أحدث الأخبارالعراق

القوة الناعمة. تتسلل الى الشباب العراقي عبر بوابة حزب البعث.

مجلة تحليلات العصر الدولية

◾محمد صادق الهاشمي.

8/8/2020

المقدمة:

مارست امريكا والغرب بعد (2003) حرب ناعمة بلا هوادة للتاثير على الشباب والمجتمع الشيعي العراقي،وتوسع حزب البعث والمحيط القومي العربي من خلال الحرب الناعمة ( احتلال العقول ) في العمل على تدمير شيعة العراق مستغلين الثغرات والفجوات وخلو الميدان من رجاله، بعد ان مارست امريكا مع الشعب العراقي مختلف انواع القوة الصلبة ( احتلال الارض والموسسات والقرار )، وكلا الدورين واحد.

مدخل :

المقال يعتبر مراجعة وتقييم للساحة الفكرية، بعد ان انتصر الخط الغربي في خلق ظروف محددة؛ لنقل السلطة الى التيار الشيعي المدني وقد يقال: ان الاسلاميين مازالوا بعز قوتهم ولايمكن لاحد ان يمارس اي عمل انقلابي عسكري ضدهم؛ كونهم تمكنوا من تحصين الوضع السياسي والامني، الا ان القول هنا مختلف كون الانتقال في الحكم ليس انقلابا امنيا ولا سياسيا، نعم ولا يوجد أدنى خطر من هذا الجانب، بل الانقلاب قد حصل في العقل الشيعي، وهذا يوشر الى قدرما من نجاح المشروع الغربي، بعد ان فعل تاثيرات القوة الناعمة، نعم قد تحقق بعضه مع انه مازال القدر المهم من أمتنا محصن، الا ان الضرورة تستدعي التوجه والعمل اكثر من اي وقت مضى، وكما قلنا ان الانقلابات الصلبة تستهدف الارض والانقلاب الناعم يستهدف العقل وهنا نقاط :

اولا – الأسس والمفاهيم الليبرالية التي طرحت في العراق بعد عام 2003م:

لقد ساهمت اتجاهات عديدة للتاثير على الشباب الشيعي مستغلة الوجود الاحتلالي ولوازمه من منظمات مجتمع مدني غربية، وتجمعات متعددة لوضع صياغات جديدة للعملية السياسية بما ينسجم مع الفكر السياسي الغربي، وقد أسندت أمريكا الى جهات داخلية وخارجية مهمة الخوض في غمار طرح وتصدير وترويج هذا الفكر داخل العراق في هذه المرحلة بهدف صياغة الفكر والثقافة للشعب العراقي صياغة تحللية متمردة على الاسلام ، وفعلاً أخذ يبرز وجود الخط الليبرالي الغربي في العراق بعد 2003م لإعادة انتاج العقل العراقي وتثقيفه بمنهج فكري سياسي جديد.

لم يفعل الغرب والاحتلال لطرح أفكارهم وجودهم الاحتلالي وحسب، بل فعلوا أمرا آخر وهو مشكلة المنجز الاقتصادي وسوء الادارة وثغرات الفساد وغيرها فضلا عن الاستثمار في الحروب والاحداث، التي جعلت الاسلاميين في مواجهة دائمة.

هذه المفاهيم التي طرحت وتم الترويج لها من خلال الكتابات والأحاديث الإعلامية، ومن خلال الكتب ومواقع الانترنت( الفضاء المجازي ) والندوات والمؤتمرات وقد تم الترويج خلال هذه المرحلة الى افكار متعددة ابرزها مايلي :
1 ـ العلمانية: التي تعني فصل الدين عن السياسة.

2 ـ العقلانية: التي ترى أنَّ العقل الإنساني بلغ من النضج قدراً يؤهله أنْ يرى مصالحه ونشاطاته دون وصاية من أحد، سواء كان هذا الأحد الدين أو الدولة.

3- النفعية والخدمات : وهنا مربط الفرس فان الجيل الشبابي الذي لم يعاصر صدام نجده سهل الانقياد لتقبل فكرة فشل الاسلام السياسي وبالتبع نجده مستعدا للانفصال عن الجانب الاخلاقي والعقائدي كونه يعيش تجربة احادية لا تتصل بالتاريخ الذي عاناه شيعة العراق من حزب البعث، بل يرى ان التقصير هو ما يتصل بعمره في ظل تجربة الاسلاميين ولايقبل لهم اي مبرر ولا يسمح- بفعل الموثرات- ان يتفهم الظروف المحيطة بهم.

ثانيا : آليات وظروف طرح الافكار الناعمة

ما تقدم عرض لأهم الأفكار التي تم الترويج لها، وكتب عنها وتناولها الكتاب في مختلف الوسائل الإعلامية والمؤسسات الفكرية في العراق في تلك المرحلة

🔷 وهنا عدد من الملاحظات عن الآليات والفرص والظروف الموضوعية والذاتية التي شكّلت فرص نجاح يستفيد منها الغرب وامريكا والمنظمات الخطرة في بث أفكارهم في المجتمع الشيعي وهي:

1 ـ الوجود الفعلي الميداني للخط المنحرف:

التبليغ نحو الخط السياسي والفكر المنحرف مازال فاعلاً وموثراً ومستمراً دون توقف، وتقف كبريات المؤسسات الغربية والامريكية لتمويله بكل ما أوتيت من قوة مالية ولوجستيه بشكل مباشر، وكاد الخط الغربي أنْ يوجد له موطىء قدم بين المفكرين الشيعة ويوجد له من يدافع عنه ويتصدى له ويعلن عن وجوده في مرحلة ما بعد 2003م، كما أوجد له قدراً من التحقق بعد عام 1921م. وقد التحق به جيل من الكتاب الذين كنا ـ يوما ـ نأمل أنْ يكونوا قادة فكر في الصف الإسلامي، بينما هم اليوم في الصف الغربي بكل وضوح، هولاء- رجال الخط الاختراقي من الداخل والخارج- عازمون على الدفاع عن خطهم دون تراجع أو توقف وقد رصدوا الاموال واسسوا المنظمات واهتموا بالشباب الشيعي عبر ( منظمة ايلب ,وعراق كوير) وغيرهما العشرات من المنظمات التي تثقف او تعمل على الانحرف الجنسي ؛ أمّا يكفي أنَّ رئيس مجلس محافظة بغداد حينما أصدر قراراً بتاريخ 6/9/2010 لمنع محلات بيع الخمور (غير المجازة) كانت ردة فعل هؤلاء أنْ انطلقوا أفواجاً للتظاهر بقلب بغداد احتجاجا على هذا القرار واعتبروه منعاً للحريات الفردية المدنية التي أقرّها الدستور لهم، وتوجهاً بالعراق نحو دولة طالبانية أو إيرانية، ولم يصدر عن الحوزة والعلماء والخطباء وأئمة المساجد أي رد، ولا من القوى السياسية، بل يوجد من الاسلاميين من فسره (قرار منع محلات الخمور غير المجازة) أنّه دعاية انتخابية، إذن آليات هؤلاء فاعلة ومؤثرة، وهي تتوسع وجوداً داخل الطبقات المثقفة، وأنّهم حاضرون في الميدان يتحركون بعلانية وقوة ومتواصلون بالانتاج الفكري، وهذا الحضور الميداني للخط الاختراقي يعد بحق إحدى الآليات الموثّرة في الساحة؛ لأنَّ أي حركة كي تكون ناجحة فإنّ من لوازم نجاحها هو الإعلان عن نفسها والاستمرار في نهجها وعدم خوفها أو توقفها لأيِّ تحديات كانت، وهذا ماعليه الحركة الغربية الناعمة في العراق.

2 ـ عدم وجود المتصدين:

خلال المرحلة الماضية لايوجد من يتصدّى للرد على فكرهم وطروحاتهم؛ لأنَّ هكذا دور يجب أنْ تنهض به الحوزة، والحركات الإسلامية أو الدولة أو الطبقة المثقفة التي ينبغي أنْ تجد سانداً حوزوياً أو حكومياً للقيام بالمهمة، إلا أنَّ أمراً كهذا لا يوجد بقدر واسع ، ونحن نعتقد أنَّ عدم وجود الرد المناسب للدفاع عن ثوابت الإسلام وقيمه ودحض المنهج الغربي الاختراقي هو إحدى الفرص والآليات التي أدّت الى أنْ يعزز هؤلاء مواقعهم داخل المجتمع العراقي.

إحدى الآليات التي يستغلها الخط الاختراقي في التوسع هو انشغال الإسلاميين عن ممارسات هذا الخط النظرية والعملية، من خلال نشرالأفكار التي تهاجم الدين وتمس جوهر العقيدة، وهنا شيء لابدَّ أنْ نلفت النظر إليه، وهو: من هو المسؤول عن الانتشار الواسع للافكار المنحرفة وظواهر بيع الجنس والمخدرات؟ هل القانون (الدولة) أم الحوزات أم الاحزاب؟ وماهي الآليات؟ هل هي الرد بالتوجيه والارشاد أم من خلال إصدار الفتاوى أم من خلال القانون وتوسيع مساحات المراكز الثقافية ؟.

لم يفعل أيٌّ من المؤسسات المذكورة دوره الموكل إليها ، لذا شهد العراق انفتاحاً في هذا المجال، وتلك الظواهر يسندها رجال الخط الاختراقي ويضعون لها فسلفة وايديولوجية للتحول من مجرد ممارسة هابطة وجنحة أخلاقية ومخالفة للشريعة الى ممارسة لها مبرراتها بأنّها جزء من حرية الفرد وحقه (الاستقلالي) في الحياة وصولا الى جعل هذا الخط هو الحاكم تحت مبرر التوجه او ان حاكميته هي البديل عن الفساد كما يقال لهم ، وتحت هذا المفهوم وهذا الشعارتوسّعت دائرة التحلل عن القيم الإسلامية بين الشباب كثيراً، وبرزت ظواهر خطرة جداً تمس الأمن الأخلاقي للمجتمع العراقي وخرج جيل من الشباب يعلن التمرد وفي اعماقه تندس بخفاء بالغ منظمات حزب البعث والحركات الغربية والتمويل الخليجي.

3 ـ انشغال ومشاغلة الحركات الاسلامية:

ومن آلياتهم العملية هي استغلال انشغال الخط الاسلامي بالشؤون السياسية والحكومية، ومواجهة التحديات الامنية والدخول في التجاذبات، وانشغالاتهم بالأمور الإدارية، ولقد أثّر ذلك سلباً في برنامجهم التربوي الذي كانوا يوماً ما يرون أنَّ الدولة لديهم ليس غاية بل هي أداة ووسيلة لنشر الفكر الإسلامي والترويج لمذهب آل البيت(ع) وتربية الأمّة تربية صالحة، وان كل البيانات والإصدارات التي تابعناها لهذه الأحزاب والحركات الإسلامية قبل سقوط حزب البعث من عمرهم الجهادي كانت قد ركّزت على الأمّة قبل السلطة وبعدها، و ان التربية قبل أيِّ مشروع، وأنَّ الدولة في مفهومهم وسيلة وفرصة لبناء مشروع تربية هذه الأمة تربية إسلامية، والحال أنَّ ما نلاحظه عملاً وما تعكسه معطيات الواقع أنّ هذه الرؤى النظرية – بتقصير او قصور – لم تأخذ دورها الى حيز التطبيق بعد 2003، وللانصاف لا ننكر ما قام- الاسلاميون- به من أداء واجبات والنهوض بمهماتٍ كبيرة من تاسيس الحق الشيعي وترسيخه في الدستور والدفاع عنه ، لكن هذا لا يعني سقوط التكليف عنهم في الإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مضافاً إلى أنَّ انشغال بعضهم لايبرر للآخرين منهم أنْ لا ينهض بهذه المهمة.

المهم هذا الانشغال من جميع الإسلامين بمواضيع هامّة وتحديات خطيرة وظروف قهرية سواء أكان مبرراً أم لا، فتحَ الباب على مصراعية للخط الاختراقي؛ ليصول ويجول؛ وليملأ الفراغ في الساحة الفكرية في العراق دون رادع بعد أنْ وجدوا الساحة متروكة لهم، نقول بلوعة أنّا لهؤلاء المنحرفين أنْ يتجرؤوا ويمسّوا قدسية الإسلام في الستينات والسبعينات يوم كان الخط الاسلامي من الدعاة وغيرهم جاهزاً للرد والدفاع عن حياض الإسلام وان كلفه الدم، وله الكعب المعلّى في القول الفكري السديد، واصدارته التي أخذت حيزها الثقافي بين الأجيال وعلى رأسها كتاب اقتصادنا وفلسفتنا، وكتب أخرى، أما آن لهؤلاء الرساليون أنْ ينهضوا اليوم ليعيدوا أمجاد القلم الإسلامي؟.

4 ـ علمانية الدولة:

الدولة العراقية بلا اشكال لا يمكن أنْ تحسب على أنّها ذات هوية إسلامية لا من حيث الدستور ولا من حيث البناء المؤسساتي لها ولا من حيث القوى السياسية المشاركة فيها، بالمعنى الأخص، نعم هوية العراق الايديولوجية لا يمكن أنْ نصفها بالإسلامية لا بالمعنى العام ولا المعنى الأخص، فمن اللحاظ العددي نجد أنَّ مساحة الخط العلماني كبيرة، فإنّ القوى السياسية الكردية 80%منها علمانية، اما الأحزاب السنية تمثّل الخط العلماني العربي ، أمّا القوى الشيعية فمنهم من تنصل عن اسلاميته جنوحا نحو المدنية واخرون يحاولون.

إذن من اللحاظ العددي لا يمكن أنْ نحكم على هوية الحكم في العراق وايديولوجية بان دولته إسلامية لما ذكرناه، وعليه يكون عدد التيار السياسي الشيعي المدني لا يستهان به، ومن حيث النوع فإنَّ الحركات الإسلامية العراقية تعاني من:

أ) إنّ الإسلاميين أصحاب المشروع عدد محدود وليس كل الأفراد في الحركات على ذات النهج، فهناك تفاوتٌ كبيربين فرد وآخر من حيث التاريخ والاخلاص والاهتمامات ونوعية الاهتمامات.

ب) نفس الحركات الإسلامية لم يتضح مشروعها الإسلامي التربوي بقدر وضوح مشروعها السياسي، وليس في الأمر نقاش ، وأنّه من المسلّم تسالماً يقطع الكلام بأنَّ المشروع التربوي لهذه الأحزاب لتربية الأمّة لم يعد في صلب الاهتمامات والبرامج، نعم توجد اهتمامات من هنا وهناك من الأحزاب ومن الحوزات إلّا أنّها دون الطموح ولا تشكّل بمجملها نهضة متكاملة للوقوف بوجه التحديات.

ج) الدستور حاكمٌ على التوجّه العام لفكر الدولة، وهذه الحاكمية آلية مهمة في فرض الايديولوجية السياسية.

من هنا نحكم على الدولة العراقية بأنّ توجهها العام توجّه يكاد ان يكون مدني ، وهذه تعدّ إحدى الفرص والأرضيات التى تعد أهم آليات الخط الاختراقي لطرح أفكارهم، وكأنَّ الدولة هي التي تولّد الفكر السياسي المدني أو تشكّل حياديتها فرصةً لهم.

5 ـ الحاضنة الاحتلالية:

كما أنَّ الاحتلال البريطاني مطلع القرن العشرين فرض اجندات فكرية وتدخل في بناء ثقافة العراق واستطاع أنْ ينتج حركة علمانية في العراق، ويصدر للعالم الاسلامي حركات منحرفة ( البهائية، والقاديانيةوالوهابية )، وأنْ يصدّرالاحتلال البريطاني الى المجتمع العراقي مبادىء الدولة القومية الأوربية التي برزت كفكر دولة في القرن السادس عشر الميلادي، وهكذا يفعل المحتلون، وليس المحتل الأمريكي بدعاً من حركات الاستشراق والاختراق الممتدة في أعماق التاريخ والتاريخ المعاصر، وليس أدل على تدخلهم في الصياغات التفصيلية للدستور بهدف بناء الفكر السياسي للدولة، ونكتفي لتقديم الدليل على تدخّلهم السافر في صياغة الفكر السياسي العراقي بمايلي، الأول: بيان السفارة الأمريكية 17/8/2009، الذي يعرب عن (قلقهم على الحريات العامة والفردية في العراق إزاء قرار مجلس محافظة بغداد بمنع محلات الخمور غير المجازة والثاني: صدر بيان بنفس اللغة 2-11/2009 يعرب عن (عميق قلقهم لمنع ظاهرة الإيمو في العراق،هذافضلا عن الدعم المادي والمعنوي الذي تمثل برفع السفارات والاتحاد الاوربي علم المثليين عام 2020.

من هنا يمكن القول: إنّ وجود الاحتلال وحزب البعث يشكّل حاضنةً مهمة لهذا الخط ويكون إحدى فرص نجاحه وإحدى آلياته القوية للنفوذ في أوساط الطبقات الثقافية في العراق، ولا يمكن تصور احتلال دون خط سياسي وتأثيرات خاصة.

6 ـ محاربة الخط التحريري في العراق:

يعلم هؤلاء أنَّ سر قوة المجتمعات الإسلامية بما فيها العراق بنحو خاصٍ ونجاحها عندما تأخذ بالمنهج الثوري التحريري للإمام الحكيم والصدرين وللإمام الخميني، ومن واصل بعده قيادة هذا المنهج , الذي أنجز للمسلمين وجوداً ما كان متحققامن قبل.

الخط الإسلامي الثوري ينافي الحركة الاختراقية بالعمق والصميم ويخالف وجودها ويلغي دورها ويعتبرها حركة استعمارية تمرر الفكر الغربي السياسي الهادف للاستيلاء على ثروات الشعوب ونهب خيراتهم واستعبادهم وتدمير طاقاتهم؛ لأنّ الإسلام الذي قدّمه لنا المنهج الثوري التحرري اسلامٌ جعل الشعوب تدرك ـ بصحوة عالية ـ أنّ هذا المنهج طريقها إلى التحرر واستعادة كرامتها وعزتها، وقدأدركت الشعوب أنَّ كل الثروات التي نهبت والدماء التي سفكت والطاقات التي عطلت، ليست إلّا بفعل المناهج الغربية وعلى رأسها المنهج الليبرالي والفكر البعثي الذي يستبطن في أعماق أعماقه أنْ يكون حركة استعمارية مغلفة بالفكر.

هؤلاء القادة العظام قدّموا لنا فكراً سياسياً من خلاله فهمت الأجيال أنَّ الفكر( الناعم والقومي الذي اوكل دوره لحزب البعث عقودا ) يعني تمرد الأمم والانسان على دينهم لتمرر من خلال ذلك مؤامرات الاستكبار التي يكون تحقيقها منوطاً بخلق أجيال هامدة لا قيمة لها؛ لأنّها أمم منغمسة بالملذات والشهوات.

الغرب يدرك أنّ العراق شعبٌ مسلمٌ شيعيّاً كان او سنيّاً، وإنْ كان الشيعي أقرب الى فرضية أنْ يتأثّر بالمنهج الثوري والخط السياسي لفكر الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لذا شن الاستكبار والبعثّيون والعلمانيون والمتأثرون بالغرب والتنوير الزائف حملة شعواء بلا هوادة لتسقيط سمعة الجمهورية الإسلامية في نظر الشعب العراقي بهدف فصل وتفكيك الأُمتين، ولخلق فواصل نفسية وعقائدية وسيادية بينهما إكمالاً للفواصل التي أوجدها صدام بأوامرهم من قبل.

هذه الهجمة على هؤلاء القادة والمقاومة ، وايران هي آليتهم لضرب الإسلام السياسي وتشويه صورته، وليس الأمر بحاجة الى كثير عناء لفهمه من أي متأمل بعد تظافر الجهود لدى المعسكر الليبرالي داخل العراق وخارجه ليعرف حجم الهجمة، ومنها يعرف حجم المخطط الخطير، ومن ثم يتعرف المتامل والمراقب أنَّ المستهدف هو الأمّة الإسلامية في العراق للفصل بينها وبين مقوّمات نهضتها والاستيلاء عليها، وللسير بها نحو تحطيم ارادتها، وجعلها أداة طيعة بيد صنائع الاستكبار.

7 ـ دور الكتاب في الخارج:

إحدى آليات الليبراليين في ترويج أفكارهم: مجموعة الكتّاب الذين احتضنهم الغرب وآمنوا بفكره السياسي، وهؤلاء الكتّاب منهم من كان محسوباً على الخط الماركسي أو الخط اليساري أوكانت ثقافته ثقافة غربية أصلاً، وقد شكّل هؤلاء الذين يجمعهم المهجر والحياة في الغرب والإيمان بالفكر الغربي قاعدة مهمّة لرفد الحركة المنحرفة في العراق بالنتاج الفكري عبر العديد من الإصدارات والبحوث والمقالات فنشط النشر (عشرات الكتب ضد الاسلام السياسي) وتم تسخير (الفضاء المجازي) كمادة سهلة للاتصال بالشباب الشيعي، علما ان حركتنا الاعلامية والفكرية تعاني النقص والخمول وتسلط غير الموهلين لادارتها .

8 ـ استغلال الإرهاب:

ظهور الإرهاب في العراق والقاعدة والفكر الإسلامي المتطرّف الذي تقوده عناصر تُسيّر من قِبل الغرب لتأجيج المشاعر ضدَّ الإسلام والمسلمين، تلك الخلايا الإسلامية الخطرة والقمعية والشاذة مارست دوراً خطيراً في العراق ليس على المستوى الأمني بل في مجال آخر، وهو ترويج أفكار دكتاتورية دموية متخلفة حسبتها على الإسلام مستفيدة من قراءات أسلافهم، تلك السلوكيات والأفكار أعطت صورة مشوّهة عن الإسلام، واستغلت من قبل الغرب والبعثيين ورجال الحرب الناعمة في العراق للتشنيع بالدين ونظمه السياسية ليقولوا للامة أنّه دين غير قادر على طرح نموذج حكومي سليم قادر على حل المشكل الاجتماعي وإقامة دولة عادلة، مستفيدين من النفور النفسي لبعض الشرائح الاجتماعية العراقية، من الإسلام السياسي.

9 ـ أخطاء الاسلاميين:

أخطاء الإسلاميين الإدارية والسياسية والإجتماعية، والفساد المالي،ونقص الخدمات وسياسية الإستقطاب والمحسوبيات والمنسوبيات والترهل الإداري، وغير ذلك من السلوكيات التي صارت دليلاً وآلية لدى العلمانيين للتشهير بالإسلاميين وأدائهم الحكومي وبالتالي بالفكر السياسي الإسلامي , وانطلق القول من البعثيين والمدارس الغربية ((بان الاسلام لايصلح لإقامة دولة)) ، كل ذلك الطرح تمهيدا٠ لطرح بديلهم الامريكي بعقلية بعثية قومية ، حينها ترسخت القناعات أكثر بأنَّ الإسلاميين لارجعة لهم الى طريق الصواب، تلك الرؤية والثقافة الاجتماعية أخذ يستغلها المنحرفون كإحدى آلياتهم لتسقيط الاسلاميين وتهميش دورهم واخراجهم مستقبلا من دائرة التأثير السياسي واحكام قبضة الانقلاب الفكري وليس العسكري.

10 ـ الانفتاح الاعلامي:

الانفتاح الإعلامي الذي رافق الاحتلال بعد 2003 من فضائيات ومسلسلات وبرامج وإعلام كل هذا ولّد انفتاحاً نفسياً وأخلاقياً جعل سلوكيّات العديد من النخب والشباب متمردة في التوجّه سواء شعرت بذلك أم لا، بقصد أو بدون قصد.

11 ـ التجاذبات بين الاسلاميين:

التجاذبات بين الاسلاميين (سنة وشيعة) وانشغالهم بالخلافات السياسية فيما بينهم هيأ الأجواء للخط الليبرالي ليطرح مايشاء حينما وجدوا الميدان الفكري خالياً لهم.

12 ـ الكتب الإيرانية المترجمة:

لوحظ بعد 2003 تسرب الحركة الفكرية المدنية من المدرسة الفكرية الايرانية الى ثقافة الشعب العراقي والى أوساط النخب العراقية، برزت هذه الحركة بوضوح للمثقف العراقي وهو يقرأ الكم الهائل من الكتب المترجمة للكم النوعي من المفكرين الايرانيين (سروش، شريعتي، شبستري، كوكبيان، وآخرين)، الذين يدافعون عن التجربة المدنية الاختراقية، وهنا عدد من الرسائل تريد هذه الحركة الاختراقية في العراق من خلال احتضانها هؤلاء وترجمة كتبهم ايصالها الى الرأي العام العراقي وهي:

أ‌) إنّ المثقفين الايرانيين غير منتمين الى تجربة ايران السياسية وخطها الفكري الاسلامي ، وهذا يعد دليلاً على إخفاق التجربة الاسلامية الايرانية ونقدها من الداخل.

ب) رسالة أخرى مهمّة وهي توسيع قاعدة الجمهور المدني في العالم الاسلامي لتتكامل رؤيته وتجربته وتتلاقح نتاجاته، ومن ثم يتكون معسكر فكريّ واسع بمواجهة الفكر الاسلامي، وقد حصل هذا التلاقح فعلا .

ج) هذه الترجمة الواسعة لكتب سروش وشبستري وشريعتي وغيرها العشرات ربما الهدف منها أنْ يقوم الاختراقيون بحركة استباقية بتصدير الفكر الغربي الصادر عن مفكري إيران قبل أنْ يُصّدر الى العراق ومثقفيه الفكر الاسلامي الثوري من مهدها.

13- الفهم القاصر الى مفهوم المقاومة :

وجدنا الخط المقاوم في العراق ينزف الدماء لحفظ الاسلام والعباد والبلاد الا انه لم يتوسع في ذات القدر في التربية للامة والشباب فان المقاومة لايمكن اختزالها بالسلاح بل السلاح يحتاج الى عقيدة ووعي وبصيرة ومن هنا لابد ان يتحرك الخط المقاوم بكل ثقله الى فتح المدارس والموسسات الثقافية بنفس قدر المعسكرات واكثر
الخلاصة:

هذه هي الآليات التي يستفيد منها الغرب لترويج أفكارهم وبسط نفوذهم الفكري في العراق ومن خلال شباب بريء، واخرين منهم يتم استغلالهم من قيادات حزب البعث ، وقد نجحوا نوعاً ما في التمدد على شرائح عدة وطبقات مهمة من المجتمع العراقي واحتلوا وسائل اعلام وموسسات ترويج ثقافي واسعة، وقد وضعوا لهم موطىء قدم في الثقافة العراقية وفي المجتمع أيضا بدرجات متفاوتة، ولئن يدّعي أحدٌ أنّ الأمة في العراق محتفظة بقدر كبير من عاطفتها والتلاحم مع الشعاير الدينية والمزارات والحوزات والمنابر وخير دليل الزيارات المليونية في عاشوراء، فالجواب وباختصار شديد يظهر من خلال الفصل بين العاطفة وبين السلوك العملي،وماانتجته حركة تظاهرات تشرين دليل على ضرورة المراجعة .

خلاصة الأمر لا يدعي أحد أنَّ التفعيل والتفاعل العاطفي الديني في العراق مبني على فكر سياسي يؤهل الأمة لصون تجربتها السياسية وقيمها الاسلامية وتحصين لسوكها الاخلاقي والإجتماعي مالم يساوقه مشروع تربوي ، وأهل مكة أدرى بشعابها.

وحتى ننهض لابد من توفر الشروط التالية :

1- ان يبرز القائد الاسلامي ويحمل قلمه كما حمل البندقية والكلام موجه الى كل غيور.

2- ان تتوجه القيادات الاسلامية والخط الثوري نحو الامة بالتربية والموسسات الثقافية،والموسسات الخيرية.

3- ان لايكون اتصالنا بالامة اتصال وتواصل انتخابي فقط.

4- ان يكون لنا مشروع اعمار خاص على غرار ما تقوم به العتبات.

5- ان نهتم بموسساتنا الاعلامية ويتم تطوير اساليبها وادواتها ودعم المفكرين والمثقفين والعاملين.

6- خلق قيادة موحدة من النخب والمثقفين تنسق الجهد التربوي ليكون لدينا (حشدا فكريا اسلاميا ). والله الموفق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى