أحدث الأخبار

المقاومة ودبلوماسية المشاهير

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

لا شك في أن الدبلوماسية الشعبية وتطبيقاتها ومفاهيمها تظل واسعة وفضفاضة، كما أنه لم تتبلور بعد ماهية الممارسات التطبيقية الأفضل للممارسة المحترفة للعمل الدبلوماسي.
لكن في حالتنا يجب أن نحرص على أن تكون دبلوماسية المشاهير”celebrity diplomacy” كنمط من الدبلوماسية يستثمر جاذبية المشاهير وقدرتهم على التأثير، لمؤازرة أهدافنا الوطنية ودعمها نظرا لما تمتلكه من بعد أخلاقي وإنساني وحقوقي.
إذ يجب أن تساعد رسالة دبلوماسية المشاهير على تحقيق النتائج السياسية المرجوة وتخدم الاستراتيجية المستخدمة، وأن تعكس استراتيجية الاتصال المعتمدة بهؤلاء المشاهير الأهداف السياسية، والمتمثلة بمناصرة الحقوق الفلسطينية على مختلف الصعد الإنسانية والحقوقية والقانونية.
لذا يقع على عاتق دبلوماسية المقاومة تخصيص فرق من الكوادر التي تتميز بالقوة والفهم والقدرة على التواصل مع المشاهير، على اختلاف الوانهم ومستوياتهم، لجهة توظيف قدراتهم على التأثير في الجماهير عربية او غربية، لناحية اتخاذ مسار أكثر إيجابية من الناحية العملياتية على الأرض، لصالح مناصرة الحقوق الفلسطينية، وفضح ممارسات العدو المتوحشة بحق شعبنا وأرضا ووطنا.
الأمر الذي يستلزم من هذه الفرق القيام بدراسات معمقة لفهم مستفيض لعالم المشاهير، وللجماهير التي تتوفر لديهم القدرة على التأثير فيها وعليها بما يخدم أهدافنا، الأمر الذي سيسهل على هذه الفرق وضع عدة طرق ومسارات يمكن سلوكها لتحقيق هذه الأهداف.
ولضمان قياس شفاف وموضوعي لمدى تحقيق الأهداف المرجوة، وتحديد قياس نقاط النجاح والفشل، يجب أن تحمل خططنا أهدافاً محددة، بحيث توضع الأهداف الاستراتيجية على النحو الذي يمكن من توجيه جهود الدبلوماسية نحو تحقيقها.
وفي الوقت الذي تراكم فيه المقاومة القوة المسلحة بكافة اشكالها ومستوياتها، فان عليها ان لا تغفل التسلح ايضا بالقوة الناعمة (soft power)، كأحد مصادر النفوذ والتأثير التي تتجاوز فكرة الاعتماد الحصري على مصادر القوة الصلبة التقليدية.
فدبلوماسية المشاهير أحد أنواع القوة الناعمة، بما تنطوي عليه من مساحة هائلة من إمكانات التأثير والتوجيه، في ظل التأثير العالمي لمواقع التواصل الجماعي، التي يقع على عاتقنا عبئ بل فرصة توظيفها في المعركة، نظرا لقدرتها البالغة على تكريس الصورة الإيجابية لقضيتنا ولحقوقنا ولمقاومتنا في مواجهة صورة العدو التي تزداد بشاعة يوما بعد يوم.، فضلا عن قدرتها على مساعدتنا في تحقيق اهدافنا المشروعة عن طريق الجاذبية بدلًا من الإرغام.
ان اقدام المقاومة على اعتماد دبلوماسية المشاهير، ستمثل فرصة للتعبير عن قوة ناعمة جديدة للقضية الفلسطينية وحقوقه المشروعة، وهو ما يدفعنا للتعويل على حصافة وجرأة المقاومة، على الخروج من حيز القوالب الجامدة والتقليدية التي تعتمدها في عملها الدبلوماسي، لناحية اعتماد وسائل وطرق أكثر حداثة، كفيلة بتغيير الصورة النمطية السلبية للمقاومة الفلسطينية التي يحاول العدو جاهدا ترسيخها لدى المجتمعات الغربية، وبالتالي مواجهة تمدد العدو وتفرده في السيطرة على الرأي العام وعلى التوجهات السياسية للحكومات في الغرب.
صاغ مفهوم “القوة الناعمة” التي تبرع القوى الكبرى في استخدامها، نمطًا جديدًا للتداخل بين الدولة والفرد، وفي حالتنا الفلسطينية “بات علينا أن ننظر إلى إنجازات الأفراد المشاهير الذين نستطيع استمالتهم لصالح قضينا، واقناعهم بروايتنا، على أنهم جزءٌ من قوتنا الناعمة التي تُعزز صورتنا الذاتية وسمعتها، وذلك في خضمّ التحول في النماذج والأدوات السياسية، وانتقالا من العالم الحديث القائم على الجغرافيا السياسية والسلطة إلى عالم ما بعد الحداثة المستند بشكل جوهري إلى الصور والنفوذ”.
فالمشاهير أصبحوا يُشكلون على مدار العقود الماضية مكونًا هامًّا في التفاعلات الدولية المعاصرة بما يمتلكونه من جاذبية وجماهيرية لدى الكثيرين تفوق -في بعض الأحيان- رجال السياسة التقليديين.
وقد ارتبط هذا التنامي في أدوار المشاهير بما أحدثته العولمة من تحولات ثقافية واجتماعية، والتي خدمت بصورة كبيرة المشاهير.
فمن جهة، تطورت وسائل الإعلام، وظهرت وسائل جديدة للتواصل الاجتماعي كثّفت من ظهور المشاهير وإلقاء الضوء عليهم، وبالتالي عززت من حالة الارتباط بين الجماهير والمشاهير، وعليه زادت قدرة المشاهير على التأثير في الجماهير.
ومن جهة أخرى، واستكمالًا لدور الإعلام في التكريس لمكانة المشاهير، تكفلت العولمة الاقتصادية والنظام الرأسمالي بإفراد مساحة أكبر للمشاهير للترويج وإضفاء المصداقية على حملات مجتمعية معينة ومنتجات وعلامات تجارية ووطنية مختلفة.
ولهذا باتت تتوفر لدى المقاومة فرصة لدمج المشاهير أو النجوم في شبكات تصنيعية تخدم أهدافًا ذات أبعاد أخلاقية وإنسانية وحقوقية، حيث “إن النجم كالذهب، مادة هي من ارتفاع الثمن بحيث تختلط مع مفهوم الرأسمال ذاته.
وتأسيسًا على ما سبق، يُمكن توظيف العلاقة بين المشاهير وقضيتنا، كجزء من قوتنا الناعمة من خلال مشاركتهم في مبادرات للتعريف بقضيتنا، ومناصرة حقنا في مختلف المحافل، ليس فقط على مستوى مجتمعاتهم، ولكن على مستوى العالم.
فإذا كانت منظمة السلام العالمية للتنمية الدبلوماسية تعمل على تعيين سفراء من خارج المجال السياسي كل سنة حتى يمثلوها، من مشاهير الفنانين والموسيقيين والإعلاميين وحتى الرياضيين، مثل الفنانة الأميركية الشهيرة أنجلينا جولي التي ما زالت تحتل هذا اللقب منذ عام 2001 وحتى اليوم.
فانه يقع على عاتق دبلوماسية المقاومة رفع مستوى قدرتها على الوصول إلى قادة العالم والجماهير من خلال ممارسة قوتهم النجمية إلى عالم الدبلوماسية والقضية الإنسانية، نظرا للقوى التي يمتلكونها في مواجهة الدبلوماسيين المحترفين من الصهاينة ومناصريهم.
فإذا كانت الدبلوماسية توظف في الماضي كأداة للحرب او التهديد، فهي اليوم لم تعد مرساة للسلام فحسب، بل باتت نشاط اتصالي به نوع من العمومية والجماهرية؛ ذلك بسبب عدد الفاعلين المتزايد في العلاقات الدولية (الدول، المنظمات الدولية، المنظمات غير الحكومية، الشركات العابرة للقومية، وسائل الإعلام، الأكاديميات، مراكز البحوث، المشاهير، الفرد).
في ظل انهيار الحواجز الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين ما هو داخلي وما هو خارجي الذي صنعته مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام والاتصال الحديثة، باتت دبلوماسية المشاهير أكثر ايلاما للعدو الصهيوني الذي أزعجه كثيرا ما نشرته بطلة سلسلة أفلام “هاري بوتر” إيما واتسون، على حسابها في موقع “انستغرام”، من عبارات تضامنية مع الشعب الفلسطيني.
حيث حملت المنشورات عبارات “التضامن فعل”، وصورا لأعلام فلسطينية كتب عليها “فلسطين حرة”، في موقف لاقى ردود فعل مرحبة، وداعمة للحقوق الفلسطينية على مواقع التواصل الاجتماعي، مقابل غضب صهيوني.
واقتبست واتسون كلمات للباحثة البريطانية الأسترالية سارة أحمد، التي قالت فيها إن “التضامن لا يفترض أن كفاحنا هو نفس النضالات، أو أن ألمنا هو نفس الألم، أو أن أملنا هو نفس المستقبل.
التضامن ينطوي على الالتزام والعمل، وكذلك الاعتراف بأنه حتى لو لم نفعل ذلك لدينا نفس المشاعر، أو نفس الحياة، أو نفس الأجساد، فنحن نعيش على أرض مشتركة”.
وأثارت منشورات واتسون غضبا لدى العدو الصهيوني، حيث علّق مندوبه الدائم لدى الأمم المتحدة، داني دانون، على حسابه بـ”تويتر”، متهما واتسون بمعادة السامية، لكن تعليقه قوبل بهجوم وسخرية من قبل نشطاء، وتأكيد على عدالة الحقوق الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى