أحدث الأخبارايران

الناقلات الإيرانية في الموانئ الفنزويلية: كسبت إيران وخاب ترامب ورهطه

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: هشام البوعبيدي/ تونس

تصدير: “لا يمكن التحدّث مع العدو الوحشي إلا من موقع الإقتدار والقوّة” السيد علي الخامنئي
صفعة كبرى وجهتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية للإدارة الأمريكية، بعد وصول ناقلاتها النفطية الى البحر الكاراييبي ودخولها المياه الإقليمية الفنزويلية لإفراغ شحنات وقود لكاراكاس التي تعاني أزمة في البنزين وشحا في هذه المادة الحيوية، في تحدّ صارخ للتهديدات الأمريكية التي أطلقتها ولوّحت باستهدافها وتطاول على حزمة عقوباتها الجائرة وغير الشرعية على كلتا الدولتين، وبهذا الحدث تفتتح إيران صفحة جديدة في زمن التحوّلات الاستراتيجية الكبرى التي يشهدها العالم والتي ستتفاعل تباعا وستفرز عديد الاستتباعات، حتى تواري التراب على نظام عالمي موبوء سمته التوحّش والاستكبار والتنمّر وقد آن الأوان لطمره ودفنه.
فمنذ الإعلان عن ارسال الناقلات النفطية الى فنزويلا سارع البيت الأبيض، بإطلاق وابل تهديداته باحتجازها وحجزها وتحويل وجهتها في استصحاب لأعمال “البلطجة” والقرصنة التي دأبت الإدارة الأمريكية على ارتكابها، وقد كان بإمكان الجمهورية الإسلامية أن تتخيّر طرقا بحرية “شبه خالية” وآمنة كي تتجنّب الاشتباك وربما المواجهة مع البحرية الأمريكية، خصوصا بعد حوادث الإحتكاك بين الزوارق الإيرانية وفرقاطات أمريكية في مياه الخليج التي كادت أن تشعل فتيل حرب، لكنها أصرّت أن تبحر ناقلاتها عبر المضائق والبحار المعتادة و”الأكثر سخونة”، وعلى مرأى ومشهد من الجميع وخاصة الأساطيل وناقلات الطائرات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، من بحر عمان الى باب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق، مؤكدة كما جاء على لسان المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية عباس موسوي أن “السفن الإيرانية تنقل الوقود نحو فنزويلا ضمن تجارة مشروعة رسميا وقانونيا.. إذا كانت أمريكا منزعجة من نقل الوقود الإيراني إلى فنزويلا فهذا شأنها، وتهديداتها لناقلاتنا غير قانوني وستواجه بالرد في حال أي استهداف لها”.
وكان الرئيس حسن روحاني قد توعد الولايات المتحدة الاميركي بالرد على اي اعتداء اميركي محذّرا واشنطن من التعرض للناقلات في منطقة البحر الكاريبي أو في أي مكان في العالم لان بلاده ستواجه واشنطن الرد بالمثل، فيما شدّد وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي على أن رد طهران ضد أي اعتداء يستهدف أمنها القومي، سيكون حاسما، وخلال تقديم إفادته في لجنة الأمن القومي في البرلمان الايراني أكد: “في الدفاع عن المصالح الإيرانية وأمننا القومي سيكون الرد على أي معتد سريعا و حازما ومؤلما”، وعلى الجانب الآخر، شكر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، حليفه الإيراني في كلمة بثتها شبكة التلفزيون الحكومية وأكد “نحن مستعدون لكل شيء وفي أي وقت”، كما أرسل قطعا بحرية عسكرية لمرافقة ناقلات النفط الإيرانية الى حين دخولها المياه الإقليمية الفنزويلية تحسبا لأي “حماقة” من الجانب الأمريكي، وذلك بعد مناورات وتدريبات عسكرية في جزيرة لا أورشيلا مع تجربة صواريخ دقيقة في إطار “الدرع البوليفارية”، ضمن عملية الانتشار الدائم التي أمر بها مادورو منذ فيفري الماضي.
ومع وصول الوقود الإيراني الى فنزويلا، يكون الدرس الإيراني المزدوج قد وصل لأهله، الدرس الأول موجه لترامب وبومبيو وادارتهما (فرعون وهامان وجنودهما) بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تتوانى عن تنفيذ تهديداتها وتأديب من يتعدى على حقوقها وهي تمتلك المقدرة والإرادة على ذلك، وهو ما خبرته الإدارة الأمريكية سواء من خلال اقتناص الصواريخ الإيرانية لـ”فخر الطائرات المسيّرة” الأمريكية “غلوبال هوك” العملاقة التي هوت من ارتفاع 20 كيلومترا، أو من خلال دكّ قاعدة عين الأسد بالعراق ردا على اغتيال الشهيد قاسم سليماني، ولعل أبلغ رسالة، حينما احتجزت البحرية البريطانية ناقلة النفط الإيرانية التي كانت متجهة الى سوريا بمضيق جبل طارق، فقامت الزوارق الإيرانية، وبعد أقل من أسبوع باحتجاز ناقلة بريطانية في مياه الخليج، وفتشت أخرى، تحت سمع وبصر السفن الحربية الأميركية التي لم تجرؤ على التدخل، وقال ترامب حينها “إن أساطيل بلاده لا تحمي إلا السفن الأميركية فقط”.
والدرس الإيراني الثاني موجّه لدول العالم وشعوبه، أنه لا بد من وضع حد للغطرسة الأمريكية وسياسة العقوبات الجائرة والكيل بمكيالين، وأنه لا سبيل لتجاوز ذلك الا بالتضامن والتعاون والتكافل بين الأمم والشعوب، ففي حين تنشر واشنطن أساطيلها وجيوشها وتنشئ قواعدها العسكرية في بقاع الأرض وتحمي وتساند وتغض الطرف عن الأنظمة الأشد توحشا ودموية وإيغالا في دماء الأبرياء والمستضعفين من فلسطين الى اليمن وغيرهما، تستصدر القوانين الأكثر جورا وظلما بحق الشعوب التي ترفض سياسة الهيمنة والاستكبار واستنزاف مقدراتها، وتعمل على التدخل وحبك المؤامرات وتمويل الانقلابات في الدول التي تعارضها (وما شهدته فنزويلا منذ أيام من محاولة انقلابية ببصمات أمريكية ليس ببعيد) وعليه فإن بناء نظام جديد أكثر عدالة وتكافلا على أنقاض عصر الغطرسة الأمريكي المتهالك قد لاح بالأفق وأن أفول الأمركة في عالم متعدد الأقطاب ليس ببعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى