في البداية سنستعرض الحالة المصرية وكيف كان صعود السيسي لسدة الحكم بعدها سيجد القارئ نفس هذا السيناريو قد تحقق في العراق مع اختلاف في المسميات والظروف الخاصة بالحالة العراقية .
فبعد حُكم حسني مبارك الذي دام حوالي ثلاثة عقود تم إسقاط نظامه لينتقل البلد من عهد دكتاتوري الى عهد ديمقراطي ، وأجريت انتخابات تعددية هي الثانية بعد ثورة يوليو عام 1954، والتي أنتجت عن فوز مرشح جماعة الإخوان محمود مرسي المقرَّب من تركيا وقطر ، وكان حكمه أقل من سنتين ، حيث انتفضت ضده الجماهير المصرية فاستغل ذلك وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي ليطيح به ويهدّئ الشارع .
وكان السيسي مدعوماً من الولايات المتحدة وحليفاتها الخليجية ، وبالخصوص السعودية التي ذَهَبَ مَلِكُها عبد الله بن عبد العزيز بنفسه الى القاهرة لتهنئته رغم وضعه الصحي السيء ، وقد كان لهذا الدعم انعكاسات واضحة على الصعيد الدولي والمحلي لإنجاحه ، فانخرطت مصر مع المحور الخليجي في مواقف عدة ربما أبرزها وقوفها مع الدول الخليجية ضد قطر رغم أنها – أي مصر – دولة غير خليجية ، فتحولّت مصر من صديقة لقطر الى معادية لها .
وقد استثمر السيسي هذا الدعم لفرض سيطرته وقوته على الداخل المصري ، التي أثمرت عن صعوده الى الرئاسة بنفس الطريقة التي كان سلفه مبارك يصعد بها ، بل بطريقة هي أبعد عن الواقع في بلد حيوي كمصر يُفترَض أنه أصبح ديمقراطياً ، حيث كانت نسبة فوزه تتجاوز الـ95% بينما لم تكن نسبة فوز مبارك تصل الى 90% ، وبفوزه الساحق هذا في الدورتين الانتخابيتين الرئاسيتين في 2014 و 2018 جعله يخطي خطوات عديدة منها مخالفة لمبادئ ثورة أكتوبر 2011 التي أطاحت بحسني مبارك ، حيث تجرأ وبكل أريحية وبسكوت شعبي غريب وبدعم علني من مشيخة جامع الأزهر ( التي تعتبر المرجعية الدينية في مصر ) الى تشييع جنازة حسني مبارك رغم أن الجماهير المصرية المليونية قد طالبت قبل ثمان سنوات بإسقاطه وتحملت ما تحملت حتى أسقطته !
أما في العراق فقد جاء الكاظمي ( مدير جهاز المخابرات ) للحكم بعد انتفاضة شعبية في تشرين 2019 أسقطت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ( المقرّب من إيران ) بعد سنة واحدة من تسنّمه منصبه في رئاسة الوزراء ، حيث كانت هناك لمسات خارجية ( أمريكية خليجية ) واضحة على عملية التغيير ، حيث أن الجماهير المنتفضة كانت تطالب بالتغيير الشامل ، إلا أن التغيير طُبِّقَ على رئيس الوزراء واستثنى رئيسي الجمهورية والبرلمان رغم أن جميعهم جاء باتفاق واحد .
وقد كان لهذه اللمسات الخارجية في التغيير آثار على السياسة الخارجية العراقية ، إذ زار الكاظمي الولايات المتحدة مرتين ، مرة عندما كان ترامب رئيساً لها والثانية عندما كان بايدن ، وهذا ما لم يتحقق لأي مسؤول عراقي بهذا المستوى منذ عقود ، كما زار الكاظمي دولاً أوربية مهمة مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجكيا (مقر حلف الناتو) ، وقد مهّد لزيارة بابا الفاتيكان الى العراق في حدث تأريخي مؤجل منذ عقدين من الزمن ، هذا فضلاً عن زيارة دول إقليمية ابتدأها بإيران وشملت غرماءها السعودية والإمارات فضلاً عن الكويت ، وقد عقد اجتماعات مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردنس الملك عبد الله الثاني والتي انتهت باتفاقيات اقتصادية ، إضافة الى عقد مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي ضمّ دول الجوار العراقي إضافة الى مصر وفرنسا والذي حضره رؤساء تلك الدول عدا إيران الذي مثلها وزير خارجيتها ، كل هذا في أقل من سنتين .
تطوّرُ العلاقات الخارجية مع دول العالم أمر لا يأتي بالمجان ، وإنما كان مُهيّأً لجذب العراق لأحد المحاور ( وهو المحور الغربي ) لمواجهة المحور الشرقي ( الصين وروسيا ) ، وقد كان أثر ذلك جلياً عندما لم يزر الكاظمي روسيا التي تلقى دعوة رسمية من رئيسها بوتين ، كما أنه لم يزر الصين رغم أنه كان مُتهَمَاً – أي الكاظمي – بأنه جاء ليُنهي دور سابقِه عادل عبد المهدي في تهيئة الأرضية لمشروع طريق الحرير الصيني الاستراتيجي ، وعدم زيارته لها أكد ذلك الإتهام .
وهذا السيناريو يمكن أن يشمل دولاً أخرى كتونس مثلاً التي تشهد تصعيداً سياسياً بين أطراف مشابهة للأطراف المتصارعة في مصر .