أحدث الأخبارشؤون امريكية

المصير السياسي لترامب بيد ميتش ماكونيل هل ينقذ زعيم الجمهوريين الرئيس الأميركي السابق من مقصلة العزل؟

مجلة تحليلات العصر - جعفر الأحمر

يواجه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأميركي مأزقاً في سعيهم لادانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في محاكمته التي ستجري في الأسبوع الذي يبدأ في الثامن من فبراير (شباط )، بتهمة “التحريض على  التمرد”   بشأن اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول (الكونغرس) في السادس من يناير (كانون الثاني) الجاري، لعرقلة مصادقة المشرعين على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.

ويتمثل المأزق بشكل أساسي بعدم قدرة الدمقراطيين على تأمين ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ للتصويت على ادانة ترامب. فالدمقراطيون يحوزون على خمسين صوتاً من اصل مئة في المجلس، فيما هم يحتاجون الى 67 صوتاً للادانة، أي هم بحاجة الى 17 صوتاً جمهورياً، بالاضافة الى الـ 50 دمقراطياً،  فيما لا يتعدى عدد الجمهوريين الذين أعربوا عن نيتهم التصويت لادانة ترامب اصابع اليد الواحدة.

الدمقراطيون يقولون انه “ليس من المنطقي على الإطلاق أن يرتكب رئيس – أو أي مسؤول – جريمة شنيعة ضد بلدنا، ثم يُسمح له بالاستقالة لتجنب المساءلة، ويرفضها، من دون اتخاذ أي اجراءات قانونية  بحقه”، كما قال زعيم الغالبية الدمقراطية في مجلس الشيوخ شاك شومر.

فالدمقراطيون، الذين كانوا يأملون البدء سريعاً بمحاكمة ترامب، فور عقد الكونغرس جلساته في 19 كانون الثاني (يناير)  واستغلال هذه الأجواء المشحونة بعد اقتحام مناصري الرئيس السابق مبنى الكونغرس، اضطروا الى التراجع، والقبول بتأجيل المحاكمة نحو ثلاثة أسابيع، لسببين رئيسيين:

الأول، مجاراة الرئيس جو بايدن بعدم رغبته وحماسته لمحاكمة مبكرة لترامب، كونها ستأتي على حساب تثبيت اجندته السياسية اولا، من تثبيت اركان حكومته وتمرير حزم المساعدات وتحفيز الاقتصاد واجراءات مكافحة كورونا.

والسبب الثاني ظهور معارضة قوية لدى الجمهوريين لمحاكمة سريعة، قد تؤدي الى استعداء العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، الذين كان يحتمل استمالتهم للتصويت الى جانب الدمقراطيين. فالجمهوريون يجادلون بأن أي محاكمة يجب أن تتيح فرصة كافية لترامب للدفاع عن نفسه، كما يقول زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل “انا اتفهم انه يجب السير في اجراءات المحاكمة بدءا من الاثنين (25 كانون الثاني) وهي عملية اتهام سريعة وغير مسبوقة جرت في مجلس النواب. لكن لا يمكن ان تكون ذات الاجراءات في مجلس الشيوخ، لانها ستحرم الرئيس (ترامب) من حقوقه القانونية وتضر بمجلس الشيوخ او الرئاسة نفسها، لذلك اقترح تأجيل المحاكمة الى 11 شباط لمنح ترامب مزيدا من الوقت لإعداد دفاعه”.

وكانت زعيمة الغالبية الدمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوسي اعلنت انها سترسل لائحة الاتهام المتعلقة بترامب الى مجلس الشيوخ يوم الاثنين ( 25 كانون الثاني) على امل البدء بمحاكمة في 8 شباط.

بعد وصول لائحة الاتهام الى مجلس الشيوخ، يتوقع ان يتمترس الجمهوريون خلف حجج قانونية، لعل أبرزها عدم دستورية أي اجراءات لمحاكمة رئيس انتهت ولايته، وان الإجراءات القانونية للمحاكمة تجري في وقت أقصر من الإطار الزمني الواجب لمحاكمة عادلة.

فالجمهوريون سيجادلون كثيراً، على الأرجح، بعدم دستورية محاكمة رئيس سابق  أصبح الآن مواطناً عادياً. ويمكن لمثل هذه الحجة أن تمنح الجمهوريين مخرجاً  لهم لعدم إدانة ترامب من دون الظهور بمظهر المؤيد لسلوكه بتحريض المتمردين على اقتحام مبنى الكابيتول.

الجمهوريون يجادلون أيضاً بأن هذه المحاكمة قد تشكل سابقة كما قال  السناتور الجمهوري النافذ ليندسي غراهام “من الواضح أن المساءلة التي أعقبت الرئاسة لم تحدث قط في تاريخ البلاد، لأنها غير دستورية، وتشكل سابقة سيئة للرئاسة وتستمر في تقسيم الأمة”.

ومع إعراب المزيد  من الجمهوريين عن ثقتهم بأن الحزب سيبرئ الرئيس السابق من تهمة “التحريض على التمرد” تتضاءل فرص إدانة  دونالد ترامب في مجلس الشيوخ.

في المقابل يعتقد الدمقراطيون انه مهما كانت نتيجة محاكمة ترامب، فانهم رابحون في الحالتين: في حال الادانة، فانهم يضيفون الى رصيدهم تسجيل سابقة بمحاكمة رئيس (سابق) وادانته  (بعد محاكمته مرتين) بتهمة “التحريض على التمرد”.

واذا لم ينجح الدمقراطيون في ادانة ترامب يكونون قد حققوا الهدف الآخر، وهو الكشف امام الرأي العام حقائق كثيرة خاصة في ملابسات اقتحام الكونغرس واعادة استعراض الأدلة الكثيرة، خصوصا الخطاب التحريضي لترامب نفسه في 5 يناير عشية اقتحام الكونغرس. ويعتبرون ذلك “هزيمة أخلاقية” للجمهوريين لتواطؤهم مع ترامب ووضع مصالح حزبهم فوق المصالح العليا للبلاد.

رغم كل ما تقدم، هناك عامل مهم في حسم محاكمة ترامب: انه ميتش ماكونيل، زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ.

ماكونيل كان قد أخبر مقربين منه أنه سعيد بأن الديمقراطيين يريدون عزل الرئيس، لأنه يعتقد أن ذلك سيساعد في تخليص الحزب الجمهوري من ترامب وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز. كما أبلغ ماكونيل مساعديه أنه يعتقد بأن الرئيس ارتكب جرائم تستوجب عزله، بحسب صحيفة واشنطن بوست في الثالث عشر من الشهر الجاري. رغم ذلك، لم يوضح ماكونيل كيف سيصوت في محاكمة ترامب. ويعتقد مراقبون ان وجهة تصويت ماكونيل سيكون لها تأثير على توجهات العديد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ. فاذا أعلن نيته بادانة ترامب يتوقع ان ينضم اليه عدد من الجمهوريين يسمح بتأمين 17 صوتاً  جمهورياً ضرورياً، مع الـ50 دمقراطياً، لحسم ادانة ترامب.

ومن المرجح، حتى الآن،  أن يبرئ معظم الجمهوريين ترامب، وقلة منهم فقط يمكن ان يغيروا مواقفهم في اللحظة الأخيرة  لإدانة الرئيس السابق ما لم تظهر المزيد من الأدلة أو تغير في الديناميات السياسية داخل الحزب الجمهوري بشكل كبير.

ومع اصطفاف معظم الجمهوريين ضد الإدانة، يتوقع الجمهوريون أن زعيم الحزب الجمهوري سيصوت على الأرجح للتبرئة أيضاً، إذ يعتقد العديد من الجمهوريين بأن ماكونيل قد يفقد منصبه على قمة مؤتمر الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ إذا صوت لإدانة ترامب.

لكن ماكونيل أوضح أنه لم يحسم أمره بعد، وقال إنه سيستمع إلى الحجج أولاً قبل أن يقرر كيفية التصويت، واضاف انه لن يوجه الجمهوريين للتصويت بنعم او لا، رغم تحميله ترامب مسؤولية التحريض على مهاجمة الكونغرس.

وماكونيل معني بالحفاظ على سلطته – بقدر استطاعته –  التي تقلصت نتيجة خسارة الجمهوريين الغالبية في مجلس الشيوخ، والثقة التي اهتزت بالجمهوريين نتيجة موقفهم الملتبس من اقتحام الكونغرس. وهو يملك بين يديه ورقتين رئيسيتين له تأثير كبير في شأنهما: الأولى، محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ، اذ ان موقفه سيكون حاسما في كيفية تصويت العديد من الجمهوريين. والثانية، أجندة الرئيس جو بايدن وما اذا كان الجمهوريون مستعدين لدعمه في هذه المرحلة.

ولذلك لا يبدو ماكونيل مستعدا لكشف اوراقه بشأن محاكمة ترامب أو اجندة بايدن كي يستفيد الى اقصى حد من هذه الميزة، التي ما زال يتمتع بها، حتى الآن.

ويعتقد مراقبون ان ادانة ترامب في مجلس الشيوخ قد تؤدي الى فرز وانقسام في الحزب الجمهوري، وانشقاق مؤيدي ترامب عن الحزب باعتبار الادانة “خيانة للرئيس”. في المقابل تعني تبرئة ترامب لطخة سوداء في جبين الحزب الجمهوري لا يمكن محوها، إذ انها تظهر كل الجمهوريين بمظهر المؤيد للمتمردين الذين اقتحموا الكونغرس والتواطؤ مع ترامب في التحريض على هذا التمرد.

ماكونيل أمام خيارين أحلاهما مر. فهل يختار “اللطخة السوداء” او “انشقاق الحزب”؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى