أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

القضية اليمنية ببعدها التكويني الاستراتيجي فـــي صراع الأمم

مجلة تحليلات العصر

د.ناجي أمهز

كاتب وباحث سياسي لديه مئات الأعمال المنشورة بكافة دول العالم – لبنان

خاص/مجلة يمن ثبات العدد الأول 7/2020

حتما تغير المشهد اليمني الذي انتصر على أقوى عدوان سجلته مقاييس آلات الحرب بكافة مستوياتها العسكرية والاقتصادية.
فاليمن الذي يواجه برجاله كما يواجه بجباله، ترسانة عسكرية متطورة ونظام رأسمالي متوحش وحصار خانق استطاع أن يقلب المعادلة بصورة نمطية ببعد لم يكن أحد يتوقعه من صناع القرار العالمي، بأن اليمن الذي كان يعتبر لقمة سائغة أو مكسر عصا، تحول إلى شوكة في حلق كل من يريد أن يبتلعه أو ينال من عزيمته.

فاليمن اليوم هو الذي يقرر ماذا يحصل وأين والكيفية، ومتى يغير المعادلة الاقتصادية العالمية، بأسلحة صناعة محلية.
ومن المفارقات السياسية في بعدها الاستراتيجي التي يجب التوقف عندها لفهم ماذا حدث بالصراع بين اليمن وتحالف العدوان، هو العملية الإعلامية، فالسعودية التي يتابعها الإعلام الأمريكي بسبب قربها من إدارة ترامب، هو يشاهد سقوطها وغرقها في مستنقع اليمن، مما عكس استخفافاً أمريكياً بعقلية ترامب التي وصفته «بالأبله».
حتى اللوبي الصهيوني بأمريكا أصبح خائفاً أن يورطه ترامب بأي لعبة تشابه لعبة اليمن، كي لا تتعرض إسرائيل لنفس ما تعرضت له السعودية من خسائر لا يمكن حصر تداعياتها، فالسعودية خسرت هيبتها، حتى في مجلس التعاون الخليجي لا أحد يصغي إليها بل تمردت عليها قطر، والكويت أسمعت كلاماً قاسياً لمحمد بن سلمان أثناء زيارته لها، والإمارات أصلاً هي تعتبر نفسها أكبر من السعودية، وعمان من الأساس مستقلة بكافة خياراتها، حتى البحرين هي تبتز السعودية مع أن ملك البحرين خادم في حاشية آل سعود.
الحرب اليمنية كشفت الوجه والأداء السعودي المخيف الذي لا يقيم وزناً لحقوق الإنسان، ولا للشرائع الدولية، بل أنه يقتل الأطفال ويدمر المنازل والمدن الآمنة بطريقة عبثية تدل على أنه يشكل خطراً على السلم العالمي، وبأنه غير مهيئ ليكون شريكاً بأي متغير دولي،
فالسعودية تبين من خلال حرب اليمن أنها دولة لا تمتلك إلاَّ المال.
فهي فاقدة لكافة المقومات الأخلاقية التي يجب أن تحكم دول الجوار، السعودية هي التي استهدفت العراق بجحافل من التكفيريين ارتكبوا أبشع المجازر المستمرة حتى يومنا هذا، السعودية هي التي عملت ومازالت تعمل على تدمير سوريا وتدفع مليارات الدولارات لإسقاط الحكومة الســورية.
السعودية هي التي تعمل ليلاً نهاراً على طرد ما تبقى من الفلسطينيين من قلب فلسطين المحتلة، بل تسوِّق وترعى وتدعم صفقة القرن، وهي التي تحاصر الشعب الفلسطيني عربياً كما يحاصره الكيان الغاصب داخلياً.
لذلك يوجد إجماع بأن السعودية لن تكون قادرة على الاستمرار، فهي لم تترك دولة إلاَّ واعتدت عليها في المنطقة، مما ترك انقساماً وشرخاً لا يمكن التغاضي عنه بظل موازين قوى بدأت تتشكل من ضمنها اليمن الجديد.
فاليمن الذي كان بالأمس القريب بنظر بعض القوى الرجعية العربية والإمبريالية العالمية مجرد بلد ينتج عمال بالأجرة تحول إلى بلد ينتج سياسة ويصنع قراراً ويفرض شروطه بالمحافل الدولية.
اليمن الذي كان بالأمس يصنف على أنه مجرد اسم على خارطة، تحول بفضل أنصار الله واللجان والجيش، إلى بلد بمساحة الخارطة العالمية.
فالجميع شعر بالمتغير اليمني بعد أن قصفت حقول النفط بالسعودية حيث اهتز الاقتصاد العالمي، وقد سارعت هذه الدول بكافة الاتجاهات من أجل وقف الحرب، ليس خوفاً على الشعب اليمني بل الخوف على مكتسباتهم الاقتصادية، وبما أن اليمن أصبح يتقن هذه اللعبة، فإنه قادر في أي لحظة أن يهز العالم من بوابة حقول النفط السعودية، بل أيضا قادر أن يسقط أسواق البورصة ويغير في سياسات دول بساعات معدودة.
وهذا المتغير الواقع في قلب شبه الجزيرة العربية، هو لن يتوقف فقط عند الحدود اليمنية بل تجاوزها، ليشمل كافة الخارطة ويفرض عليها شروطه، بأن على هذه القوى في شبه الجزيرة العربية أن تفهم بإن لم تكن مع القضية العربية فهي لن ترتاح ولن يسمح لقوى الرجعية العربية بأن تذهب بعيداً في التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وإلاَّ سيبق هذا الصراع مستمر ومفتوح، حتى وإن حاولت بعض القوى الإقليمية والدولية البحث عن حلول لإنقاذ عملائهم بالمنطقة فإن اليمن لن يقبل بأنصاف الحلول.
فاليمن لن يقبل بأن تبقى المعادلة في شبه الجزيرة العربية كما هي الآن، وبحال حصول أي اتفاق لوقف الحرب بين اليمن والقوى المعتدية، سيكون هناك أربعة نقاط وأعتقد بأن أنصار الله والجيش واللجان لن يتخلوا عنها.
أولاً: كما يتم دعم السعودية بكافة الأسلحة من كافة الدول، فإن من حق اليمن أن يحصل على كافة الأسلحة لحماية أرضه وشعبه واقتصاده، حتى لا تتجرأ أي قوة بالمرحلة القادمة من القيام بما تقوم به اليوم.
ثانياً: يحق لليمن بالتعويضات من النفط السعودي ليس فقط من أجل التعويضات بل من أجل التوازن الإقليمي والداخلي، فان كان نفط السعودية يشكل تهديداً للمنطقة بسبب سوء استخدامه، فإذاً اليمن بحاجة لضمانات عينية تستطيع من خلالها أن تأمن على استقرارها.
ثالثاً: يجب على اليمن وجميع دول الاعتدال الإسلامية ورجال العلم المطالبة برفع قبضة السعودية عن الكعبة المشرفة، لأن ما ترتكبه السعودية من جرائم بالعالم، وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان حتى بقلب المملكة نفسها هي تعتبر أنها تقوم به باسم الإسلام، مع العلم أن كافة هذه الأعمال لا تمت إلى الإسلام بصلة، فمن أجل المحافظة على الإسلام والهوية الإسلامية ومكانتها بالعالم يجب إيجاد آليَّة تفصل بين أعمال النظام السعودي والقيم الإسلامية ومنها الأماكن المقدسة في شبه الجزيرة العربية.
رابعاً: يجب على اليمن أن يحصل على تعهدات دولية تلزم السعودية والإمارات وحتى الولايات المتحدة الأمريكية بعدم تكرار سيناريو الحرب بحال القبول بأي تسوية، وهذه التعهدات هي إعلان بأن اليمن انتصر على هذا المحور بمجموعه، مما سيمنح اليمن مساحة كبرى في العالم على كافة الصعد، ومنها ممارسة دوره بين كبرى الدول في الساحة الأممية.
إذاً اليمن الذي انتصر هو الذي سيفرض شروطه وسيرضخ الجميع له، سيعيد بناء ما تهدم وتعويض الشعب اليمني وإن كان لا يوجد ما يعوض الشعب اليمني، لكن هذا الفجر الجديد لدولة اليمن العظيم تستحق كل هذه التضحيات؛ لأن الدول الكبرى لا يمكن أن ترسخ وجودها وتصون حدودها وتتقدم نحو المجد والاستقرار والازدهار إلاَّ بالتضحيات الجسام، فالقادم على اليمن سيكون شبيه الخيال من حداثة بالإعمار، وتطور متسارع بالاقتصاد والتحول إلى نقطة اقتصادية يعبر الجميع من خلالها، كما ستفتح أبواب العالم لليمن من أجل الوقوف على حقيقة هذا الفعل الذي غيَّر وجه المنطقة في شبه الجزيرة العربية.
وخاصة أن اليمن اليوم هو الآن موجود بقوة وحاضر بين موازين القوى العالمية، لأنهم يدركون بأن الغضب اليمني قادر في أي لحظة أن يقلب الطاولة ويخلط جميع الأوراق.
فالذي أراد بالأمس أن ينهي الشعب اليمني لم يكن يعلم أنه يكتب نهايته هو، فالشعب اليمني اليوم يصنع الأسلحة ويستخدمها وينتصر بها، بينما كل تلك الأسلحة المستوردة والتي أرهقت خزائن المعتدين على اليمن لم تحقق انتصاراً واحداً مع العلم أنها دمرت وقتلت بوحشية تشير إلى أن هذه الدول المعتدية لا يمكنها أن تكمل مسيرها بالمستقبل القريب؛ لأنها سقطت بكافة المقاييس، جميع الدول المعتدية ستنتهي لأنها ستدخل بمشاكلها الداخلية، وبقي الشعب اليمني شاهداً على التاريخ بأن أرض اليمن مقبرة الغزاة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى