله باستعمار حديث ، والى ممارسة التوحش و الغزو والتوسع والهيمنة .
وفي 27 أيلول 1993 تحدث الرئيس كلينتون عما أسماه “التوسع الديمقراطي”، وترتب على هذا المبدأ ظهور ثلاث وثائق تحت اسم “إستراتيجية الأمن القومي للتدخل والتوسع” وذلك في الأعوام 1996-1995-1994 وترتكز هذه الإستراتيجية على التدخل بقوة في جميع أنحاء العالم لفتح أسواق خارجية، وذلك يعني “أن الإستراتيجية هي التوسع الديمقراطي كآلية لكسب المزيد من الأسواق”. ويعد الرئيس كلينتون أول من استخدم تعبير “ديمقراطيات السوق”. ودل استطلاع للرأي قام به مجلس شيكاغو للعلاقات الدولية: “أن وجود الأنظمة غير الديمقراطية ليست قضية ضمن المصالح الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة”.
وما تقدم دليل ثبات على ان العلمانية الغربية باتت أسيرة للمصالح والرؤى الضيقة للمصالح والانسان القاصر ومقيدة بالمقنن الوضعي الذي ، انتج انظمة مدنية ومعرفية وتقنية متعالية في التقدم والتمدن ، ولكنها بعيدة عن الحضارة والقيمية والشمولية الانسانية المتكاملة وبالتالي يصح لنا ان نقول حقا ان العلمانية الغربية ” فكرة ازدواجية متناقضة” ، وكل ماانتجه الانسان الغربي يبقى ناقصا وخاصا بمعنى ان التطبيق العملي للفكر العلماني بشقيه الماركسي والليبرالي يتناقض مع نصوص الاباء المؤسسون ( جون لوك وفولتير وسبينوزا وماركس وانجلز ) وان القيم الحضارية والاخلاقية مقيدة بالمصالح الضيقة وتخضع لعامل الزمكانية المصلحية ، فلا وجود للعدالة والحرية والكرامة والسيادة والاستقلالية الكاملة وانما مانراه في العالم الغربي هو النسبية في التحضر والقيم والاخلاق والسلوك والممارسة والمواقف ، وانعدام التماثل ومنع استنساخه ، بمعنى ان مايصلح لهذه الدولة الغربية ولهذه الامة المسيحية من نظام ومعرفة ومدنية ورقي وقوانين وقيم علمانية لايصلح لغيرها ، ولا لنقيضها الاثني أو العقدي وان أستنسخه .

تـحـول الـعـلـمـانـيـة مـن مـذهـب اجـتـمـاعـي ونـظـريـة فـكـريـة الـى مـشـروع اسـتـعـمـاري

صحيح ان العلمانية قامت على انقاض وسقوط حكم الكنيسة في فرنسا وعلى مبدأ فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية ، ولكنها استبدلتها بفصل تبادل منظومة القيم والافكار عن تبادل السلع والمنتجات ، بمعنى انها قسمت المجتمع الى صنفين أصحاب السوق الذين يمثلون ( اصحاب رؤوس الاموال والبنوگ والساعة والاعلام والتكنلوجيا ) والى مستهلكي السوق الذين يمثلون ( الشعوب والدول النامية والمتخلفة ) ، وبالتالي لم تستطع العلمانية الغربية التخلص من الإرث الاستعماري القديم ، ولامن الجذر العقدي المسيحي ولا من التأثير السلطوي الثيوقراطي الكنسي بل انها منذ بداية القرن الثامن عشر والى يومنا هذا في القرن الواحد والعشرين عملت العلمانية الغربية على تعزيز وتجذير مبدأ التسماح والسماح للسلطة المسيحية الثيوقراطية ان تشاركها السلطة والقرار !! ، وكذلك لم تستطع اوربا العلمانية التخلي عن مكتسباتها الاستعمارية ومصالحها الاستراتيجية والحيوية التي تناقضت مع الروح والقيم العلمانية كما نص عليها الآباء المؤسسون .
فكانت الميكافيلية المسيحية هي قارب النجاة في الحفاظ على مصالحهم ومستعمراتهم ، والعقيدة الانجيلية المسيحية هي الغطاء الشرعي لإستعمارهم وهيمنتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية والثقافية
وهذا التحول حدث بعد ان وجدت الدول العلمانية الغربية نفسها بعد الثورة الصناعية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، بحاجة ماسة الى مصادر الطاقة والاسواق ، وان لاسبيل لها للحصول عليهما الا من خلال الانتقال الى المرحلة الثانية ” الميكافيلية ” فشرعت بتطبيق ( نظرية الاستعمار ) !
وعنما نقول استعمار يعني الغزو والحروب وقتل الانسان وإبادة الشعوب استباحة دمائها وقهرها والتحكم بمصائرها والسيطرة على البلدان ونهب ثرواتها وسرقة خيراتها وافقارها ومصادرة حرياتها وكرامتها وسيادتها وتحويلها الى كانتونات استعباد واستهلاك وتخلف وجهل وتشتت وضياع
ويعتبر مؤتمر لندن ” مشروع كامبل بنرمان” ( 1905 – 1907 )هو الخطوة العملية الاولى في انتقال العلمانية الغربية الميكافيلية ، الى مرحلة التوحش والغزو والاستعمار ، ومشروع بنرمان
من اخطر المشاريع التي لها الدور الريادي في انشاء وتأسيس دويلة الكيان الغاصب “اسرائيل” ونشر حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي تمر بها منطقتنا العربية حتى الان وبالاخص شمال الجزيرة العربية ” العراق وبلاد الشام” ومصر، بل اكثر من ذلك يعتبر مشروع بنرمان إن صح التعبير الاب الروحي لكل الاتفاقيات والمشاريع الاستعمارية التي تلته ، والتي وضعت لتفتيت وتقسيم المنطقة العربية، بدءا من اتفاقية سايكس بيكو  عام 1916 ومروراً بكلاً من وعد بلفور عام 1917 ومؤتمر ومعاهدة فرساي  عام 1919 ومؤتمر ومعاهدة سان ريمو عام 1920 ومؤتمر ومعاهدة سيفر عام 1920 ومؤتمر ومعاهدة لوزان عام 1923 .
والمؤتمر الامبراطوري 1907 كما يحب ان يسميه البعض أو مؤتمر كامبل بنرمان كما هو متعارف عليه، هو مؤتمر انعقد في لندن في 15 أبريل 1907 بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطاني يهدف الى اعداد استراتيجية اوربية : علمانية غربية ” لضمان سيادة الحضارة الغربية المسيحية على العالم ، وايجاد آليات تحافظ على تفوق الغرب ومصالحه ومكتسباته الاستعمارية الى أطول أمد ممكن ، وقد دعيت الدول الاستعمارية كافة وهي بريطانيا ،فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا،البرتغال، إيطاليا، والى جانب  كبار علماء التاريخ والاجتماع والاقتصاد والزراعة والجغرافيا والبترول في القارة العجوز ، واستمرت جلساته حتى 14 مايو 1907.
ان‪ ‬أبرز ما جاء في توصيات المؤتمِرون لضمان سيطرتهم على البحر الأبيض المتوسط في هذا المؤتمر والذي شارك فيه سياسيون ومفكرون وباحثون والذي استمر لمدة عامين ما يلي:
1. إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة
وعلى هذا الأساس قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة إليهم إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية (دول أوروبا وأمريكا الشمالية واستراليا) والواجب تجاه هذه الدول هو دعم هذه الدول ماديا وتقنيا‪.‬
الفئة الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا عليها (كدول أمريكا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها) والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وإمكانية دعمها بالقدر الذي لا يشكل تهديدا عليها وعلى تفوقها‪.‬
الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوقها (وهي بالتحديد الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام) والواجب تجاه تلك الدول هو حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية وعدم دعمها في هذا المجال ومحاربة أي اتجاه من هذه الدول لامتلاك العلوم التقنية

الـغـطـاء الإنـجـيـلـي لـلـعلـمـانـيـة الـمـسـيـحـيـة الاسـتـعـمـاريـة

لقد كان مؤتمر كامبل بنرمان يعتمد اعتمادا كليا على تفسيرات “العهد القديم ” كـ مرجعية دينية في تبرير أحقيتهم في السيطرة على موارد الطاقة والثروات الطبيعية في العالم الثالث “افريقيا واسيا والشرق الاوسط على وجه التحديد ” حيث جاء في الاسفار مايحفزهم ان لم يؤمرهم بممارسة القتل والارهاب وسفك الدماء وشن الحروب من اجل التفوق والغلبة ونصرة الرب حيث جاء في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21:7,8 مانصه …

( من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلها وهو يكون لي ابنا )

“ومَلعونٌ مَنْ يَمنَعُ سَيفَهُ عَنِ الدَّمِ” (إرميا 48: 10).

“قالَ الربُّ إلهُ إسرائيلَ: على كُلِّ واحدٍ مِنكُم أنْ يحمِلَ سيفَه، ويَطوفَ المَحلَّة مِنْ بابٍ إلى بابٍ، ويَقتُلَ أخاهُ وصديقَه وجارَهُ” (خروج 32: 27).

وكذلك هذه التثنية :
سفر الاصحاح ( تثنية 20 : 11-17) فإذا اَستَسلَمَت وفتَحَت لكُم أبوابَها، فجميعُ سُكَّانِها يكونونَ لكُم تَحتَ الجزيةِ ويخدِمونكُم. وإنْ لم تُسالِمْكُم، بل حارَبَتكُم فحاصَرتُموها فأسلَمَها الرّبُّ إلهُكُم إلى أيديكُم، فاَضْرِبوا كُلَ ذكَرٍ فيها بِحَدِّ السَّيفِ. وأمَّا النِّساءُ والأطفالُ والبَهائِمُ وجميعُ ما في المدينةِ مِنْ غَنيمةٍ، فاَغْنَموها لأنْفُسِكُم وتمَتَّعوا بِغَنيمةِ أعدائِكُمُ التي أعطاكُمُ الرّبُّ إلهُكُم. هكذا تفعَلونَ بجميعِ المُدُنِ البعيدةِ مِنكُم جدُا، التي لا تخصُّ هؤلاءِ الأُمَمَ هُنا. وأمَّا مُدُنُ هؤلاءِ الأُمَمِ التي يُعطيها لكُمُ الرّبُّ إلهُكُم مُلْكًا، فلا تُبقوا أحدًا مِنها حيُا بل تُحَلِّلونَ إبادَتَهُم، وهُمُ الحِثِّيّونَ والأموريُّونَ والكنعانِيُّونَ والفِرِّزيُّونَ والحوِّيُّونَ واليَبوسيُّونَ، كما أمركُمُ الرّبُّ إلهُكُم ”

ففي سفر التكوين 12: 1-5 :
وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. 2 فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. 3 وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ».
وفي سفر التكوين 12: 14-15 :
14 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ، بَعْدَ اعْتِزَالِ لُوطٍ عَنْهُ: «ارْفَعْ عَيْنَيْكَ وَانْظُرْ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ شِمَالاً وَجَنُوبًا وَشَرْقًا وَغَرْبًا، 15 لأَنَّ جَمِيعَ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إِلَى الأَبَدِ.
وقال أيضا له سفر التكوين 15: 7 :
قَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا».

ومنذئذ وجد المشاركون في مؤتمر كامبل بنرمان الفرصة في انضاج فكرة ومشروع إقامة دولة اسرائيل الذي اعتمدته المركزية الاوربية في القرن السابع عشر فقررت لجنة الاستعمار في المؤتمر المذكور استعمار فلسطين كخطوة تمهيدية وتحضيرية لمنحه لليهود فيما بعد على خلفية قراءة حرفية للعهد القديم تربط اليهود بأرض فلسطين على انهم ورثة الوعد الإلهي ، وهكذا كان وعد بلفور يتماشى ويتماهى في نفس سياق تفسيرات العهد القديم

الـمـسـوغـات الـديـنـيـة للـسـياسـة الأمـريـكـيـة الـعلـمـانـيـة إزاء الـشـرق الأوسـط

لم يترك الرئيس الامريكي جورج بوش الابن مناسبة اثناء حملته الانتخابية الاولى والثانية الا واستدل واستشهد بنصوص من الانجيل والتوراة ليس بصفته كمسيحي أصولي ينتمي الى الكنيسة الانجيلية اليمينية المتطرفه ولا بأعتقاده فقط إن السيد المسيح هو أفضل فيلسوف سياسي لديه لكونه أنقذه من طريق الضلال ودله على الصراط المستقيم ، بل بيقينه ان الرب إختاره لتطبيق حكم الله في الأرض وتحقيق الرؤية التي نص عليها الإنجيل والعهد القديم ووردت في سفر الرؤية أي تخليص منطقة الشرق الأوسط من قوى الشر الذي هو شرط أساسي لعودة المسيح وتحضير المنطقة لخوض المعركة الأخيرة التي سينتصر فيها الخير على الشيطان وبالتالي إقامة دولة الله على الأرض.
وقال عقب ساعات قليلة من وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول إن تلك الهجمات تمثل “انطلاقة الحرب الكونية ضد الشر”، وأضاف أن الولايات المتحدة مدعوة لكي تتحمل “مهمتها التاريخية” وردد حينها خلال خطاب بثته وسائل الإعلام المزمور التوراتي رقم 23 الذي يقول “تقدم إلى الأمام ودافع عن الحرية وعن كل ما هو خير وعادل في عالمنا”.
وورد عن تيم لاهاي أحد أبرز الإنجيليين المقربين من الرئيس جورج بوش الابن فضلا عن كونه يمثل الزعيم الإنجيلي الأكثر تأثيرا في الولايات المتحدة على مدى السنوات الـ25 الأخيرة من القرن العشرين ، قوله على شاشات التلفاز بأن الحرب سواء في أفغانستان أو العراق ضرورية بالنسبة للمؤمنين. وذهب إلى حد القول خلال العديد من المناسبات إن “العراق يشكل نقطة محورية خلال أحداث نهاية العالم” حيث إن العراق سيلعب دورا أساسيا في معركة هرمجدون التي ستقع في مجدو في فلسطين .
وفي هذا السياق ايضا كشف الصحفي الغرنسي جون كلود موريس في كتابه (سوف أنشر تكذيبا لو كررتم الخبر) نقلا عن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما قال ان الرئيس شيراك لم يصدق أذنيه وهو يسمع صوت بوش في الهاتف يقول له بالضبط إنه تلقى وحيا من السماء لإعلان الحرب على العراق لأن ياجوج وماجوج انبعثا في الشرق الأوسط للقضاء على الغرب المسيحي!
وهذا التصريح يمثل توثيقا من الرئيس جاك شيراك على معتقدات ومبررات جورج بوش الابن رئيس أكبر دولة علمانية في العالم ! ، وهذا ماحصل ايضا مع الرئيس دونالد ترامب الذي اعتبره اتباعه وناخبيه من الانجيليين اليمينيين بأنه هبة الله ومرسل من الله ويتحدث باسم الرب وغيرها من الترهات الانجيلية والتوراتية الصهيونية .

الـعـلـمـانـيـة والـديـمـقـراطـيـة وحـريـة الـتـعـبـيـر عـن الـرأي وحـقـق الانـسـان

بعيدا عن الخوض في التعريفات اللغوية والاصطلاحية للديمقراطية والحرية والمساواة وحقوق الانسان وحرية التعبير عن الرأي فضلا عن الخوض في تفاصيل تاريخ هذه الاشتقاقات العلمانية لانها تحتاج الى كتب ،. وإن من سبقونا بعشرات السنين أو من المعاصرين من المفكرين والمنظرين والفلاسفة الاوربيين والغربيين الذين ألفوا وكتبوا وفصلوا هذه الاوهام الديمقراطية وخدعة الحريات والحقوق والمساواة في كتب ومقالات ملأت رفوف المكتبات الاوربية والغربية ، ولكننا سنكتفي بسرد بعض الشواهد المتفرقة بغض النظرعن القفز في ذكرها من الاعلى الى الاسفل او العكس

تعرضت الديمقراطية لانتقادات شديدة من قبل عقول فلسفية غربية مهمة ، فمثلا في كتابه “الجمهورية” ذكر أفلاطون أن معلمه سقراط حين كان يحاضر في طبيعة الدولة المثالية، وفي سياق حديثه سأل صديقه وشريكه “أديمانتوس” إن كان يفضل الصعود على متن باخرة يقودها أحد الركاب، أم قبطان متدرب وخبير. ؟؟
بهذه الاستعارة كان سقراط يجري مقاربة مفهوم الدولة، حيث يعترض على الحكم الديمقراطي، وضرورة عدم السماح لأي كان بقيادة سفينة الدولة. واعتبر أن ليس جميع الناس يمتلكون الذكاء الذي يتيح لهم إدارة الدفة. افلاطون نفسه أشار إلى أن الديمقراطية واحدة من المراحل الأخيرة في انحدار الدولة المثالية، إذ اعتبر أنها سوف تجلب الطغاة.
أرسطو بدوره اعتقد أن الديمقراطية نسخة فاشلة من حكم الجماعة، وكان يرى أن أثينا مدينة تتداعى لأنها تبتعد عن دستورها الذي وضعه الحكيم اليوناني “سولون”.
إن فكرة قابلية الديمقراطية للتصدع، كانت فكرة منتشرة بشكل واسع في التاريخ القديم. حتى الفيلسوف الفرنسي “فولتير” الذي كرس حياته في مواجهة التعصب والتطرف، ودفاعاً عن حرية التعبير والحريات العامة، كان له موقف إشكالي من الديمقراطية حين اعتبر أنها منفصلة عن مفاهيمه الليبرالية”.
وبالتالي كان أول سقوط مدوي للديمقراطية العلمانية الغربية الحديثة واشتقاقاتها حقوق الانسان والحرية والمساواة وحرية التعبير عن الرأي والانتخابات وتداول السلطة في اوربا كان عام 1929 عند وصول الحزب العلماني الفاشي بقيادة بينيتو موسيليني الى قيادة السلطة في ايطاليا ، و السقوط الثاني كان عام 1933 عند وصول العلمانيين النازيين للحكم في المانيا بقيادة المستشار الالماني العلماني ادولف هتلر ، ثم اعلانه الحرب العالمية الثانية 1939 بالتحالف مع موسيليني في اوربا على جيرانه المنافسين العلمانيين الاوربيين والتي كلفت الطرفين سقوط اكثر من 50 مليون ، اما السقوط الثالث ؛ للعلمانية الغربية كان عام 1945 عندما أسقطت الولايات المتحدة الامريكية قنابلها النووية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين وخلفت اكثر من 340 الف ضحية من المدنيين الابرياء .
و السقوط الرابع للعلمانية الغربية كان يوم قامت الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين بتأسيس الامم المتحدة عام 1945 ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان،الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948، الا ان الولايات المتحدة الامريكية نفسها وحليفاتها واجهوا صعوبات، ولم يلتزموا بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان بشكل فوري، وظلوا يطبقون نظام الفصل العنصري سواء داخل الكثير من الولايات المتحدة ، أو في المستعمرة والكيانات المغتصبة ، ولم يحصل المواطنون الأمريكيون ذوى الأصول الأفريقية علي كامل حقوقهم في المواطنة والمساواة إلا في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي )1966) !! . ولم تقر بريطانيا قانون حقوق الانسان الا في عام 1988 !! ، اما سويسرا فلم تعطي المرأة حق التصويت على المستوى الفيدرالي إلا في عام 1971 !! ، ورغم ذلك لايزال يواجه الأمريكيون ذوي الأصول الإفريقية والمهاجرون المسلمون والملونون في اوربا والدول الغربية الاخرى أشكالاً مختلفة من التمييز المجتمعي الى يومنا هذا .
كما ان هذه المنظومة العلمانية الاممية ومنظماتها الدولية والاقليمية سقطت سقوطا مدويا امام حكومة الاقلية البيضاء التي سيطرت على جنوب افريقيا والتي طبقت نظام ” الابارتايد” عام 1948 -1993 حيث قامت قوانيين الأبارتايد بتقسيم الافراد الى مجموعات عرقية كانت اهمها ” السود ” السكان الاصليون والبيض “المستعمرون البريطانيون والهولنديون” والملونون والاسيويون ” المهاجرون” وتم الفصل بينهم وتم وضعه السكان الاصليون ” السود” في محميات معزولة تشبه محميات الهنود الحمر في امريكا وحرموا من كافة الحقوق السياسية والمدنية وكانوا يستخدمونهم كعبيد في وطنهم
اما السقوط الاخر لهذه المنظومة العلمانية الاممية كان امام دولة الكيان الصهيوني”اسرائيل” العلمانية ، حيث تحولت اسرائيل من كيان غاصب الى عضو شرعي يتمتع بصلاحيات تفوق عموم دول مجلس الامن الدولي نفسه ولانبالغ بالقول ان المنظمة الاممية وإشتقاقاتها من المؤسسات الدولية تحولت الى أداة بيد اسرائيل ومحام دفاع لتبرير كل حروبها وجرائمها وتجاوزاتها وانتهاكاتها لحقوق الانسان والارض العربيتين وتحولت كافة القرارات الدولية بحق الشعب الفلسطيني والسوري واللبناني الى قرارات غير ملزمة بمعنى “حبر على ورق”
ثم توّج هذا السقوط للعلمانية الغربية في قانون تجريم إنكار الهولوكوست الذي اصبح سيفا مسلطا على كل من ينكر رواية تاريخية من طرف واحد !! ، الا وهو” اسرائيل ” ، وبمرور الزمن تم إستخدام القانون ضد كل من ينتقد اسرائيل وسياساتها الاحتلالية القمعية داخل الدول الغربية العلمانية ، بل إن الولايات المتحدة الامريكية سنّت قانون اسمه تجريم انتقاد اسرائيل
واخيرا وليس آخرا سقطت العلمانية الغربية عندما ربطت مابين محاربة الارهاب والاصلاح السياسي والاجتماعي في العلاقات الدولية ، ثم زادته عندما شرعت لنفسها استخدام القوة في نشر الديمقراطية وحقوق الانسان وبالتالي اسست شكلا أو نظرية جديدة في العلاقات الدولية فبدلا ان تبنى على الاخلاق والقيم وتبادل المصالح وحوار الحضارات ، صارت العلاقات الدولية مبنية على الصراع و التهديد باستخدام القوة او الوسائل العقابية من أجل فرض مصالح الدول العلمانية المتنفذة

الـسـقـوط الـعـلـمـانـي الـكـبـيـر

شكلت أحداث 11سبتمبر 2001 منعطفا تاريخيا في التراجع الديمقراطي العلماني و السياسات للدول العلمانية الغربية ، الامريكية خصوصا و الدول الاوربية بشكل عام سواء الداخلية اتجاه فتح باب انتهاك الخصوصية الفردية والسماح لوسائل الاعلام والصحف والمجلات بمهاجمة الاسلام والمسلمين و بنشر خطاب الكراهية ضد الجاليات الاسلامية وانتهاك حقوقهم الدينية والتجاوز على حرياتهم ومقدساتهم ، أو السياسات الخارجية اتجاه العالمين العربي والاسلامي بحجة محاربة ” الارهاب الاسلامي ” والدفاع عن الامن القومي لدولهم وبالتالي استطاعت العلمانية الغربية تحويل العالم الى غابة من المباحات اللااخلاقية في انتهاك حقوق الانسان وسيادة البلدان والشعوب وشن الحروب الكيفية وممارسة القتل العشوائي من دون مسوغ قانوني أو حسيب أو رقيب تحت ذريعة محاربة الارهاب ونشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان .
واللافت في الامر ان السياسة الأمريكية خصوصا والاوربية عموما قبل الحادي عشر من أيلول 2001 قامت على اعتقاد رئيسي باستثناء الشرق الأوسط من الديمقراطية، لأن الديمقراطية غير ممكنة بسبب الثقافة العربية الإسلامية، وبسبب الصراع العربي- الإسرائيلي وعدم الاستقرار، ولذلك استبدلت السياسة الأمريكية الديمقراطية والحرية، بالاستقرار والأمن، للحفاظ على النفط والأسواق. ‏وبالتالي، كان اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة قبل الحادي عشر من أيلول قاصراً على تحقيق مصالحها المتمثلة في الحفاظ على إمدادات النفط والأسواق الغنية، حتى ولوتم ذلك بالتعامل مع الأنظمة السلطوية في المنطقة، ونتيجة لذلك كان الاهتمام بالديمقراطية والإصلاحات السياسية محدوداً، إلا أنه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول أصبحت الديمقراطية والإصلاح السياسي في الشرق الأوسط جزءاً ‏من الإستراتيجية الأمنية الأمريكية في مواجهة الإرهاب !!
السقوط المدوي للعلمانية الغربية بدأ عندما شرعنت لنفسها استخدام كافة الوسائل غير المشروعة قانونيا أو انسانيا من أجل نشر الديمقراطية وحقوق الانسان في مناطق انتقائية من العالم ! ؟ والسكوت والصمت في مناطق استبدادية أخرى !! .
فمثلا شرعنت لنفسها استخدام القوة العسكرية( حلف الناتو ) في غزو افغانستان والعراق وليبيا وسوريا تحت ذريعة محاربة الارهاب ونشر الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان
واستخدمت وسائل الضغط السياسية والاقتصادية والوسائل العقابية كــ الحظر الاقتصادي والحصار السياسي ضد الدول التي لاتتماشى وسياسات الدول العلمانية الغربية ( المارقة كما سموها ) مثاله ايران وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وروسيا والصين ،
وبالتالي استطاعت الدول العلمانية الغربية تحويل كافة المنظمات الدولية من دون استثناء وعلى رأسها الامم المتحدة والصندوق النقد الدولي والبنگ الدولي وحقوق الانسان وغيرها الى اسلحة عقابية و ” مُنتجات ” جيو ــــ سياسية تتحكّم بها هذه الدول العلمانية النافذة، وتُحرّكها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية .

وفي الختام
يمكننا القول ان القرن الواحد والعشرين هو قرن إنكشاف الاقنعة والحقائق حول زيف العلمانية والديمقراطية والعدالة وحرية التعبير وحقوق الانسان وبالتالي هو قرن سقوط العلمانية وأيديولوجياتها ونظرياتها ، و إن العلمانية الغربية تحولت الى ايديولوجية للتمييز الديني والاجتماعي وان الدول العلمانية الغربية ، (الولايات المتحدة الأمريكية) خصوصا قد تحولت ايضا بعد أحداث 11 من أيلول إلى دول شمولية كما في دول العالم الثالث، دول أمنية من الطراز الأول، تفتقد الى الديمقراطية وتنعي حقوق الإنسان، وتعود إلى التمييز العنصري ضد المهاجرين المسلمين ، و ان ” النظام السياسي العلماني العالمي لم يعد يخضع للتصنيف المألوف، فهو لم يعد لا يسارياً ولا يمينياً ولا ديمقراطياً. إنه قرن المصالح الكبرى، حيث تتصارع فيه قوى عظمى تبحث عن آليات لتحقيق مصالحها، في ميدان يعتبر أن القوة الحقيقية هي القوة الاقتصادية التي تتمكن من الاستحواذ على الأسواق لتلبية الاحتياجات البشرية المتزايدة.
اما المجتمعات الغربية فقد دخلت -بمعظمها- عصر الشعبوية ما بعد الديمقراطية، وان الشعبوية تحولت الى هوية علمانية وبضاعة. رائجة للاحزاب الديمقراطية والليبرالية واليمينية في سوق المزايدات الانتخابية حيث أظهرت الانتخابات الأخيرة التي تم تنظيمها في العديد من الدول الأوروبية العلمانية خلال الاعوام الأخيرة ، الوجه الصريح الواضح لها، إذ حققت الأحزاب اليمينية المتطرفة توسعاً جماهيرياً وصعوداً انتخابياً. واعتبرت الأحزاب العنصرية أن هذا الفوز بداية ما أسماه رئيس الوزراء الهنغاري “فيكتور أوربان” بالديمقراطية غير البرلمانية، وكان يقصد فصل النظام الانتخابي عن القيم الحداثية الغربية. فيما دعت أحزاب أخرى إلى العودة للهوية المسيحية التقليدية التي كانت محور الخصوصية الأوروبية ” .
وهذا ماحصل ايضا اليوم في فرنسا التي تحولت الى اقصى أقصى اليمين وأولى الدول العلمانية في تشريع وسن القوانين العنصرية والسياسات الشعبوية واضطهاد وقمع حرية التعبير باستخدام القانون والقوة والعنف ضد المسلمين والافارقة واصحاب السترات الصفر كما هو حاصل اليوم مع المهاجرين المسلمين ومع اصحاب السترات الصفر ، وهذا ما ذكره عالم الاجتماع الفرنسي “ايمانويل تود” حيث حدد خمس سمات للظرف الراهن في بلد اليوم وهي عدم اتساق الفكر والتواضع الثقافي والعدوانية والحب المرضي للمال وعدم الاستقرار العاطفي والعائلي. ويقابل هذه السمات برأيه انحسارا في الديمقراطية وخللا في التربية وفراغا روحانيا وزيادة في فقر الشرائح الشعبية.
إن عالم ما بعد الديموقراطية هو عالم تتراجع فيه السياسة لمصلحة الاقتصاد و/أو الأمن و/أو الثقافة الخاصة. إنه أيضاً عالم تتقوض فيه الأسس المعرفية للعلوم الاجتماعية، بفعل القوة الناعمة للنظام الجديد.
فعندما تتحول الدول العلمانية الغربية الى نظام السوق الجديد والتحول الى الليبرالية والنيوليبرالية التي جعلت السوق صاحبة القرار وليس المجتمع !! ، خصوصا وان الشركات العابرة للقارات والمؤسسات والبنوك المالية باتت توجهها مصالح فردية وهذا يعني بالضرورة تكريس للطغيان والدكتاتورية والسير نحو الهاوية والانهيار كما قال المفكر والفيلسوف الامريكي نعومي تشومسكي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى