أحدث الأخبارايرانفلسطين

اللعب على حافّة الهاوية: إسرائيل تُغامر بالقواعد

الأخبار- علي حيدر الأربعاء 1 حزيران 2022

كشف الإنذار الذي وجّهته «هيئة مكافحة الإرهاب» الإسرائيلية إلى أكثر من 100 شخصية إسرائيلية، بالخروج فوراً من الأراضي التركية، عن إدراك الأجهزة الاستخبارية في كيان العدو تصميم إيران على الردّ على اغتيال العقيد في الحرس الثوري، صياد خدائي، قبل أسبوع. وأنبأ توجيه الإنذار إلى أولئك حصراً، على رغم وجود نحو 40000 سائح إسرائيلي على الأراضي التركية، بكون المخاطَبين يتمتّعون بمواصفات جعلت استهدافهم مرجّحاً أكثر من غيرهم. ومع أن مروحة الأهداف التي قد تطالها اليد الإيرانية يمكن أن تشمل أيّ دولة في العالم، بحسب التقارير الإسرائيلية، ولكنها تتركّز على تركيا أوّلاً، وبعض الدول المحاذية لها كآذربيجان، فضلاً عن دول أخرى في المنطقة كالإمارات والبحرين. ولذلك، قرّر «مجلس الأمن القومي»، بعد التشاور مع بقيّة أذرع المؤسّسة الأمنية والعسكرية، تشديد إجراءات السفر. في السياق نفسه، اتّسع نطاق المخاوف في إسرائيل من أن يكون الردّ الإيراني في العمق الاستراتيجي للكيان، حيث تحدّثت تقارير إعلامية عن أن التهديد الأكثر خطورة يتمثّل في احتمال شنّ هجوم بالمسيّرات، «في سيناريو مشابه لما تعرّضت له منشآت أرامكو في السعودية». وانطلاقاً من هذا التقدير، «رفع سلاح الجوّ الإسرائيلي حالة التأهّب، وقام بنشر بطّاريات القبّة الحديدية من الشمال وحتى الجنوب، إضافة إلى منظومات أخرى مهمّتها كشْف المسيّرات والصواريخ الجوّالة».
وعلى رغم الطابع «الاستثنائي» لتلك الإجراءات، إلّا أن الواقع أنها تأتي على خلفية عملية لم تكن سوى محطّة في صراع متواصل منذ عقود. وبحسب رئيس الاستخبارات السابق، اللواء عاموس يادلين (القناة 13)، فإن «بين إسرائيل وإيران حرباً لم تصل إلى مستوى حرب شاملة، لكنها تشمل جميع المقاييس تحت سقف الحرب: بحر، برّ، هجمات جوّية واستخبارات كما رأينا، والسايبر جزء من هذه الحرب، والإيرانيون يشنّون هجمات في إسرائيل طوال الوقت، ضدّ مئات الشركات». وعليه، فإن التوصيف المهني الذي تعتمده الاستخبارات الإسرائيلية للمعادلة القائمة مع إيران، هو «الحرب باردة». وهو التوصيف نفسه الذي كان ذهب إليه رئيس الوزراء، نفتالي بينت، في أكثر من مناسبة، وكرّره، أول من أمس، وزير الخارجية، يائير لابيد، الذي أشار إلى أن «الحكومة الحالية أضافت مبدأ مفاده أنه ليس مسموحاً لإيران دعم الإرهاب (عمليات المقاومة في فلسطين) على حدودنا أو داخل دولة إسرائيل، وتبقى هي محصّنة». مع ذلك، ليست سياسة الاغتيالات المنتهجة حيال طهران، كجزء من وسائل الحرب ضدّها، جديدة، لكن ما يميّز حلقتها الأخيرة أنها استهدفت شخصية عسكرية، فيما العمليات السابقة كانت تستهدف العلماء النوويين وكلّ ما له علاقة بالبرنامج النووي، من دون أن تنجح في تحقيق ما يتجاوز «الإنجاز التكتيكي»، بالقياس إلى وجود آلاف العلماء والمنشآت على مختلف الأراضي الإيرانية، واستمرار تطوّر البرنامج النووي الإيراني، والذي يعكس حجم الحصانة التي يتمتّع بها. ولا يتعارض هذا الفشل مع كوْن إسرائيل نجحت بالفعل في تنفيذ عدد من العمليات الأمنية البارزة خلال أكثر من عقد. وهو أمر مفهوم ومتوقَّع في ظلّ حجم المعركة التي تخوضها إيران في مواجهة تحالف استخباراتي دولي وإقليمي يصبّ في مصلحة تل أبيب، إضافة إلى ميزة تتمتّع بها الأخيرة، متمثّلة في كونها لا تستند فقط إلى تجنيد أشخاص متفرّقين هنا وهناك، وإنّما هناك تنظيمات معادية للنظام تنسّق معها وتتلقّى منها الدعم والإمكانات، الأمر الذي أقرّ به عدد مِن الذين تمّ اعتقالهم ويتبعون منظّمة «مجاهدو خلق».



على أن تبنّي سياسة العمليات الأمنية كبديل من الخيار العسكري، يؤشّر إلى تمكُّن إيران من إرساء حالة ردع في مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، لا تزال تمنعهما من اللجوء إلى هكذا خيار. وفي ظلّ تعثُّر المفاوضات النووية، يُفترض أن تتعزّز دوافع تكثيف تلك العمليات، التي بدا، في أعقاب اغتيال خدائي، أن متغيّراً استجدّ عليها. فهي وإن لم تكن الأولى، إلّا أنها تتّسم بطابع تأسيسي؛ كوْن المعلومات والتقديرات الإسرائيلية حولها، فضلاً عن المواقف الإيرانية المعلَنة إزاءها، تنبئ بأنه قد تَعقبها سلسلة ردود متبادلة، قد لا تقتصر ساحاتها على بلد محدّد، فضلاً عن إمكانية تدحرجها نحو قدْر من التصعيد. وفي هذا الإطار، عبَّر الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، اللواء غيورا آيلاند، عن خوفه الصريح من هذه السياسة العملانية. وحذر من أنه «ليس دائماً توسيع العمليات هو أمر يخدمنا»، مستشهداً بما أعقب قرار إسرائيل نقل المعركة إلى القطاع البحري، حيث أقرّ بفشل الاستراتيجية التي اتّبعتها عبر مهاجمة سفن إيرانية تنقل الوقود إلى سوريا، الأمر الذي دفع إيران إلى الردّ بالمثل. وتَبيّن في نهاية المطاف أن ذلك لم يكن «عملاً ذكياً، لأنه لم يكن لدينا تفوّق نسبي في الموضوع».
أمّا الآن، فقد تَشكّل وضع، بحسب آيلاند، باتت فيه إيران أكثر استعداداً لتحمّل مخاطر أكبر، وأكثر قدرة على إلحاق الأذى بإسرائيل، التي أضحى قادتها، وفق المسؤول السابق، «يستبشرون دائماً بنجاحات موضعية»، ولكنهم «ليسوا بالضرورة أذكياء من الناحية الاستراتيجية». وإذ أعرب آيلاند عن أمله بأن يكون «هناك تفكير عميق وراء كلّ قرار»، فقد أوصى، من موقع خبرته الطويلة في بلورة القرارات السياسية والأمنية، بضرورة «اللعب مقابل الإيرانيين بحذر شديد»، على اعتبار أن طهران لن تجد بدّاً في نهاية المطاف من الردّ على هذا النوع من الهجمات، وعندها ستنقلب مفاعيل تلك الاستراتيجية، خلافاً لما تطمح إليه حكومة بينت.
مع ذلك، ينبغي التأكيد أنه في ضوء طبيعة الصراع مع إسرائيل، وأوراق القوة التي يتمتّع بها كلّ من الطرفين، فإن إرساء معادلات ثابتة في كلّ الظروف، لا يبدو أكيداً. إذ إن المعادلات في هذا المجال تظلّ أقرب ما تكون إلى السيلان، كونها تتأثّر بالعديد من المتغيّرات التي قد يرى فيها أحد الطرفَين فرصة للإضرار بالآخر، وفق أولوياته وقدراته والاستراتيجية التي ينتهجها، فضلاً عن أن إيران تدرك أصلاُ أن تمسّكها بثوابتها في مواجهة التحالف الدولي والاقليمي المعادي لها سيكبّدها أثماناً. أيضاً، بات من الواضح أنه في ضوء ما وصلته إيران وحلفاؤها على المستوى العسكري، فإن العمليات الأمنية لا تستطيع أن تُحدث تغييراً معتبراً في المعادلات الإقليمية، ولا في مسار تطوّر القدرات. والنموذج الأبرز في هذا المجال، هو نموّ إمكانات «حزب الله» إلى المستوى الذي دفع كبار القادة العسكريين إلى الإقرار بتَحوّله إلى قوّة إقليمية باتت تهدّد الأمن القومي الإسرائيلي، على رغم استراتيجية «المعركة بين الحروب» التي تنتهجها تل أبيب منذ سنوات. في المقابل، يبدو أن حكومة بينت قرّرت العمل انطلاقاً من حكمة: «ما لا يدرَك كلّه لا يُترك جلّه»، لكن ماذا لو صدقت مخاوف أيلاند، وقرّرت إيران، في محطّة ما، توسيع دائرة الردود، وجعْل هذه السياسة العملياتية أكثر كلفة لإسرائيل، فضلاً عن جدواها المحدودة؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى