أحدث الأخبارالإسلامية

المرجع الشهيد الصدر الثاني .. والأغاني .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مجلة تحليلات العصر الدولية - أحمد رضا المؤمن

لا أنسى أبداً صوت المطربة “ميادة الحناوي” وأغنيتها (أنا بعشئك) التي كانت تتكرر كل يوم أكثر من ٢٠ مرة في نادي الموظفين عام ١٩٩٤م حيث يقع دكان والدي رحمه الله والتي حفظت كلماتها قسراً وجبراً بسبب التكرار والإعادة والصوت العالي الذي لم نجرؤ على إنكاره لأن هذه الفعاليات المحرمة كانت تحظى بدعم تام من سلطة البعث .

ومثل ذلك ما شاهدته عام ١٩٩٥ من موكب زفاف صاخب راقص مع أدوات الغناء والطرب وهي تدور حول صحن مرقد الإمام أمير المؤمنين “عليه السلام” في النجف الأشرف عاصمة التشيع !

بل وصل الحال بإستهتار الطاغية صدام الهدام وعصابة البعث إلى حد توقيت إقامة مهرجان بابل عام ١٩٩٦ في ذكرى عاشوراء في محرم الحرام .

ورغم أن هذه الأمور وغيرها الكثير مما لا يعد ولا يحصى كانت تحدث في زمن الظلم والإرهاب الصدامي حيث تجد (التقية) المبرر الواسع لممارستها إلا أننا شهدنا تحولاً إجتماعياً مُنقطع النظير مُنذ بدايات العام ١٩٩٧م عندما بدأ المرجع الديني آية الله العظمى الشهيد السيد محمد الصدر “رض” بمشروعه الإصلاحي الثوري المتمثل بإقامة صلاة الجمعة .

لاحظنا بعد إنتشار هذا المشروع – صلاة الجمعة – وخلال أشهر قليلة كيف أغلقت محلات بيع التسجيلات الغنائية طوعياً وتوبة أصحابها وتحول الكثير منهم إلى مُتدينين .

لاحظنا كيف تغيرت مراسيم الفرح والأعراس لدى الكثير من العوائل من رقص وأغاني إلى قصائد وأناشيد ومواليد تتغنى بحب أهل البيت “عليهم السلام” .

لاحظنا كيف أن طبقات واسعة من المجتمع (حتى غير المتدينين) أصبحت تحتقر وتنفر من الغناء والمغنين وتعتبر أن بيئتهم شؤم وعار . بل وصل الحال بأن يمدح الإنسان بأنه شريف لا يسمع الأغاني ..

كيف حصل كل ذلك ؟؟!
من عاش تلك الفترة قد يذكر جميع ما أتحدث عنه ولكن للفائدة أذكر أن الآليات التي إعتمدها المرجع الشهيد الصدر الثاني في التعامل مع هذه الظاهرة (وغيرها) كان يعتمد على محورين :

الأول : التفقه بالدين والتعريف بالحلال والحرام

لا أبالغ إذا قلت بأني في تلك الفترة كنت عندما أعترض على شخص ما يستمع للغناء وأطلعه حرمة الغناء (مستفيداً من كراس حواري فتوائي يتضمن حواراً فتوائياً مع المرجع الشهيد الصدر يضم العديد من الآيات والأحاديث والفتاوى عن حرمة الغناء) فكنت أستغرب كيف أن الشخص الفلاني أو الأسرة الفلانية الذين يزورون مراقد أهل البيت عليهم السلام ويصلون ويصومون كيف أنهم لا يعرفون أن الغناء حرام ويستغربون حد الصدمة ! فقد كانت في ذلك الزمان أمية فقهية فظيعة يطول شرح أسبابها ، حيث كانت العلوم والمعارف الدينية نخبوية .

واليوم (ورغم زوال أسباب التقية بنسبة كبيرة) نلاحظ أمية فقهية متزايدة وبشكل مريب بسبب غياب أي مشروع إصلاحي ثقافي بوجه الغزو الثقافي متعدد الإتجاهات والأشكال .

وهذا الأمر يتطلب من الحوزة العلمية الشريفة وعلماءها الأعلام “دام ظلهم” النزول للميدان بمشروع إصلاحي ثقافي أخلاقي فكري وإيصاله إلى جميع الطبقات فيزدادوا هدىً وتفقهاً في الدين .

المحور الثاني : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هذا المحور إستخدمه المرجع الشهيد الصدر الثاني “رض” بفعالية وبطرق مُبسطة ومؤثرة فكان يُفتي لمُقلديه بعدم جواز الصعود في سيارة التكسي الأجرة إذا كان يشغل الأغاني .

بل وصل الحال في كثير من العوائل نتيجة هذه الفتاوى والإرشادات أنها أصبحت تمتنع عن تزويج بناتها للشاب المشتهر بالإستماع للأغاني وإرتياد أماكنها .

وشدد المرجع الصدر في فتاويه على عدم حضور الأعراس والمناسبات التي تتضمن الأغاني وما شابه من محرمات حتى لو أدى ذلك إلى (زعل) الأقارب والأصدقاء . فضلاً عن حرمة حضور المهرجانات الغنائية التي كان نظام الطاغية صدام يحرص على إقامتها كل عام في مدينة بابل وغيرها .

وشيئاً فشيئاً أصبح العراق وتحديداً الوسط والجنوب ينفر من الغناء والمغنين وأصبحت بيئتهم منبوذة ومُنفرة ومعزولة وحكر على طبقات معينة قليلة لا يؤثر فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وطبعاً فإن هذا الحال لم يستمر بعد إحتلال العراق عام ٢٠٠٣م وغزوه ثقافياً بكل الوسائل إلى حد الإستهتار بكل القيم والأعراف والتقاليد التي يتميز بها الشعب العراقي المؤمن .

ويبقى السؤال المطروح الآن في العراق خصوصاً هذه الأيام حيث يشهد تصاعداً في الدعم الحكومي والسياسي للمهرجانات الغنائية والمطربين هو لماذا لا نجد موقف أو فتوى تستنكر كل ما يحصل رغم أنه (منكر) فاضح بل صارخ بكل تفاصيله كما أن الأجواء السياسية لا تستدعي تقية من العواقب .

نداءنا إلى مراجعنا العظام وهم قادتنا وأملنا أن لا يسكتوا على ما يحصل وأن يصدر منهم أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ومن المراجع أنفسهم وليس بمُستوى رجال دين ليست لديهم صلاحية الفتوى لضمان التأثير مع أهمية أن يُرافق ذلك كله مشروع ثقافي فكري أخلاقي إسلامي يتناسب مع تحديات المرحلة وطبيعة الغزو الثقافي الكبير .
منقول

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى