أحدث الأخبارشؤون آسيوية

الكيان الصهيوني … بداية النهاية لاختلال توازن القوى

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. عبدالله يوسف سهر

في وسط المحادثات الامريكية الايرانية في فينا بحضور كبرى الدول الاوروبية، وخلال موجة التطبيع التي تحتفي بها وسائل الاعلام الاسرائيلية وتمثلها وكأنها اختراق وانتصار على رقعة الشرق الاوسط الجديد، وبعد التصعيد الايراني بزيادة نسبة التخصيب لليورانيوم الى ٦٠٪؜ والتي تمهد الطريق للوصول الى الصناعة النووية العسكرية، يقوم الكيان الصهيوني بمجازفة، مرتكزة على عقيدة التفوق العسكري، والتي تمثلت في هجوم الكتروني لأحد المكامن النووية الايرانية (نطنز) من اجل ان يكلل زهوة انتصاراته ويعطي انطباعاً بأن الطرف الايراني عبارة عن اسد من ورق… وبعدها بأيام تأتي ثلاث رسائل ايرانية تدريجية الاولى بضرب احد الناقلات البحرية الاسرائيلية، والثانية بالهجوم على قاعدة استخباراتية في شمال العراق الكردية وينتج عنها ضحايا من العملاء الاستخباراتيين الصهاينة، وبعد ذلك تكون الثالثة ثابتة في العمق الاسرائيلي بصاروخ باليستي يحمل ثلاثمائة كيلو من المتفجرات بالقرب من مفاعل ديمونا النووي في العمق الاسرائيلي. الضربة الثالثة اوجدت حالة ارتباك في الاوساط العسكرية الصهيونية حيث ذهبت في البداية الى تهميش الحدث وتصويره على انه انفجار ذاتي ناتج عن خلل فني، ثم تبرير آخر الى انه صاروخ ارض جو سوري “طائش” اخطأ هدفه وسقط على قرب من الموقع النووي، وبعد ذلك تظهر الاخبار بأنه خلاف ذلك على انه صاروخ سوري ارض ارض من نوع فاتح المصنع في ايران!!!
تسارع الاحداث وتواليها ادخلت المنطقة في معادلات جديدة من الدبلوماسية الساخنة المدفوعة بمواجهات ردعية مثيرة لترسم معالم جديدة من قواعد الاشتباك، وتثبت بأن الاسد ليس ورقياً وانما له انياب ومخالب حقيقية ستقود الى خلق نظام جديد لتوازن القوى في المنطقة. فماذا يعني ذلك؟
لم تعد الامور كما كانت عليه في السابق من حيث الردود الكلامية والتصريحات والمناورات العسكرية، بل تجاوزت ذلك الحد الى مواجهة فعلية لتنقل المعادلات من المسرح البارد الى المسرح الساخن. هذا الانتقال له حساباته السياسية المختلفة وفقا لاحداثيات واقعية جديدة. فوصول صاروخ واحد يستطيع ان يخترق ما تسميه اسرائيل بالقبة الحديدية يعني ان الترسانة الصاروخية التي تمتلكها ايران في المحيط الاسرائيلي قد تكون جاهزة في اي وقت . فعلى سبيل المثال لا الحصر، تبعاً لبعض المصادر الاسرائيلية وغيرها فإن المقاومة في لبنان تمتلك ما بين ١١٠ الى ١٥٠ الف مقذوف وصاروخ متعدد المدى والاحجام يصل بعضها الى ٣٠٠ كيلو، وذلك يعني ان القبة الحديدية التي تفتخر بها اسرائيل لا تستطيع التصدى لتلك الصواريخ خاصة عندما تطلق بكميات كبيرة تتعدى ١٠٠ الى ١٠٠٠ صاروخ يومياً، وهو ما يعني بأن المرحلة الحالية لربما قد تعدت حتى مرحلة الردع الى مرحلة الرعب، وهو بالتأكيد يقود لا محال الى خلق هذا التوازن او حتى قلبه ضد الحسابات الاستراتيجية للكيان الصهيوني!
هذه الاحداث قد تدفع ببعض الدول العربية الى اعادة حساباتها الاستراتيجية والسياسية ايضاً. ومن قبيل ذلك ما تتحدث عنه الاخبار في اللقاء السعودي الايراني في بغداد قبل ايام. إن حدث ذلك فعلاً، وتقاربت المملكة العربية السعودية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية وتمت حلحلة الملفات العالقة فذلك يعني انتقال نوعي للمعادلات السياسية التي كانت تراهن عليها اسرائيل! وبطبيعة الحال ان تمت العودة الى الاتفاق النووي بين ايران والدول الاوروبية مع ايران وتم رفع العقوبات فتلك رسالة اخرى مزعجة جداً لنتنياهو وسياسته المتعجرفة. اما الرسالة الثالثة التي لا تقل ازعاجاً بل هي بمثابة كابوس للكيان الصهيوني تتمثل في الاتفاق الصيني الايراني الذي هو في حقيقته لا يتوقف عند حد اتفاقية اقتصادية مثل تلك التي تبرمها الصين مع الدول الاخرى بل هي اتفاقية استراتيجية غير مسبوقة لكونها تتضمن اقامة مصانع عسكرية في ايران وتبادل استخباراتي وهذه العناصر ليست اقتصادية بحتة مثلما هو معروف في الادبيات الخاصة بالاستراتيجيات الدولية، بل انها اقرب الى التحالف منه الى الاتفاق التقليدي. اما الرسالة الرابعة التي تقض مضجع الكيان الصهيوني فقد تجسدت في التقارب الروسي الايراني والذي تولدت منه المشاركة في المسرح السوري وما نتج عنه من نجاح عسكرية في استعادة معظم اراضيه من الجماعات الارهابية والمعارضة له.
كل تلك المسارات تقود الى فرضية باتت اقرب الى الواقع والحقيقة وهي بداية النهاية للاختلال في ميزان القوى لصالح الكيان الصهيوني وغطرسته التي دامت اكثر من سبعين عاماً عجافاً ستتبعها سنوات من السنبلات الخضر خاصة اذا استطاعت دول المنطقة ان تتجاوز خلافاتها وتنتقل الى مرحلة جديدة من التعاون وتعزيز حسن الثقة بينها .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى