أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

القدس بين تحذيرات هنية وأولويات مشعل

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

القُدس كانت كلمة السر في اشعال مختلف الثورات والانتفاضات التي شهدتها فلسطين خلال المائة عام الماضية، وستبقى القدس كلمة السر في اندلاع الانتفاضة التي تخرج القضية الفلسطينية من جب التردي التي ألقيت به منذ توقيع اوسلو 1993.
وستكون القدس كلمة السِّر في انطلاق شرارة ثورة عربية اسلامية، وربيع جارف لهذا الكيان الصهيوني ومعه النظام العربي الرسمي الذي تبين أنه الدرع الحامي للكيان الصهيوني المجرم، الذي يمر بأزَمات داخليّة وخارجيّة مُتفاقمة، وتخبّط وانقِسامات حتما ستكون بداية زواله وتفككه.
القدس ليست قضية، بل عقيدة تجمع الأمة، لذا تعتبر استباحة المسجد الأقصى مسألة خطيرة جدا، والبطولة التي يسطرها أهالي القدس رأس حربة للمعركة الوطنية بل والعربية والاسلامية، وتضع الجميع أمام مسؤولياته، لذا رأينا سيلاٍ من البيانات والاستنكارات لما تتعرض له القدس من الانتهاكات، تعمل حماس ومعها قوى المقاومة لتطويرها نحو حراك رادع للعدو وأطماعه التي وصلت العديد من عواصم العرب.
معركة القدس وضعت المطبعين العرب في وضعهم الطبيعي، وضع حقير هامشي لا ليس له تأثير أو أهمية في مسار الأمة، لأن ما يجري في المسجد الأقصى طالما كان محرك للأمة، وشعبنا وأحرار أمتنا لن يستأذنوا أحدا في الرد على العدوان الصهيوني، فالشعب الفلسطيني سينتصر حتى لو بقي وحده لأنه يدافع عن واحدة من أشرف قضايا الأمة.
كان العدو الصهيوني يظن أن الفلسطينيون المحبطون من الوضع السياسي الفلسطيني في أعقاب انتهاء مسرحية الانتخابات التي ألغاها محمود عباس، لن تبلغ ردة فعلهم درجة احباط محاولات التهويد والضم والابتلاع للقدس وأحيائها وتهجير وطرد سكانها، في نكبة ثانية على مرأى ومسمع العالم المتواطئ، بالتزامن مع ذكرى مرور 73 عاما على نكبة العام 1948، لذا مخطئ من يعول قيد أنملة على محمود عباس وقيادة رام الله لجهة تحمل مسؤولياتهم، أو إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام.
إن معركة القدس أوضحت للجميع أنها المعركة الأكبر أمام الشعب الفلسطيني وليس أكذوبة الانتخابات التي كانت محاولة لحرف البوصلة نحو معركة داخلية عوضا عن المعركة مع الاحتلال.
انتفاضة القدس ستمثل اولى اختبارات استراتيجية المقاومة الشاملة التي تتبناها فصائل المقاومة، وشعبنا يراهن اليوم على التهاب الضفة واشتعالها تحت أقدام المحتل، لجهة اشعال فتيل الانتفاضة والانفجار في وجه الاحتلال، تزامنا مع جهوزية وتحفز غزة للجم العدو وردعه عن التغول في انتهاك دماءنا وحرماتنا.
كما ستمثل انتفاضة القدس اليوم أولى الاختبارات أمام قيادة حماس الجديدة، لجهة بيان قدرتها على تحريك الجميع للخروج في هبة نصرة للقدس، هبة تجسد الغضب العارم لفعل حقيقي في كل الساحات.
هبة تترجم تحمل العدو ثمن اعتدائه على مدينة القدس وتدنيسه للمسجد الاقصى والاعتداء على المصلين، من خلال قدرة المقاومة على ردعه ورسم معادلات جديدة في الصراع مع الاحتلال.
معادلات تعيد ثوار الضفة الغربية والداخل المحتل لإشعال خطوط التماس والمواجهة مع العدو، والزحف لدعم المرابطين في المسجد الاقصى، بالتزامن مع موجهة عربية واسلامية عارمة لمناصرة أبناء القدس بكافة السبل وحشد الطاقات للمواجهة الكبرى مع الاحتلال.
هبة كفيلة بكسر الصمت العربي والاسلامي على عنجهية الاحتلال وتغوله في الاعتداء على المسجد الاقصى والشعب الفلسطيني وتهويد القدس.
هبة تعيد العالم العربي والاسلامي إلى مكانه الطبيعي في الوقوف في وجه هذا الاحتلال وممارساته الهمجية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وقبلة المسلمين الأولى.
حيث تبين مواقف حماس المتدرجة في منحنى تصاعدي أنه بات لديها قرار واضح بعدم السماح بتهويد الشيخ جراح واقتحام المسجد الأقصى يوم 28 رمضان وعربدة الاحتلال على أبناء الشعب الفلسطيني، اضافة لتوظيف هذه الهبة لتمزيق ما تبقى من أطلال صفقة القرن تحت اقدام أبناء القدس الصامدين، واطلاق المخزون الجهادي الذي يسكن كل مواطن فلسطيني، لتصنع فارقا بين مرحلتين، فما قبل هذه الأيام ليس كما بعدها على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي كما يؤكد زعيم حماس اسماعيل هنية.
إن هذه الهبة تضع حماس أمام تحدي لبيان مدى قدرتها على تعبئة وتحريك الجماهير التي تهتف للمقاومة لجهة تحويلها من هبة عاطفية إلى شرارة انتفاضة تغير الواقع المتردي الذي خلفه السلوك اللا وطني والشاذ لسلطة محمود عباس.
لا تلعب بالنار كانت هذه رسالة هنية لنتنياهو، مؤكدا أن هذه معركة لا يمكن أن تنتصر بها، لأنه على صخرة المسجد الأقصى سوف يتحطم الكبرياء والجبروت الصهيوني.
الأمر الذي يثبت أننا أمام معركة كبيرة فيها تهويد وسيطرة على القدس، ومحاولة لتقسيم المسجد زمانيًّا ومكانيّاٍ وتغيير للوقائع على الأرض، وأننا أمام صراع وجود على هذه المدينة المقدسة، فهل أخطأ نتنياهو في تقدير الموقف، كما فعل عام 2017 عندما وضع البوابات الإلكترونية التي انتصر فيها المقدسيون برباطهم واصرارهم وتضحياتهم.
القدس مركز الصراع، وساحة للشراكة الوطنية؛ ففي معركة الدفاع عنها يتوجد الجميع، وتذوب الألوان وتزول الفواصل وتتلاشى فجوات الانقسام، ونجاح المقدسيون في معركة البوابات الإلكترونية عام 2017، تبشر بالانتصار اليوم في معركة باب العامود وحي الشيخ جراح.
فالقدس ليست معركة أهلُها وحدَهم، بل معركة الشعب الفلسطيني وفصائله كافة، ومن خلفهم أمة عربية واسلامية ممتدة ذات امكانات وقدرات كبيرة لمن أحسن احيائها وتوظيفها.
وها هي القدس تثبت المرة تلو الأخرى أن كيان العدو هو أساس المشكلة في المنطقة، ولن يكون يوما جزءًا من الحل، فالقدس أجرت انتخاباتها على طريقتها، وأدلت بصوتها في صناديق الرباط والصمود، واختارت ممثليها من الثوار والمنافحين عن طهارة عتباتها وساحاتها وبواباتها.
جدير بالذكر أن هبة القدس اليوم تجسد أولى الملفات العشرة التي حددها زعيم حماس في الخارج خالد مشعل، وهي تصعيد المقاومة، والتي يؤمل أن تكون بوابة واسعة نحو الملف الثاني وهو إنهاء الانقسام، وإعادة الاعتبار لقضيتنا الفلسطينية، وجعل القدس مركزا وعنوانا للصراع مع الاحتلال، على طريق كسر الحصار عن غزة، وحماية هذا الحصن المقاوم على أرض غزة.
غزة التي تملك ذخرا كافيا لتحرير الأسرى، تمهيدا لمزيد من التوغل في مشروع التحرير، الضمان الوحيد لعودة اللاجئين، الأمر الذي يستوجب تحشيد الشعب الفلسطيني وتمكينه من الشراكة في ممارسة المقاومة ومواجهة الاحتلال، وتحشيد الأمة وأحرار العالم لدعم القضية الفلسطينية وإسنادها، وملاحقة الكيان الصهيوني في العالم ومحاصرته، الأمر الذي تزداد فرص نجاحه حال نجحت حماس في تقوية وتصليب صفها الداخلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى