أحدث الأخبارالعراقشؤون امريكيةمحور المقاومة

الـلاعــراق والـلاشـعـب إطـلالـة عـلـى الـحـاضـر ورؤيــة لـلـمسـتـقـبـل فـي ظـل الـدعـوات الـمـشـبـوهـة لـلـحـوار الـلاوطـنـي

مجلة تحليلات العصر الدولية - صالح الصيرفي

اللاشخص في رواية جورج أوريل 1984 هو كل من تعده الدولة انه لم يوجد على الاطلاق وهو شخص يمكن لمجرد وجوده ان يهدد الوضع القائم … وقد اعطى الغرب على نطاق واسع هذه المرتبة الغامضة للعراقيين (( اللاشعب)) الذي بتعابير المؤرخ البريطاني مارك كورتيس “يُعد عديم الجدوى ويمكن الاستغناء عنه في البحث عن السلطة والكسب التجاري”
إذن العراق في المخيال و العقل الغربي الصهيوني وتجربة الاحتلال الامريكي هو ” اللادولة ” والعراقيون هم ” اللاشعب “والعراقي هو “اللاشخص” .
وللاسف إن هذه الرؤية الغربية الصهيونية تحولت الى واقع ملموس وأدام يومي بفضل تطوع الطبقة السياسية وجيوش العملاء والمنتفعين في تطبيقها على ارض الواقع بقصد او بغير قصد بجهل أو بعلم
وهذه حقيقة تثبتها وقائع الميدان ومعطيات السياسات المطبقة في العراق منذ عام 2003 والى يومنا هذا … والى … ماشاء الله .
ولعله من المفيد إعادة التذكير في اهم هذه السياسات التي منها :
* السيطرة والتحكم الامريكي المطلق في سلامة تدفق النفط الخام العراقي وبأزهد الاسعار الى الغرب
* إيداع كافة عوائد بيع النفط العراقي في البنگ الاحتياطي الفيدرالي الامريكي الذي تعود ملكيته الى اثني عشر مصرفا يهوديا في العالم ولايخضع الاحتياطي الفيدرالي لسلطات الحكومة أو الكونغرس الامريكي
* الاستحواذ الامريكي على حصة الاسد من الاستثمار في اعادة وبناء العراق في ظل إدامة تعطيل قوانيين الاستثمار وانعدام البنية التحية ( النهب المقونن )
* السيطرة والتحكم الامريكية في ادارة الدولة والمجتمع عن طريق السفارة الامريكية في بغداد وحزب السفارة الامريكية العراقي ( الذي يتكون من عشرات الاف المؤسسات المدنية والمجتمعية والتجارية والوكلاء والمدراء في كافة مفاصل الدولة الحساسة )
* تأسيس دولة الفساد
* تلغيم الدستور وتعطيل القوانين
* إغراق مؤسسات البرلمان والقضاء والرئاستين بالمرتبات الخيالية والامتيازات المالية الفلكية
* تمكّين جيوش الجهلة والانتهازيين والمنتفعين والفاسدين وعديمي الضمير من السيطرة على البرلمان والقضاء والسلطة واحزابها والتحكم بمفاصل الدولة والمجتمع
* تعويم السلطة ونشر الفوضى
* تجذير الانقسام المجتمعي وتكريس الاستقطاب الحزبي
* تغذية ورعاية وإدامة الاحتراب المذهبي والقومي
* تعطيل وعرقلة مشاريع التنمية والبناء والتعليم والصحة والسكن
* تعطيل السياسات النقدية وانعدام التخطيط
* تكريس سياسات الهدر العام ومنع جهود السيطرة عليه
* تحويل القوى السياسية الى دول داخل الدولة ( الدولة : تعني الجماهير والبقعة الجغرافية والجيش والاعلام والمال … وهذا ما تتوافر عليه كافة القوى السياسية العراقية )
* تحويل الانتخابات وتداول السلطة الى مسرحية متوالية الفصول في استنساخ الطبقة السياسية الاوليغارشية
* تحجيم واستنزاف كافة عناصر القوة السياسية في المجتمع والدولة ( المرجعية الدينية والحشد الشعبي مثالا )
وبالتالي اجتماع كافة هذه المسارات وغيرها يؤدي بالضرورة الى إفشال الدولة وتحولها الى : اللادولة ” وتخلف الشعب وتحوله الى ” اللاشعب ” ، والى نشر الفساد ودفع الدولة الى الانهيار الاقتصادي والمجتمع الى الانفجار الاجتماعي ونشر الفوضى وتعويم السلطة والأمن وتحول الشخص العراقي الى ” اللاشخص ” وكان هذا هو المطلوب وهذا هو ما حادث الان في جمهورية ” اللاعراق ” .
لايخفى على احد في العراق حقيقة هذه السياسات والمسارات وماتؤول اليه من نتائج !؟ لأن الفرد العراقي هو مادتها و ” والمسحوق” تحت تداعياتها والمتعايش مع مرارتها ، وبالتالي في ظل غياب البديل الوطني النزيه وغياب المشروع الوطني و وإفتقاد القيادة الموحدة ، وانعدام التنظيم الحركي الرشيد ، والانقسام الطائفي الحاد والاستقطاب الحزبي الشديد ، ووجود الاحتلال الامريكي بشقيه ” المدني و العسكري ” ولذلك عجز الشرفاء والمخلصون والوطنيون في الدورات البرلمانية السابقة أو الحالية أو العاملون في الدولة أن يشكلوا البديل المناسب ، وكان دورهم محدود محفوف بالفشل والإفشال باستثناء بعض المبادرات الفردية الوطنية المحدودة …. ولن يستطيعوا غدا إيقاف قطار عودة حزب البعث الى السلطة ولا التقسيم ولا الحرب الاهلية !؟ طالما لم يشكلوا الأغلبية في البرلمان .
وبالتالي يمكننا القول … لايمكن إجتماع الملائكة والشياطين في بناء الفضيلة ولا الضحية والجلاد ، ولا عناصر الاعمار والهدم والتصحيح والتخريب والتشغيل والتعطيل في بناء العراق وخير دليل هو تجربة السبعة عشر عاما من أشتراك هؤلاء جميعا “في حكم العراق !؟ فلم تفضي هذه التجربة إلا الى تكريس انفصال غير معلن لأقليم كردستان و ومزيد من الانقسام المجتمعي والاستقطاب الحزبي والحروب الطائفية وانتاج القاعدة وداعش .
العملية السياسية في العراق اليوم في ظل تراكم هكذا تداعيات وصلت الى أفق مسد، ولن تنفع معها الدعوة المشبوهه التي أطلقها مصطفى الكاظمي مؤخرا ( للحوار الوطني )برعاية امريكية صهيونية عربية ومباركة كافة احزاب السلطة !؟ ونقول مشبوهه لأن الحوار مع من ؟ وهم أنفسهم اهل السلطة والبعثيون جزء من السلطة !؟ ، وعلى أية أسس أو قواعد أو ضوابط ؟ وماهي الضمانات في نجاح هذه المبادرات المكررة !؟ ونتائج ومسار الحوارات السابقة كانت تسير بعرج من السيء الى الاسوء فهل يعقل ان تحاور احزاب السلطة نفسها ؟ وهي الخصم وهي الحكم !!

إذن وبعيدا عن التلاعب في الألفاظ وتضليل الرأي العام ، ان المستهدف الحقيقي من الحوار هو ” حزب البعث العربي الاشتراكي ” المعارض للسلطة ومحاولة أعادة ” منتجته ” ودمجه في العملية السياسية والدليل على ذلك قبول مقتدى المشروط للحوار باستثناء البعثيين ومع ” تحفظنا على مقتدى الصدر الذي يمثل الخيمة والملاذ والأمل للبعثيين” إلا انه يسجل له هذا الموقف السياسي ولو على المستوى الاعلامي ، مقابل إئتلاف دولة القانون على لسان عضوها النائب حسين المالكي الذي قبل ضمنا بالحوار مع البعثيين من الذين لم (( تلطخ ايديهم بالدماء )) وفق مايدعي !؟ ، واضاف متحدثا الى موقع “عربي21” الخبري (التابع للمخابرات القطرية) ، يوم الخميس 11مارس 2021 حيث قال النائب حسين المالكي أن “محتجي تشرين هم أبناء العراق، والكاظمي دعوته لكل العراقيين في الداخل والخارج ، وحتى تشمل البعثيين ممن لم يرتكبوا جرائم وتتلطخ أيديهم بدماء العراقيين ” !؟ .
اما الانتخابات المرتقبة في حال إجرائها هذه السنة وهو أمر مستبعد ، هي ايضا لن تصلح أحوال العراق بل ستزيد الانقسام المجتمعي والاستقطاب الحزبي وتقربنا من الحرب الاهلية .
لأن كافة تقارير اهل الاختصاص تؤكد وفقا لقانون الدوائر المتعددة الذي أقر بفضل الحسابات الشخصية الضيقة للقيادات الشيعية سيشكل هذا النظام ضربة قاصمة للكتل الشيعية ، ونهاية الاغلبية السياسية الشيعية في البرلمان وإن الشيعة سيخسرون مابين 25 الى 45 مقعدا لصالح السنة والاكراد والعلمانيين و “التشارنة الجدد ” وإن قوى سياسية غير معروفة جديدة ستظهر على الساحة السياسية ستشكل بمجموعها “بيضة القبان ” في تحديد سياسات العراق الخارجية والداخلية
ويتخوف المراقبون من هوية هذه القوى الجديدة التي ظهر بعضها يصرح علنا في الترويج للتطبيع مع الكيان الصهيوني ويدافع عن حق اللواط والشذوذ الجنسي ويدعوا الى محاربة ايران وإعادة حزب البعث الى السلطة والارتماء باحضان السعودية والامارات .
هذه ليست رؤية سوداوية ولا نظرة تشاؤمية بقدر ماهي محاولة في قراءة المسارات الخطرة أعلاه ومقاربة لكل الحقائق وملامسة لكافة زوايا الواقع الذي يشهد تخبط سياسي عشوائي وغليان اجتماعي مستدام “قليله حقيقي وكثيره مفتعل” وانهيار اقتصادي متعمد ومقصود “لبيع العراق في أسواق الشركات العابرة للقارات” ، هذا الواقع سيؤدي بالضرورة الى مآلات ونتائج ستكون كلفتها عالية جدا من الدماء والفوضى والحروب والتشريد على حساب السلم الاهلي والتعايش السلمي وأمن واستقرار المواطن ، ولايفرح أحد ولا يشمت الآخر فسوف توزع الكلف بالتساوي على كافة المكونات العراقية ولكن حسب الأولويات والتدرج والمرحلية في التطبيق والتنفيذ .

و أزاء هذا الواقع يطرح تساؤل آخر وهو ما العمل وما البديل ؟

هذه الامة بحاجة الى هزة عنيفة وثورة انقلابية حقيقية يقودها الوطنيون والشرفاء والمخلصون لتصحيح مآلات ما انتهت اليه العملية السياسية من فشل ذريع في ادارة السلطة وبناء الدولة والانسان وبالتالي خيارات الحلول ضيقة جدا ولايوجد الا حلّان :

الأول : المشاركة القوية والواسعة للاغلبية الصامتة ( التي تشكل 70% من الناخبين ) في الانتخابات بشرط انتخاب العناصر المستقلة الكفوءة المخلصة النزيهة والمعروفة بمواقفها الوطنية والمشهود لها باستقامتها وعطائها وتواضعها ومواساتها للناس وخطها النظيف بعيدا عن المحسوبية والمنسوبية ، كذلك يجب انتخاب العناصر الحركية والحزبية التي اثبتت إستقامتها وكفائتها ونزاهتها وعطائها للناس والوطن خلال الفترة أو الفترات السابقة ، هكذا يمكن قطع الطريق على الطبقة السياسية الاوليغارشية وجيوشهم الانتهازية والمنتفعة من العودة الى السلطة ، وفي نفس الوقت يتم قطع الطريق ايضا امام الساعين الى السلطة من المبتورين الجدد ( اولاد الرفيقات وتشارنة الفوضى والحرق وجوكرية السفارات ومنع الدوام )

الثاني : إن تعذر تحقيق الحل الأول لأي سبب كان ، فليس من العقل ولا من المنطق بمكان ان تنتظر مكتوف الايدي في ساحة المعركة دورك في القتل تحت زيف غطاء الديمقراطية والانتخابات وتبادل السلطة مع البعثيين !!
لابد من الاستيلاء على السلطة بالقوة ( قوة الشارع والسلاح ) من قبل الوطنيين الخيريين والشرفاء والمخلصين اصحاب القوة والفعل من كافة المكونات السياسية !! بشرط الاستفادة من تجربة الحوثيين انصار الله ” التشاركية” في الحكم ، عندما سيطروا على صنعاء واليمن (بقوة الشارع والسلاح ) فهي خير أنموذج وخير هادي وخير طريق في السيطرة ” التشاركية ” على حكم العراق بالقوة ، وإفشال المخطط الامريكي الصهيوني الاسرائيلي العربي والتركي الناتوي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى