أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

الكيان الزائــل.. لا محالة

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. راضي العتوم

لست سياسيّا ولكن تستوقفني الحال التي يمرّ بها شعبنا المظلوم في فلسطين، والشعوب العربية عموما من نهب لاقتصادها، وتشويه لتاريخها، وتحقير لماضيها، وانتقاص لوجودها في الحياة والحضارة. تستوقفني الشعوب العربية والاسلامية التي تكالبت عليها الأمم لجذور تعود الى مؤتمر بال سنة 1897م ثــمّ سايكس وبيكو 1916 الى وعــد بلفور سنة 1917م، وسان ريمو 1920. ويستوقفني الشعب الفلسطيني الذي صبّت كل المؤآمرات لدول الحلفاء المنتصرة بالحرب لتنفيذّ ما تآمروا عليه قبل وبعد الحرب العالمية الأولى لتثـبّـت على الأرض العربية الاسلامية بغرس كيان عنصري بغيض في خاصرة الأمة الاسلامية والعربية.

لقد تبلورت فكرة تيودور هرتزل في الترويج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود بعقد المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد ب كازينو بلدية بازل في سويسرا يوم 29 آب 1897م بمدينة بازل بسويسرا، والذي شارك به حوالى 24 دولة.

في 2 تشرين الثاني 1917، وفي تصريح وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور، الذي مثّل المحطة التاريخية الثانية، بعد مؤتمر بال، على طريق تطوّر المشروع الصهيوني، أًقرّ وَعْدُ أو إعلان بَلفُور هذا البيانٌ العلنيّ الذي أصدرته الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالميّة الأولى لإعلان دعم تأسيس “وطن قوميّ للشعب اليهوديّ” في فلسطين، التي كانت منطقة عُثمَانِيَّةً ذات أقليّة يهوديّة لا تتجاوز نسبتهم ال 5% من السكان.

لقد أبرق هذا الوعد من وزير خارجيّة المملكة المتحدة آرثر بلفور إلى اللورد والتــر روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهوديّ البريطانيّ، حيث نُشر نص الوعد في الصحافة في 9 /11 / 1917. وبعد إعلان بريطانيا الحرب على الدولة العثمانية في تشرين الثاني 1914، بدأ مجلس وزراء الحرب البريطانيّ في النظر بمستقبل فلسطين بحلول آواخر 1917، قبيل إعلان بلفور. (وبالمناسبة شركة روتشايلد كانت هي المستشار المالي لكافة عمليات الخصخصة في الأردن التي اختارها وزراء المالية السابقون، كذلك ولتذكير الاقتصاديين الأردنيين وأصحاب القرار بأن اتفاقيات بازل Basel Accords ، هي الاتفاقيات التي وضعتها لجنة بازل للرقابة المصرفيةعلي البنوك؛ هي ذات المنشأ اليهودي).

لقد تمخّض عن مجمل تلك المؤامرات تفكيك الخلافة الاسلامية، وتوطين شعب مكروه مطرود من أوروبا لكثرة المآسي الدفينة التي سببها للأوروبيين باحلال الفساد في كل نواحي الحياة في تلك المجتمعات؛ بدءا بافساد الدين، وتزوير حقائقة، وانتهاء بافساد اخلاق المجتمع، ومؤسساته حتى أصبحوا لا يطاقون فيه، فلقد فازت دول الحلفاء بصيد عصفورين بحجر واحد؛ الخلاص من اليهود المتصهينين، وغرس خنجر في قلب أمة الاسلام وأمة العرب، كما فعلت بعدد من المجتمعات التي تخوّفت من ظهورها مرّة أخرى، فاخترعت قضية كشمير بين الهند وباكستان، وقضية هونغ كونغ للصين، وقسمت كوريا، كما قسّمت المانيا الى غيرها من زرع وتأسيس المصائب التي ما زال العالم يغصّ بها حتى يومنا هذا.

ومن الطريف بالأمر، ومما يدعو للاستهجان الغريب أن هذا الكيان الصهيوني، وعلى الرغم من قلة عدده، أصبح يسيطر على أكبر وأقوى دولة في العالم؛ وهي أمريكا. ولا يخفى على الجميع الوسائل التي يستخدمها للتنفّـذ الى مرافق صنع القرار ، بل والتجسس عليها في الولايات المتحدة، وأوروبا… فأساس ذلك هو الجنس، والمال، والحركات الخفيّــة، وجبهات الدين السبتي المشترك بين المسيحية واليهودية … الى غير ذلك من الوسائل الظاهرة وغير الظاهرة على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ومع كل هذا العنفوان والتسلّط للكيان الغاصب، الاّ أن هناك حقائق على الأرض تجعل منه كيانا هشّــا، فمهما صوروه لنا من أنها دولة قوية تمتلك السلاح النووي، والأسحلة الحديثة البرية والجوية، الاّ أن الحقيقة أنه كيان كرتوني يسقط عند أول مجابهة صادقة مع أحد دول الجوار فقط، وليس معهم جميعا.. ويتوصل كل مدرك للواقع عند ربط الجغرافيا، بالسياسة، وبالعسكرة، وبالعقيدة معا الى الحقائق التالية: –

أولا: ضعف العمق الجغرافي

نعلم جميعا أن أرضنا المقدسة؛ فلسطين كاملة تبلغ مساحتها 26.990 كم2 (السلطة الفلسطينية 6.220 كم2، والضفة الغربية 5860 كم2، وقطاع غزّة 360 كم2، والكيان الغاصب 20770 كم2 ما يعادل 77% من اجمالي المساحة) ، وهي شريط جغرافي مستطيلة الشكل طولها من الشمال إلى الجنوب 430 كم، أما عرضها فيتراوح بين 51 -70 كم، وفي الوسط 72 -95 كم عند القدس، أما في الجنوب فإن العرض يتسع ليصل إلى 117 كم عند رفح وخان يونس حتى البحر الميت (المصدر: الموسوعة الفلسطينية) .

وهذا العمق الجغرافي يعدّ من الجانب العسكري غاية في الأهمية؛ ذلك أن قدرة الطائرات الحربية على الانطلاق في الجــو ولسرعتها الكبيرة فلا يمكنها الاّّ أن تتجاوز المجال الجوي للكيان، وهذا يعني أنه وفي معظم الأحيان ومن الناحية الحدودية الشرقية لها، فإن الطيران الحربي الاسرائيلي لا يمكنه السير بمجال جوي رحب الا بتجاوز المجال الجوي الأردني .. من هنا فهو عند أي حركة حربية جوية يقع قانونا في مرمى النيران الاردنية، إن رغبت قيادة الدفاع الجوي الأردني اسقاطه، هذا من جانب، وبالتالي فإن مجال المناورة غربا وشرقا خطير جدا من الناحية الفنيّة على الطيارين، فلا يستطيع الطيار ما يسمى بالمناورة الصعبة Hard Manovour اذا واجه صواريخ من جهة الشرق، وهذا ما يعرفه العسكريون، والسياسيون والمثقفون الاسرائيليون حق المعرفة.

ثانيا: وعدم الاستقرار السكاني

فمن جانب نعلم أن هذا الكيان بدأ يهجّــر الشباب المتصهين الى فلسطين، فمعظمهم بدأوا حياتهم منذ صغرهم كمحتل غاصب لأرض موعودون بها، فالهجرة أساس بنائهم؛ والهجرة العكسية عدوهم، لقد كشف مركز الإحصاء الإسرائيلي للهجرة أن 1,5 مليون يهودي موجودون في سجلات الحكومة، لكنهم فعليا خارج حدود إسرائيل، كما تشير التقارير الى أنه وبعد كل حرب ينزح بهجرة عكسية اعداد كبيرة، حيث بلغ ميزان الهجرة بعد حرب لبنان عام 2006 أكثر من خمسة آلاف أي من عاد الى وطنه الأصلي تجاوز ال 25 ألفا آنذاك … وهذه أقل التقديرات حيث التكتكم عليها.

ثالثا: الانهـزام الداخلي النفسي والاجتماعي والعقائدي

ومن جانب آخر، وإذا سألنا علماء الاجتماع والسياسة، وعلماء النفس الاسرائيليون، لوجدنا أن هذا الكيان باعتماده الهجرة ركيزة لبناء الدولة، فرسخوا بعقولهم التفكير العدواني، وتفكير الخوف من الآخر وخاصة العرب أصحاب الأرض المغتصبة، وتفكير الحرص على القوة والتفوق بها لتخويف وترويع من حولهم، وتشكيل العصابات المسلحة للدفاع عن حالهم عند الطواريء لاعتقادهم بالخوف دائما، والتركيز على الخدمة بالجيش كأساس للوطنيّة، ودعم الجيش في كل الأحوال، والاعتماد عليه دائما… وهذا يجعل من الحالة النفسية لهم في اضطراب مستمر ومستدام، ويخلخل الواقع الاجتماعي، ويهــزّ كيانه، فالحقيقة أن مجتمعهم مهزوز من الداخل، ومهزوم البنيان، وقد وصلوا الى حــدّ عدم القناعة بوجودهم؛ لذلك نجدهم عند أي هجوم يهربون من كيانهم ويعودون الى موطنهم الأصلي حيث أتــوا.

ويعتقد مفكريهم ويصرحون احيانا بأن” دولتهم قائمة على الجيش، فإذا انهزم الجيش انكسرت الدولة وتلاشت…” هذا حـقـّا الواقع والحقيقة من الداخل.

ولا شكّ بأن أركان النجاح في الحرب تتمثل في أربع أسس رئيسة: العقيدة القتالية، والسلاح المتطور،والجيش النظامي المدرّب،والقيادة الفذّة المخلصة. ورغم توفر الأسلحة الحديثة، والقيادة الفذّة المخلصة لديهم، والجيش المدرب، الاّ إن جيشهم مهزوم من داخله، مهزوم في عقيدته. وأن سرّ نجاحهم في حروبهم مع العرب يكمن في تواطؤ القيادات العربية معهم، وتلكؤهم خوفا من الدولة الراعية والداعمة لهم وهي أمريكا الأم الحنون التي ما زالت تنظر بعين العطف لترسيخ إقامة دولتهم المزعومة على حسابنا.

وأخيرا، وخلال احدى ورش العمل خارج الأردن عام 2007، سألت أحد المحاضرين ، والذي كان سفيرا للكيان الصهيوني لمدة 12 عاما لدى جنوب أفريقيا “أنه لو صار هناك جبهة مقاومة على الحدود السورية والأردنية، فماذا ستفعلون؟، فأجابني حرفيّــا (بالانجليزية)” سوف نعود الى أوطاننا حيث أتينــا”… هذا ردّ سفير مثقّف مخضرم بالسياسة، فما رأي العامة منهم.

وخلاصة القول، أن أركان انهيار الكيان الغاصب والتي ستؤول الى تلاشى إسرائيل تتمثّل في الحالات التالية: 1) انهزام الجيش أو حتى ضرب الكيان في العمق الاستراتيجي له من أي طرف ضربة موجعة تقضّ مضاجعهم، و 2) انهيار أمركيا؛ وهذا إما سيكون من الداخل أو بالكوارث الطبيعية والتي بدأت تظهر جليّة، بقدرة الله، وأخيرا 3) بسيادة الدول العربية، وخاصة الدول الحدودية لها، الديمقراطية الحقيقية، وتعزيز الإصلاح السياسي والاقتصادي، والاستقلال الحقيقي لتلك الدول. وهذا ما تحاربه قوى الشرّ منذ الحرب العالمية الأولى.

حمى الله وطننا الغالي، وردّ كيـــد الغاصبين وأعوانهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى