أحدث الأخبارفلسطين

الناتو العربي الإسرائيلي وجد مشوّها لن يرى النور كتوأمه “صفقة القرن” .؟!

د.أسامة القاضي _ كاتب وناشط سياسي يمني

لأسباب خاصة بالكيان الاسرائيلي، ترفع وسائل الاعلام في هذا الكيان وبإصرار ملفت، التوقعات من الزيارة التي من المقرر ان يقوم بها الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، وفي مقدمة هذه التوقعات تأسيس “ناتو عربي اسرائيلي” بقيادة أمريكا، لمواجهة ايران.

لا ينفك زعماء الكيان الاسرائيلي، بدا من رئيس الوزرء نفتالي بينيت ومرورا بوزير الحرب بيني غنتس وانتهاء بوزير الخارجية لابيد، من تكرار القول ان الدول العربية و”اسرائيل” في طريقها الى تأسيس تحالف عسكري بقيادة امريكا لمواجهة ايران، ولم يتبق سوى ان يضع بايدن خلال زيارته المرتقبة اللمسات الاخيرة على هذا التحالف.

كثيرا ما يشير زعماء “اسرائيل” الى السعودية الامارات وقطر والبحرين والكويت وسلطنه عمان والمغرب والاردن والعراق، بوصفها الدول العربية التي ستدخل في تحالف معهم وتحارب ضد ايران من أجلهم.

“اسرائيل” تعمل منذ فترة للترويج لكذبة باهتة هي ان ايران، تهديد مشترك لـ”اسرائيل”، والدول العربية في الخليج الفارسي، وهذا التهديد المشترك، هو الذي سيجمع جميع هذه الدول الى جانب الكيان الاسرائيلي في تحالف واحد ضد ايران، بينما غاب عن مروجي هذه الكذبة ان وجود خلافات بين ايران وبين دولة او دولتين من الدول العربية، هي خلافات طبيعية بين اغلب دول العالم وخاصة الدول الجارة، ولا ترتقي الى الخلافات الجوهرية بين ايران والكيان الاسرائيلي الارهابي المحتل العنصري، الذي يحتل ارض فلسطين ويشرد شعبها ويعمل ليل نهار لتهويد القدس وضرب امن واستقرار دول المنطقة وشعوبها من أجل البقاء وسط الدمار والفوضى.


الضجة التي تثيرها “اسرائيل”، رسميا واعلاميا، حول تأسيس “ناتو عربي اسرائيلي” بقيادة امريكا في المنطقة، تذكرنا بذات الضجة التي اثارتها “اسرائيل” عن “صفقة القرن” التي كان عرابها الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، والتي ماتت قبل ان ترى النور، ومن المتوقع ان يلقى توأمها المشوه “الناتو العربي الاسرائيلي” المصير نفسه.

ان فكرة تاسيس “ناتو عربي اسرائيلي” لا يمكن ان تخطر ببال كل من يعرف شعوب المنطقة وثقافتها والاواصر التي تربط بينها، ونظرتها الى “اسرائيل” والشعب الفلسطيني، فهذه الشعوب رفضت انضواء بعض انظمتها وبشكل غير مباشر في تحالف مع السعودية في حربها ضد اليمن، كيف يمكن ان تتقبل انضواء انظمتها في تحالف العدو الاسرائيلي ضد بلد جار مسلم مثل ايران؟!.

هذا اولا، ثانيا ان اغلب هذه الدول، ان لم يكن جميعها، ترتبط بعلاقات سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وعسكرية وامنية عميقة مع ايران، بل ان خلافات بعضها مع بعض أكثر من خلافاتها بعضها مع ايران، فالسعودية، تجري منذ فترة مفاوضات مع ايران، ومن المتوقع ان تصل هذه المفاوضات الى نتائج طيبة. اما الامارات فقد عقدت مع ايران العديد من الاتفاقيات الاقتصادية، وتضاعف حجم التبادل التجاري بينها وبين ايران مؤخرا. بينما قطر التي لا تربطها علاقات سياسية واقتصادية قوية مع ايران فحسب، بل تعتبر شريكة معها في حقل غاز بارس الجنوبي في الخليج الفارسي. أما سلطنة عمان، فهي من أوثق اصدقاء ايران في الخليج الفارسي. والكويت، فهي من اكثر دول الخليج لفارسي رفضا للتطبيع مع “إسرائيل”، وتربطها علاقات وثيقة في جميع الجوانب مع ايران.

اما الحديث عن مشاركة العراق في تحالف مع “إسرائيل” ، فهو اشبه بالنكتة، فالعراق شعبا وحكومة وحزبا وجيشا ومقاومة، لم يرفض التطبيع مع “اسرائيل” فحسب ، بل ان عقوبة الاعدام تنتظر كل من ينتهك هذا القانون، ناهيك عن العلاقة التاريخية المتميزة التي تربط الشعبين العراقي والايراني.

يبقى الاردن ومصر والمغرب، فهذه الدول ترتبط بشكل وبآخر بعلاقات قديمة مع ايران، وليس هناك من مبرر يمكن ان يدفع هذه الدول، البعيدة جغرافيا عن ايران، ان تنخرط في تحالف مع “اسرائيل” ضدها . لذا لا يبقى في هذا التحالف سوى “إسرائيل”، التي تحاول ان تقنع الاخرين بوجوده، كما حاولت اقناعهم بوجود “صفقة القرن” دون طائل.

يبدو ان بعض زعماء الكيان الاسرائيلي، ادرك مؤخرا ان من الصعب تسويق فكرة تأسيس “ناتو عربي إسرائيلي”، لذلك بدأوا في خفض مستوى توقعاتهم، ومن بين هؤلاء وزير الحرب الاسرائيلي بني غانتس، الذي قال اليوم الاثنين، “إن إسرائيل تبني تحالفا للدفاع الجوي في الشرق الاوسط بقيادة الولايات المتحدة.. وقد يستمد مزيدا من القوة من زيارة الرئيس جو بايدن الشهر المقبل”.

اللافت ان غانتس لم يذكر أسماء أي شركاء لكيانه في هذا “التحالف الجوي”، واللافت ايضا ان الدول العربية كانت قد ابدت ترددا إزاء هذه الفكرة ايضا، التي يحاول غانتس من خلالها ان يربط امن كيانه بأمن دول المنطقة، وهو ربط سيجعل دول المنطقة في خانة واحدة مع كيانه المحتل المعتدي، والذي يعرض امن واستقرار دول المنطقة وشعوبها للخطر الدائم منذ اكثر من 7 قرون، الامر الذي يدفع دول المنطقة
وشعوبها ومقاومتها للرد على عدوانه وجرائمه.


من المؤكد اننا سنشهد بعد زيارة بايدن للمنطقة، إنحسارا لتصريحات زعماء الكيان الاسرائيلي عن تحالفاتهم الطويلة العريضة مع العرب، فهذه التحالفات تتعارض مع منطق الاشياء، فمن الصعب على اي نظام عربي مهما بلغت تبعيته للامريكي، ان يقبل الدخول الى التاريخ من أقذر ابوابه، ويلصق بنفسه عار التحالف العسكري مع العدو الاسرائيلي، الغاصب للقدس، ضد بلد مسلم جار، ولكن حتى لو افترضنا جدلا ان هذا النظام العربي تجاهل منطق الاشياء وقوة المنطق، فإنه سيرتدع لا محالة بمنطق القوة، التي فرضها الجار المسلم، على اكبر قوتين غاشمتين عدوانيتين هما امريكا و “إسرائيل”، وجعلهما ترتدعان الى حد اليأس، وما ثرثرة زعماء امريكا “واسرائيل” عن تحالفاتهم مع العرب، إلا بعض عوارض هذا اليأس ، وما خفي كان اعظم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى