أحدث الأخبارفلسطين

الفساد لا يلتقى مع النهضة والتحرير

مجلة تحليلات العصر الدولية

احمد المدلل

عندما تحررت الدول العربية من الاستعمار شعرت بنشوة كبيرة أنها خرجت من نير العبودية الى دوحة الحرية والكرامة الوطنية… بعد مرور فترة من الزمن بدأ هذا الاحساس يتلاشى عندما ورثت أنظمة العسكريتاريا الاستعمار وأذاقت شعوبها ويلات الظلم والاستبداد … ومارست سياسة الحديد والنار لإخضاع الشعوب … بل إنها قضت على أى حالة استنهاض نحو مستقبل أفضل … لقد عمّ الفساد وأُهدرت المقدرات وضاعت الثروات التى انحصرت فى أيدى فئة قليلة صاحبة النفوذ والسلطة والتى لم تتجاوز ال 5% حسب تقارير عالمية … وبعد عقود من حكم الفرد أو العائلة الشمولى الاستبدادى جاء الربيع العربى … لم تعد لدى الشعوب طاقة لتتحمل كمّ الفساد والاستبداد الذى تمارسه هذه الأنظمة ، ثارت من الوجع ، واستبشر المنظرون والمفكرون والدعاة والمثقفون به خيرا … كادت الثورات أن تؤتى أُكُلها ؛ لكنْ ! … بدأ عملاء امريكا واسرائيل والغرب يعملون فى الخفاء لحرف الثورات عن طريقها المرسومة لها شعبيا والتى تريد أن تخرج من ربقة أنظمة تهيمن على سياساتها إرادة أمريكا والإمبريالية العالمية ، وتحققت رؤية كونداليزا رايس حول الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد والتى تماهت مع دعوات ثعلب السياسة الاسرائيلية شمعون بيرس من قبل لإقامة شرق أوسط كبير يستوعب اسرائيل كدولة طبيعية فى قلب العالم العربى والاسلامى وليخيم السلام المزيف على المنطقة بعد اقامة دولة اسرائيل اليهودية … وهذا ما أرادت امريكا واسرائيل تنفيذه فى عهد ترامب ونتنياهو من خلال ما سمّى ” صفقة القرن” … وعلى حين غفلة يتحول الربيع العربى الى خريف أسود وحريق أشعل المنطقة ومزّق مكونات الأمة … لم يتوقف لهيبه ، أكل الأخضر واليابس … دُمّرت بقايا مقومات الأمة بشكل كبير ، ولا تزال أمتنا تعيش مرارته ولم تخرج منه الى هذه اللحظة… انتشر القتل والدمار والخراب والاستغلال والاستبداد والفساد ونهب الثروات وانعدام أى فرصة لإحداث نهضة جديدة … غابت حظوظ الدول العربية حول أى إحتمالية تغيير نحو الأفضل لأن الفساد لم يعد بإسم أفراد أو عائلات بأعينهم وإنما فساد أنظمة وجماعات وقوى تتحكم فى مصائر الشعوب … ولم تعد القضية الفلسطينية تشكل أولوية لدى أنظمة وجماعات الفساد التى تحاول جاهدة ان تُحدث كياً لوعى الامة لتنسى فلسطين وقضيتها بل وتمادت بعض الانظمة بالاعتراف بدولة الكيان ونسج علاقات سياسية واقتصادية وثقافية ورياضية معها وتطبيع بكافة أشكاله … فهل هذه هى الحرية التى تنتظرها الشعوب وضحّت من أجلها …لقد ازدادت أوضاعها سوءاً على كافة الاصعدة بالرغم من امتلاكها كل مقومات التقدم والنهضة ؟؟؟ … وللأسف الشديد لم ينجُ الفلسطينيون الذين يعيشون مرحلة التحرير من هذا الفساد النظموى العربى الذى انعكس بأبشع صوره فى الاداء الفلسطينى الرسمى منذ نشأة منظمة التحرير التى مرت بمراحل متعددة عاشت أشكالا مختلفة من الفساد ( اختلاس المال ، سوء استخدام الموارد ، المحسوبية) ويشهد على ذلك أموال الصندوق القومى الفلسطينى وصندوق “صمود” لدعم الارض المحتلة وقد صُبّت فيهما الأموال صبا حتى أن ميزانية الصندوق القومى كانت تعادل ميزانيات دول أو تزيد … بالاضافة الى ما كان يُثار حول سلوكيات بعض قيادات الثورة الفلسطينية بعد الانتقال الى بيروت فى السبعينيات والتى أُطلق عليها إسم ” فتح لاند” وشارع الحمراء فيها … لا ننكر ان الكثير من الفدائيين تفانوا فى مواجهة العدو الصهيونى ونفذوا عمليات لا ينساها تاريخ النضال الفلسطينى على الحدود اللبنانية الفلسطينية وعمليات الدوريات فى الداخل الفلسطينى وعمليات فى كثير من دول العالم ضد دولة الاحتلال ، لكن الكثيرين ممن كانوا على راس هرم المنظمة والمتنفذين كانوا عناوين للفساد … ولم يتوقف مسلسل الفساد داخل مؤسسات المنظمة التى انهارت وذابت مؤسساتها فى دهاليز السلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق اوسلو … منظمة التحرير التى أُسست من أجل تحرير فلسطين واعتمدت فى المجلس الوطنى فى الخرطوم عام ١٩٦٧ اللاءات الثلاث (لا اعتراف ، لا مفاوضات ، لا تنازل ) هى نفسها التى وقعت على اتفاقية أوسلو وقامت بالاعتراف بدولة الكيان الصهيونى وتنازلت عن 78% من أرض فلسطين التاريخية فيما بقيت ال22% أرضا متنازع عليها… ومن ثم ذهبت أوهام السلام أدراج الرياح ولم يعد هناك إمكانية لإقامة دولة فلسطينية على حدود ٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية … ومنذ قدوم السلطة والحديث عن فساد أجهزتها لم يتوقف وطوال الوقت كان حديث الشارع الفلسطينى… بل إن التقارير كلها تؤكد أن فساد السلطة والتى على رأسها حركة فتح هو الذى دفع أبناء فتح أنفسهم لينتخبوا حماس والتى فازت فى الانتخابات التشريعية بما يقارب ال70% من كراسى المجلس التشريعى عام ٢٠٠٦م … لكنّ قادة الفساد رفضوا نتائج الانتخابات وانقلبوا عليها مما أدى الى حدوث انقسام سياسى وجغرافى حاد أضر بالقضية الفلسطينية ومنذعام ٢٠٠٦ والشعب الفلسطينى الذى كان يعانى من جرائم الاحتلال أصبح يئن تحت وطأة الاحتلال والانقسام والحصار … فى ظل مناكفات وسجالات بين الفلسطينيين لم تنتهِ وضاع الحلم الفلسطينى بالحرية والاستقلال … ومن الطبيعى ان يصل الوضع الفلسطينى الى هذه النتيجة السوداوية … من كان يصدق ان تضحيات الشعب الفلسطينى الكبيرة التى قدمها ولا يزال منذ اكثر من اثنين وسبعين عاما تودى به الى هذه الحال … وكأنه عقاب يتجرعه الشعب لأنه ناضل من أجل نيل حقوقه ولا يزال يعتبر نفسه أنه فى مرحلة تحرر وطنى … جرائم صهيونية مستمرة تُمارس ضده وتهويد للقدس والاقصى واستيطان قضم ارض الضفة والقدس والان نتنياهو وحكومته يعملون جاهدين لضم مساحات واسعة من الضفة الغربية والاغوار … وبالاضافة الى ذلك الفساد المالي والإداري التى تمارسه أجهزة ومؤسسات السلطة وفصائل لم يعد لها مبرر وجود وتتغذى على أموال الشعب الفلسطينى … تأكل السحت وتعيث فسادا فيما الشعب الفلسطينى يقتات الألم والفقر والجوع والحصار والقهر والتشريد والانتحار … تضيع كل القيم الانسانية والمتنفذون أباطرة السلطة والمال يتلذذون على عذابات الموظف الذى قُطع راتبه ولا يجد قوت أبناءه والعامل الفلسطينى الذى فقد عمله ويتحول الى متسول وأبناء الاسرى والشهداء وعوائلهم الذين فقدوا المعيل وحل عليهم عقاب السلطة بقطع معاش الأسير أو الشهيد وليس لهم الا الله هذا يحدث فى غزة .. أما فى الضفة الغربية فإن شعبنا يواجه جيشين (الاحتلال وجرائمه المستمرة وفساد السلطة بكافة أشكاله ) وقد ملأت التعليقات والإدانات الآفاق بعد الكشف عن قضايا وفضائح جديدة يرتكبها قادة متنفذون من السلطة”إهدار المال العام، استغلال النفوذ، غسيل الأموال، التكسب من الوظيفة العمومية ، التبادل التجارى مع المستوطنين ، الابتزاز ” جميعها تُهم كانت تلاحق قادة ومسؤولي السلطة، خلال الأيام الماضية … ولم يقف الامر عند السلطة الفلسطينية بل تعدى ذلك الى أحزاب وتنظيمات ومؤسسات أهلية وجمعيات خيرية … الحالة الفلسطينية بشموليتها وصلت الى هذه الحال بسبب : أولا طغيان المال السياسى . ثانيا غياب الديمقراطية ومجالس الشورى الحقيقية وغياب المراقبة والمساءلة

والمحاسبة وانعدام الشفافية وسيطرة المحاور وتمركز القرار بيد الفرد … كما قال عبد الرحمن الكواكبى أحد رواد الحركة الاصلاحية العربية : السلطة المطلقة مفسدة مطلقة … لذا التساؤل الحقيقى هل يمكن ان يكون نهضة أوتحرير فى ظل الفساد ؟ … السنة الالهية والتاريخية وكما أورد إبن خلدون فى مقدمته ” أن الظلم ( الفساد والاستبداد) مؤذن بخراب العمران” … لن ينجو المفسدون والمستبدون من عقاب الله الدنيوى والأخروى ولعنة الأجيال القادمة … ودروس التاريخ القديم والحديث والمعاصر تؤكد ذلك … ولا يتوهم أحدنا مهما علا وامتلك اذا تلطخ عمله بالفساد أنه سيحقق الاهداف السامية ، يقول تعالى” إن الله لا يُصلح عمل المفسدين ” صدق الله العظيم …

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى