أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

اللاجئون والانتخابات الفلسطينية

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

بعد قرابة 14 عاماً من الانقسام الفلسطيني، الذي ترعاه القوى الدولية، يتابع نحو سبعة ملايين لاجئ حول العالم، فضلا عن اللاجئين الفلسطينيين بالضفة المحتلة وقطاع غزّة المحاصر، إمكانية إجراء انتخاباتٍ فلسطينيّةٍ.
فهل ستنهي الانتخابات المرتقبة الفترة التي تُرك في اللاجئ وحيداً، ومهمّشاً سياسياً، أم ستمدد الانتخابات هذه المرحلة السوداء من تاريخ القضية الفلسطينية!.
هل ستنهي الانتخابات المرتقبة سياسات السلطة التي كرستها “أوسلو” التي عبثت بطموحات اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، وهبطت بسقف آمالهم بالتحرير، لصالح الغرق بالهم اليومي!.
هل يمكن أن يفلح مجلس تشريعي حدود تمثيله الضفة وقطاع غزة، على حساب مجلس وطني تمتد حدود تمثيله لتشمل كافة الفلسطينيين في الشتات ومختلف منافي الأرض!.
وهل توحيد مؤسّسات السلطة في الضفة وغزّة مع انتخاب مجلس تشريعي جديد، يمكن أن يعبّر عن هموم اللاجئين في الشتات، وأن يخفف من معاناتهم ام ستقتصر اهتماماته على الأرض المحتلة!.
وتتعمق خيبة أمل ملايين اللاجئين في امكانية اجراء الانتخابات بمراحلها الثلاث التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني، خاصة بعد صدور مرسوم الانتخابات عن رجل ليس ذي صفة قانونيا، وهو محمود عباس، والذي حدد فيه مواعيد الانتخابات، في خطوة باطلة قانونيا كونها صادرة وفق مرسوم صادر عن رجل غير مخول وفق القانون بسن القوانين، بعد أن استولى على سلطة المجلس التشريعي، الهيئة الوحيدة التي من صلاحياتها سن واصدار القوانين.
فإلى أي حد يمكن الثقة بوعود عباس المنتهية ولايته، والمغتصب للسلطة خلافا للقانون، أن يفي بوعوده بإجراء الانتخابات بمراحلها الثلاث، في الثاني والعشرين من أيار/مايو المقبل، والحادي والثلاثين من تموز/يوليو، يليهما انتخابات للمجلس الوطني، إذا لم تتوافق نتائج انتخابات التشريعي وتوقعاته !.
لا شك أن الانتخابات هي حق لكل فلسطيني، وهي أيضا فرصة التغيير الوحيدة التي يتأمّل شعبنا أن تغيّر الواقع الفلسطيني، لكن من خلال التجارب الأليمة السابقة، يثور نوع من الشك حول سلامة النوايا الحقيقيّة لدى رام الله التي تفرض الانقسام، لصالح تغليب المصالح العليا للشعب الفلسطيني على مصالحهم الفئوية الخاصّة.
يمكن القول أن الانتخابات تشكّل بوابة حقيقيّة لإعادة الاعتبار للمجلس الوطني في رعاية مصالح أبناء شعبنا في الشتات، ومدخلاً رئيسيًاً لتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين خاصّة في المُخيّمات.
لكن على الجانب الآخر تبقى الانتخابات احتمال غير مؤكّد، كونها جاءت استجابة لضغطٍ اقليمي ودولي، وفي إطار تفاهمات فصائلية، لشرعنة الواقع الموجود، وتجديد شرعية عباس المنتهية ولايته، وليس امتثالا للحقٍ الدستوري المكفول وفق القانون الأساسي الفلسطيني، ما يعني ارتفاع احتمالات إعادة إنتاج الانقسام من جديد.
يتطلع اللاجئون لبرامج سياسية ونضالية فلسطينية، تثمر عن تمثيل حقيقي لكل الفلسطينيين حول العالم، وتضع رؤى واضحة المعالم لمواجهة الاحتلال واستعادة الأرض والوطن السليب، وليس برامج سياسية تتجاهل ملايين الفلسطينيين المنتشرين قسراً في مخيمات اللجوء وبلدان الشتات حول العالم، فالمسار الذي رسمته السلطة المحدودة المنبثقة عن أوسلو، لا تلبي قطعا طموح ملايين اللاجئين الفلسطينيين حول العالم.
بنيت الثورة الفلسطينية بالأساس على أكتاف اللاجئين الذين هُجروا من مدنهم وقراهم عام 1948، واللاجئون عموما ينحون انتماءاتهم الحزبية لصالح انتمائهم للوطن، وما زالوا يدفعون الثمن سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، ويرتفع منسوب الأمل لديهم عند أي انتخابات، فاللاجئون في المخيمات لا يتطلعون الى تحسينات اقتصادية أو اجتماعية، بل ترنوا عيونهم نحو من يرسم لهم طريقا نحو العودة لبيوتهم وأرضهم التي هجروا منها.
لذا يسود تخوف عام لدى جموع اللاجئين من أن تشكل هذه الانتخابات مدخل لإعادة إنتاج “أوسلو” كمنظومة وظيفية سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وتجديد الشرعية المتآكلة لمؤسسات السلطة، وإعادة تأهيلها للانخراط مجددًا في مفاوضات عبثية، همشت قضية عودة اللاجئين طوال الثلاثة عقود الماضية.
يضاف لتخوفهم المشروع والواقعي من أن انتخابات المجلس الوطني لن تجري عمليا، نظرا لتعقيد اجرائها في الشتات، وأن يجري عوضا عن ذلك تعيين ممثلين بالتوافق، بما لا يلبي طموحهم، ولا يخدم واقع ملايين للاجئين حول العالم.
ومنبع هذا التخوف من الوضع المعكوس التي تسير فيه العربة الفلسطينية أمام الحصان وليس خلفه، حيث كان من المفترض إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية جامعة، وتفعيل مؤسساتها وخاصة المجلس الوطني الفلسطيني، كي لا تقفز انتخابات السلطة عن تمثيل فلسطينيي الشتات، كونهم يمثلون أحد أهم أسس القضية الفلسطينية، فضلا عن كونهم يمثلون الأغلبية من الشعب الفلسطيني، لجهة حرمانهم من حقهم المشروع في المشاركة السياسية على طريق إعادة بناء الثورة وفق مسار حركة تحرر وطني.
وهنا يثور تساؤل آخر: كيف لانتخابات تجري بتوافق مع الاحتلال، وبتشجيع عربي وإقليمي ودولي منافي لمصالح شعبنا، أن تعيد الاعتبار للثورة ولمشروع التحرير الذي انطلقت من أجله منظمة التحرير ومختلف القوى والفصائل المقاومة !.
وأي انتخابات حرة تلك التي قد تجري تحت بساطير الاحتلال، والمسقوفة بأوسلو التي تخلّت عن أكثر من ثلثي الوطن، واستثنت أغلبية الشعب الفلسطيني في المنافي والشتات من حق التصويت !.
لكن على جانب آخر تعتبر الانتخابات استحقاق وطني، ومرحلة من أجل الوصول الى الوحدة الوطنية، بهدف إعادة انتخاب “المجلس الوطني الفلسطيني”، والذي هو بمثابة برلمان الثورة، الذي يمثل الكل الفلسطيني في الداخل والخارج، لذا تعتبر المشاركة فيها وبقوة وفعالية، حق لا تراجع عنه، وأمل لا غنى عنه، بالنسبة لمختلف اللاجئين الفلسطينيين في المنافي والشتات، كونه أحد أقوى الضمانات لحماية القضية الفلسطينية من التذويب والتلاشي، وبوابة لإشراكهم في صناعة القرار الوطني الفلسطيني المستقل، لإعادة رسم مسار الثورة، بما يكفل اعادة الوطن السليب لأصحابه المشتيين في منافي وأصقاع الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى