فلسطين

القضية الفلسطينية بين الاديولوجيا القومية والبعد الاسلامي

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: محمد وناس

مع ان التاريخ حافل بالأحداث لكن يبقى بعضها ذو اثر كبير في مخيلة الذاكرة الانسانية ويهيمن على سلوكياتها وتفكيرها بشكل كبير وتتجذر حتى تصبح عقيدة او فلكلور ثابت . ومن ابرز هذه الاحداث تلك التي ترتبط بإراقة الدماء او الجرائم الكبرى . حتى تصل الى ان تصبح هذه الاحداث من ضمن الارث الحضاري لشعب ما .
ومع ان الدم الانساني شيء لا يستهان به ولا يمكن التفريط به لكن ان يتحول ذكرى مجزه ما او جريمة ما الى ارث مجتمع فهذا الامر يستحق النظر ومعرفة اسباب ترسخ التجارب القاسية في مخيله الشعوب والمجتمعات وهيمنتها على ثقافة الشعوب . وكيفية استغلال الحدث الدموي وتحويله الى ذريعة للقتل ونشر فكر الموت وتحويله الى منهج عمل مؤسسه
هذا الاسلوب الذي استخدمته الصهيونية العالمية في نشر فكرها بين اليهود وحتى بين غير اليهود .
استطاعت الصهيونية العالمية ان تحول الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود الى ذريعة لإراقة الدماء وتهجير شعب والاستيلاء على ارضه .
من ابسط بديهيات الكون ان يكون لأي شعب ما حق بالاستقلال والسيادة على ارضه وبناء دولته الحرة بقانون يتناسب مع معتقده واعرافه
.الخاصة وثقافته , ويكون لهذا الشعب لغة تخاطب مشتركه وهذه التفاصيل لا تنطبق على ما يسمى بالشعب الاسرائيلي ( بحسب المنهج الصهيوني ) .
يقول الدكتور شلومو ساند في كتابه اختراع الشعب اليهودي الصادر باللغة الانجليزية .
• ليس هنالك وثائق تاريخية تثبت طرد الرومان للشعب اليهودي في اي وقت من الاوقات . حيث ان من المستحيل لوجستيا في ذلك الزمن ان يتم طرد مئات الالاف من مكان الى اخر .
.يرى ساند ان اليهود المعاصرون لا ينحدرون من اصل اليهود القدامى الذين عاشوا في اسرائيل القديمة , ولا يوجد ما يسمى بالعرق اليهودي . واليهود لا ينتسبون لمنبع واحد حالهم حال المسلمين والمسيحين . _ لم يتم ترحيل اليهود خارج البلاد على أيدي الرومان خلال القرن الثاني الميلادي، وأغلبهم ظل يعيش في البلاد حتى أزمنة “الفتح الإسلامي- القرن السابع والثامن الميلادي”، وقد تحول الكثير منهم إلى الإسلام، واستوعبتهم الأمة الإسلامية، مما يعني أن العديد من أسلاف فلسطينيي اليوم كانوا يهودا.
• _ يرى “ساند” أن أسطورة “الشتات” اليهودي بدأت مع عصور المسيحية الأولى، لجذب اليهود للديانة الجديدة
• _ يقول ساند , ظهرت في ألمانيا مجموعة من المثقفين اليهود الذين تأثروا بالحماس المتقد للقومية الألمانية، وأخذوا على عاتقهم مهمة “اختراع” قومية يهودية
• _ويرى “ساند” أن فكرة الوعد بعودة الأمة اليهودية إلى الأرض الموعودة، هي فكرة غريبة تماما على “اليهودية”، وهي لم تظهر إلا مع ميلاد “الصهيونية”، حيث تعامل اليهود من قبل مع الأراضي المقدسة كأماكن يتم تعظيمها، وليس من الضروري العيش في كنفها –تماما مثلما يتعامل المسلمون مع أماكنهم المقدسة
الغريب في الامر ان ما تم تدبيره من مؤامرات فكرية وتزوير للحقائق في موضوع القضية الفلسطينية لم يعهده التاريخ من قبل واشترك فيه الجميع (الخصوم والاعداء) ومن يدعون نصرت القضية الفلسطينية ايضا اشترك (قد يكون مدرك او غير مدرك ) لمدى تورطه ودوره في المؤامرات هذه .
ومن اكبر هذه المؤامرات هي اطلاق تسمية الصلاع العربي _ اليهودي على قضية فلسطين . والحقيقة ان هذه التسمية مازالت تجد لها حيز كبير في عقول العرب والمدافعين عن القضية الفلسطينية بغير وعي . بل وتسللت الى عقول ابناء المنطقة بشكل غريب واصبحت ثقافة لدى . ابناء المنطقة
• الكثير من اليهود غير مهتمون بإسرائيل ويعتبرونها كذبة كبيره لا اثر لها في المعتقد اليهودي ولم يتفاعلوا معها مطلقا , وجميعنا شاهد عبر الاعلام التظاهرات التي يقيمونها سنويا في فرنسا وامريكا وبريطانيا وحتى في القدس ضد الصهيونية العالمية ابرزهم حركة ناطوري كارتا ( حارس الوطن ) . فنحن بأطلاق كلمة الصراع اليهودي نكون قد وجهنا خصومتنا ضد اليهود جميعا , مع ان خصومنا الحقيقين هم الصهاينة فقط مدعي الحق في ارض فلسطين . متناسين ومتجاهلين لكل التاريخ الاسلامي الذي حدثنا عن اصحاب الكتاب واهل الذمة الذين كانوا يعيشون في مدننا وبتكافل وانسجام كبير حتى الخمسينات من القرن الماضي . ومازال البعض منهم يعيش في المغرب وتونس وايران وتركيا بكل حرية وانسجام مع باقي مكونات هذه الشعوب.
في الطرف الاخر من المعادلة ( الصراع اليهودي _ العربي ) قمنا وبلا وعي بتحجيم انفسنا وقصر الصراع على العرب فقط واخراج المسلمين منه .
حولنا الصراع من صراع عقائدي الى صراع قومي .واخرجنا من المعادلة دول عملاقة كإندونيسيا وايران وتركيا والباكستان . اي اننا نعلم او لا نعلم خضعنا لتأثير الفكرة الصهيونية التي تحاول اثبات ان الصراع بين قوميتين العربية واليهودية ( وكما اسلفت اعلاه لا وجود لشيء اسمه القومية اليهودية )
بصورة او بأخري وسعنا جبهة الخصم وقلصنا من جبهتنا بل حذفنا مليار ونصف من الوقوف في صف المنتصرين للقضية الفلسطينية .
حتى جاء الامام الخميني رضوان الله علية واعاد ترتيب الاوراق وارجع الصورة الحقيقية للصراع وحدد الخصوم والانصار ووضح حقيقة الصراع ونقله من صراع( يهودي _ عربي ) الى صراع ( صهيوني _ اسلامي ) . فكانت فتواه بخصوص يوم القدس اوضح ممارسة لإعادة تنظيم اوراق الصراع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى