فلسطين

القدس أولى القبلتين: تاريخ وكفاح!!

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: د. أحمد الزين

مقدمة: يتساءل البعض ما الفرق بين بيت المقدس والمسجد الاقصى؟ الجواب هو ان بيت المَقْدِس (اي المبارك) هو الاسم الذي كان متعارفًا عليه قبل أن يُطلق عليه اسم “المسجد الأقصى” في القرآن الكريم، وهذا الاسم هو المستَخدَم في معظم أحاديث النبي محمد صل الله عليه وآله، مثل ما قاله يوم الإسراء والمعراج: “ثم دخلت أنا وجبريل عليه السلام بيت المقدس فصلى كل واحد منا ركعتين”.
ويتساءل البعض لماذا تسمى القدس أولى القبلتين؟ ولماذا أطلق على المسجد الأقصى او بيت المقدس أولى القبلتين؟ والسبب هو ان الرّسول محمد (ص) والمسلمين الأوائل، أي في المرحلة الأولى لظهور الإسلام، كانوا يستقبلون القدس أول ما فرضت الصلاة، أي يتّجهون في صلواتهم نحو بيت المقدس اوالمسجد الأقصى الذي يقع داخل البلدة القديمة بالقدس في فلسطين. ثم نُسِخَ ذلك في السنة الثانية وجُعِلَت قبلته إلى الكعبة، فهي القبلة الثانية. لذلك تسمى القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة والمدينة، ومسرح النبوات وزهرة المدائن، ومهبط الديانات السماوية، واعظم مدن العالم قداسة، ومعرج الرسول محمد (ص) وقيامة المسيح، والقدس هي رمز التسامح والمحبة. فلقد ورد في صحيح مسلم عن أنس أنّ رسول اللّه “كان يصلي نحو بيت المقدس…” (صحيح مسلم: ج 1، 375؛ سنن أبي داود: ج 1، 340؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، 325). وقد ذُكر المسجد الأقصى في القرآن الكريم: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (سورة الإسراء، الآية 1). كما يُقدّس اليهود أيضًا المكان نفسه، ويطلقون على ساحات المسجد الأقصى اسمَ “جبل الهيكل” نسبة إلى هيكل النبي سليمان (ع)، وتُحاول العديد من المنظمات اليهودية المتطرفة التذرع بهذه الحجة لبناء الهيكل حسب مُعتقدها.
نبذة تاريخية: كانت أرض مدينة القدس في قديم الزمان صحراء تحيط بها الاودية والسهول، وتحيط بها كذلك الجبال التي اقيمت عليها المدينة، وهي جبل موريا (وتعني المختار) القائم عليه المسجد الاقصى وقبة الصخرة، وجبل اُكر حيث توجد كنيسة القيامة وجبل نبريتا بالقرب من باب الساهرة، وجبل صهيون الذي يعرف بجبل داود في الجنوب الغربي من القدس القديمة. أول مجموعة من البشر قدمت إلى مدينة القدس وسكنتها، وهم اليبوسيون (3000 – 1550 ق.م) قبيلة كنعانية، وهم الذين بنوا مدينة القدس وأسموها “اور شليم (اي مدينة السلام)، حتى أن بقايا الآثار اليبوسية ما تزال باقية في سور المسجد الأقصى بحسب رأي بعض الباحثين. وفي تلك الفترة، هاجر النبي إبراهيم (ع) إلى مدينة القدس، وعمّر المسجد وصلّى فيه، وكذلك ابنه إسحق وحفيده يعقوب من بعده.
لقد اتخذت القدس ميزة خاصة باحتضانها العديد من الحضارات، والتي تكالبت عليها تارة بالعنف وبالسلم والهدوء تارة اخرى. فمنذ ستة الاف سنة، تم بناء “حصن يبوس” الذي هو القدس في عصرنا الحاضر. واسم “يبوس” نسبة إلى الزعيم العربي يبوس بن كنعان شيخ القبيلة اليبوسية، التي كانت أول من استوطن المكان الذي عرف، فيما بعد، باسم مدينة القدس. وتعتبر مدينة القدس أو بيت المقدس، مدينة عربية قديمة، أسسها العرب الكنعانيون قبل حوالي خمسة آلاف سنة، واسم “القدس” الذي عرفت به المدينة منذ فجر تاريخها، يعني البركة والطهارة. وللقدس قيمة روحية كمدينة مقدسة منذ أقدم العصور، فقد أقام سكانها العديد من أماكن الصلاة والعبادة بها، وكان سكان مدينة القدس، بقيادة الملك العربي الكنعاني “ملكي صادق” يؤمنون بعقيدة التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، التي جاء بها جميع الرسل والأنبياء عليهم السلام.
وقد سميت القدس، قلب فلسطين، وعاصمتها الابدية، بعشرات الاسماء التي اقترنت باسماء البناة او الغزاة، هذه الاسماء وردت في وثائق وسجلات عديدة في مختلف انحاء العالم القديم والحديث، وهذا يؤكد ان مختلف الحضارات تصارعت على القدس، كما يتضح من خلال الاسماء الكنعانية والفارسية واليونانية والرومانية والاسلامية لهذه المدينة المقدسة. والقدس هي المدينة الوحيد في العالم التي تحظى بالقداسة لدى جميع الديانات السماوية الثلاث:
1- كان اليهود يقدسونها لأنها حسب زعمهم، مقر إقامة ربهم الخاص «يهوه» ومنها يبعث مسيحهم الذي طال انتظاره، ويزعمون أيضا أن سليمان عليه السلام أقام هيكله المزعوم فيها.
2- المسيحيون أيضا يقدسونها لأنها هي مهد رسالة نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام، وفيها تآمر اليهود مع السلطات الرومانية ضده، وجرت الأحداث المأساوية التي انتهت بالقبض على السيد المسيح عليه السلام والزج به في السجن ثم محاكمة صورته.
3- المسلمون ايضا يقدسونها حيث ارتبط المسجد الأقصى بأذهان المسلمين نظراً لصلته الوثيقة بعقيدة المسلمين وتاريخهم، إذ كانت القبلة الأولى للمسلمين بعد هجرة النبي محمد إلى المدينة المنورة عام 1 هـ الموافق 622م، فقد كان المسلمون يتوجّهون إلى المسجد الأقصى في صلواتهم، ومكثوا على ذلك مدة 16 شهرًا تقريبًا، وكان وجهة النبي محمد (ص) في رحلة الإسراء والمعراج، وذلك ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين (3 ق هـ)، إذ يؤمن المسلمون أن النبيَّ محمدًا خرج من المسجد الحرام، بمكة المكرمة، بصحبة المَلَك جبريل راكبًا دابّة البراق، فنزل في المسجد الأقصى، بالقدس، وربط البُراق بحلقة باب المسجد عند حائط البراق، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا، ثم عُرج به من الصخرة المشرّفة إلى فوق سبع سماوات.
الموقع الجغرافي: بالاضافة الى المكانة الدينية للقدس، فان للقدس ميزة جغرافية خاصة، بسبب تواجدها في قلب العالم تقريبا، عند مداخل قارات العالم القديم الثلاث: آسيا، أوروبا، وأفريقيا. كما تقع القدس في وسط منطقة الشرق الاوسط، بما تعرف الان بغرب أسيا. بالإضافة إلى إشرافها على الطرق التجارية والعسكرية الرئيسية التي تربط بلاد الشام ووادي الرافدين بالأراضي المصرية، جعلها عرضة للاحتلال من قبل الهكسوس والفراعنة والحوريين واليهود، ثم احتلها الفراعنة مرة أخرى والآراميون والآشوريون والبابليون ثم الفرس واليونانيون والرومان، وفي القرن الميلادي السابع، استطاع الفاتحون العرب المسلمون تحرير القدس وفلسطين بأسرها.
خيار الكفاح المسلح والمقاومة: هذا العرض والسرد التاريخي الحافل للقدس ارضا، وموقعا، ومقدسات وحضارة، هو جزء من الحقائق التاريخية التي تعكس عروبة واسلامية القدس واهلها، والتي هي حقائق ثابتة لا تخضع للتأويل ولا لوجهات النظر ولا تحتاج للادلة او البراهين، لأن الكنعانيين العرب هم أول سكان عرفهم التاريخ المكتوب لفلسطين ولغاتهم وآثارهم الاجتماعية، واللوحات الآثارية المكتشفة يؤرخ لوجود الفلسطينيين الأوائل في العصور القديمة في القدس، ويفند المزاعم التي تنسب فلسطين إلى أوروبا، بعد رصد تواريخ احتلال القدس والتحرر حتى الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، على خلفية وعد بلفور، وتحت مظلة الاحتلال البريطاني لفلسطين، واحتلال بلاد الشام، وصولا إلى الحكم اليهودي للقدس والحق المزعوم والشعب اليهودي المختار. رغم هذه الاعتبارات اليهودية المزعومة حول الحق في فلسطين، فهم لا يملكون أي أسانيد تاريخية أو دينية، تخولهم امتلاك فلسطين ومدينة القدس سواء في الزمن الغابر أو في التاريخ الحديث، وأن قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية وأخرى يهودية الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 29 سبتمبر 1947، يعتبر من الناحية القانونية مجرد توصية، وليس ملزما لجميع الأطراف، حيث أن المشروع الصهيوني، هو مشروع استعماري عنصري، تقف وراءه أمريكا هدفه مسح الهوية التاريخية والثقافية والحضارية للعرب، بالاضافة الى مشروع الشرق الاوسط الذي يريد أن يلغي عشرة آلاف سنة من التاريخ هي عمر التاريخ العربي الفلسطيني، ويفرض على العالم كله تاريخا مزورا يظهر فيه الصهاينة المغتصبون وكأنهم الأصل في فلسطين، ويظهر العرب أصحاب التاريخ والحضارة الرائدة، وكأنهم الغرباء العابرون في هذا التاريخ.
لذلك لمدينة القدس خصوصية دينية وعلامة روحية كبرى للإنسانية عامة وللمسلمين خاصة، كونها اولى القبلتين وثاني المسجدين، ومنها عرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماوات العلى ليلة الإسراء والمعراج، ولا تخفى دلالة البعد العقَائدي من تحديد قبلةٍ واحدةٍ لكلّ المسلمين في أثرها في توحيد الأمة، ومما اعطى للقدس رمزية خاصة في النضال والكفاح الفلسطيني التحرري، وقد لا زال الكفاح الشعبي والعربي الوحدوي، يستلهم هذه الخصوصية في مشروعه النظري والعملي الاستراتيحي، وتبنيه خيار المقاومة والانتفاضة والكفاح المسلح الطريق الوحيد الاقدر لتحرير القدس وفلسطين وليس عبر المفاوضات المذلة والاتفاقيات الورقية وخطط السلام غيرالعادلة واخرها خدعة “صفقة القرن”، وإعلان القدس عاصمة “إسرائيل” كدولة يهودية، والتي جعلت منطقة غرب أسيا تغلي على صفيح ساخن، بسبب الهدف الامريكي-الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاستيطان وضياع القدس، ومنع اللاجئين الفلسطينين من استعادة حق العودة الى ارضهم.
وهنا يتساءل البعض هل بإمكاننا إسقاط صفقة القرن؟ الجواب: نعم بالتأكيد. لان أمام الفلسطينين وقياداته وفصائله خيارين لا ثالث لهما: إما التسليم بالأمر الواقع والخضوع والخنوع والاستسلام لإرادة المحتل الصهيوني الغاصب، وإما الرفض ومواجهة المؤامرة ومقاومة القرارات الظالمة بكل ما أوتي من قوة، وبذل التضحيات الجسام في سبيل الحق والعدالة. وبالفعل، فقد سجل لفلسطينيون موقفا تاريخيا شريفا شجاعا جامعا برفض “صفقة القرن”، وبتبني الخيار الاخير، وهو خيار المقاومة الذي يتطلب من الفلسطينين وحدة الموقف والقيادة، وتوحيد الجهود، والتعاون والتنسيق بين فصائله وقوى محور المقاومة، وتفعيل قرار الاجماع الوطني، ووقف التنسيق الأمني مع المحتل الصهيوني، وإنهاء الخلافات السياسية، وتقريب وجهات النظر، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في سبيل المصلحة الوطنية العليا لمواجهة الضغوطات الامريكية الصهيونية التي تستهدف إنهاء قضيتهم، وبذل كل السبل الممكنة سياسيا ودبلوماسيا وعربيا ودوليا وامميا. كما ينبغي أن يكون الفعل بحجم هذا التحدي الكبير، بحيث يتحول عمل المقاومة وإشعال الانتفاضة وإطلاق المسيرات الشعبية الى براكين حارقة تنفجر في كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة، إيمانا وعملا بقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }.

للامم المتحدة في 29 سبتمبر 1947، يعتبر من الناحية القانونية مجرد توصية، وليس ملزما لجميع الأطراف، حيث أن المشروع الصهيوني، هو مشروع استعماري عنصري، تقف وراءه أمريكا هدفه مسح الهوية التاريخية والثقافية والحضارية للعرب، بالاضافة الى مشروع الشرق الاوسط الذي يريد أن يلغي عشرة آلاف سنة من التاريخ هي عمر التاريخ العربي الفلسطيني، ويفرض على العالم كله تاريخا مزورا يظهر فيه الصهاينة المغتصبون وكأنهم الأصل في فلسطين، ويظهر العرب أصحاب التاريخ والحضارة الرائدة، وكأنهم الغرباء العابرون في هذا التاريخ.
لذلك لمدينة القدس خصوصية دينية وعلامة روحية كبرى للإنسانية عامة وللمسلمين خاصة، كونها اولى القبلتين وثاني المسجدين، ومنها عرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى السماوات العلى ليلة الإسراء والمعراج، ولا تخفى دلالة البعد العقَائدي من تحديد قبلةٍ واحدةٍ لكلّ المسلمين في أثرها في توحيد الأمة، ومما اعطى للقدس رمزية خاصة في النضال والكفاح الفلسطيني التحرري، وقد لا زال الكفاح الشعبي والعربي الوحدوي، يستلهم هذه الخصوصية في مشروعه النظري والعملي الاستراتيحي، وتبنيه خيار المقاومة والانتفاضة والكفاح المسلح الطريق الوحيد الاقدر لتحرير القدس وفلسطين وليس عبر المفاوضات المذلة والاتفاقيات الورقية وخطط السلام غيرالعادلة واخرها خدعة “صفقة القرن”، وإعلان القدس عاصمة “إسرائيل” كدولة يهودية، والتي جعلت منطقة غرب أسيا تغلي على صفيح ساخن، بسبب الهدف الامريكي-الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاستيطان وضياع القدس، ومنع اللاجئين الفلسطينين من استعادة حق العودة الى ارضهم.
وهنا يتساءل البعض هل بإمكاننا إسقاط صفقة القرن؟ الجواب: نعم بالتأكيد. لان أمام الفلسطينين وقياداته وفصائله خيارين لا ثالث لهما: إما التسليم بالأمر الواقع والخضوع والخنوع والاستسلام لإرادة المحتل الصهيوني الغاصب، وإما الرفض ومواجهة المؤامرة ومقاومة القرارات الظالمة بكل ما أوتي من قوة، وبذل التضحيات الجسام في سبيل الحق والعدالة. وبالفعل، فقد سجل لفلسطينيون موقفا تاريخيا شريفا شجاعا جامعا برفض “صفقة القرن”، وبتبني الخيار الاخير، وهو خيار المقاومة الذي يتطلب من الفلسطينين وحدة الموقف والقيادة، وتوحيد الجهود، والتعاون والتنسيق بين فصائله وقوى محور المقاومة، وتفعيل قرار الاجماع الوطني، ووقف التنسيق الأمني مع المحتل الصهيوني، وإنهاء الخلافات السياسية، وتقريب وجهات النظر، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في سبيل المصلحة الوطنية العليا لمواجهة الضغوطات الامريكية الصهيونية التي تستهدف إنهاء قضيتهم، وبذل كل السبل الممكنة سياسيا ودبلوماسيا وعربيا ودوليا وامميا. كما ينبغي أن يكون الفعل بحجم هذا التحدي الكبير، بحيث يتحول عمل المقاومة وإشعال الانتفاضة وإطلاق المسيرات الشعبية الى براكين حارقة تنفجر في كافة الاراضي الفلسطينية المحتلة، إيمانا وعملا بقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى