أحدث الأخبارالثقافة

الفساد والسكوت عنه أعظم معاول هدم الدول

مجلة تحليلات العصر - الحسين أحمد كريمو

قرأتُ هذه الكلمات عن السلطان العثماني سليمان القانوني الذي سأل عالماً يُقال له: “يحيى أفندي”، عن علامات انهيار الدولة؟ فأجابه: “ما لي ولهذا أيها السلطان، “ما خصّني”.
فتعجّب السلطان من جوابه، وطلب منه تفسيراً له وماذا يقصد، قال له العالم: أيها السلطان؛ “إذا انتشر الظلم في بلد، وشاع فيه الفساد، وقال كلّ مَنْ سمع ورأى الظلم والفساد: ما لي وهذا، وما خصَّني، وانشغل بنفسه فقط، وإذا كان الرُّعاة هم الذين يفترسون الغنم، وسكتَ مَنْ عرف بهذا وسمعه، وإذا زاد صراخ الفقراء والمحتاجين والمساكين، وارتفع بكاؤهم إلى السماء، ولم يسمعهم بعد الله، سوى الشجر والحجر والمدر، عند ذلك تلوح نهاية الدولة، وتفرغ خزينتها، وتهتزُّ ثقة الشعب بها واحترامهم لها، ويتقلص الشعور بالطاعة.. وهكذا سيكون الاضمحلال قدراً مكتوباً على الدولة لا مفرّ منه، وبذلك تنهار الدولة، وتكثر المِلل، وتزيد العِلل، ويسود المَلل، وينتشر الجهل المطبق إلى أجل محتوم، ويُصبح الشعب محروماً، ومظلوماً، والشرّ معلوماً، والكلّ مصدوماً”.
نعم؛ عندما نسكت على الفساد يولد الطاغية، وعندما نسكت عن الطاغية يتحوَّل إلى فرعون ويكاد أن يقول: (أنا ربكم الأعلى)، كما قالها ذاك في قديم الزمان، ولذا قيل: “كلٌ منكم يُخفي ما أظهره فرعون”، لأن النفس البشرية تحب وتطلب الجاه، وللجاه سُكر اشد من سُكر الخمرة.
فهما فأس بحدين؛ حدٌّ يضرب به الطاغية، وحدٌّ يضرب به الساكت عنه لأنه يُشجعه، وربما يُسلطه ليكون من أنصاره وأعوانه على الظلم، فيظلم أقرب الناس إليه، كما نرى بأم العين في بلدان وممالك الرمال، ومهالك الرجال من حولنا، فهذا الصبي الذي كان فرعون صغير فكان يكاد ينبطح أمام ابن عمه وهو يُبِّل يده وربما رجله، إلا أنه تمسكن حتى تمكن ولما تمكن ضرب الجميع لأنهم لم يأخذوا على يديه منذ الجريمة الأولى بل سكتوا وغضوا الطرف عنه حتى راق يقطِّع الناس بالمشار الكهربائي وتُبثُّ له العملة حتى يستمتع بهذه الجريمة التي وقعت بهذا الشكل لأول مرة في التاريخ، فيُسجَّل له قصب السبق بها، ويُسمى؛ “ملك المنشار الكهربائي”.
فالفساد الذي يعم في البلد يجمع في عدسة مصغرة فيُعطس فاسداً مركزاً يحرق البلد على مَنْ فيه ولذا شدد الإسلام العظيم، والشرع الحنيف على مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفرع من فروع الدِّين كالصلاة، بل هو الذي جعل الأمة الوسطى خير أمة قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران: 110)
فلا يوجد عقيدة بعد الإيمان بالله لها هذه المكانة لأنها أساس بناء المجتمع الصالح، والدولة الحضارية التي تأخذ على يد الفاسد وتمنعه من النمو والتكبر والتجبر على خلق الله وعياله الفقراء والبسطاء، فسطوته لهم وليس عليهم، وقوته بهم وليست ضدَّهم، هكذا تكون الحكام خدام الشعوب ومربيها ومعلميها وساستها بالحق والصدق وليس بالمكر والخديعة والكذب والدجل.
فما أجمل قول حكيم الإنسانية (ع): (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونُظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتُقام المعطّلة من حدودك..”.
فهو الذي حذَّر الأمة من المنكر والفساد بعده، فقال(ع): (وإنه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفى من الحق، ولا أظهر من الباطل، ولا أكثر من الكذب على اللّه ورسوله، وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حقّ‏ تلاوته، ولا أنفق منه إذا حرِّف عن مواضعه، ولا في البلاد شيء أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر).
نعم؛ إنه أعظم قائد وحاكم في التاريخ البشري، إنه الإمام علي بن أبي طالب (ع) رمز الحق والعدل في الحكم، والقسط في المجتمع، وما أحوج الدنيا لعدله، والعالم لقسطه في هذا العصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى