أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

النصر يقترب واليمن يسـتعيد دوره العـربي

مجلة تحليلات العصر الدولية - ســـمير الحســــن / مجلة يمن ثبات

تتخذ المواجهات على مختلف الجبهات منحى تباطئيًّا؛ ليس من تردد، لكن جوهر الصراع الذي يغلب عليه الطابع الوجودي، بين عالم صاعد، وعالم متراجع يفترض بطء الحركة، خصوصا أن أحدا لا يتجرأ على خوض حرب أشبه بالحروب العالمية، ففيها ليس من يضمن عدم اللجوء إلى السلاح النووي المدمر للبشرية إذا أفلت من عقاله، في ظل هيمنة التوحش، وغياب العقل، والإنسانية.

من هنا امتدت حرب اليمن نحو ست سنوات، وما يزال الجرح نازفا، والحرب مستمرة، والتحالف الخليجي لا يتردد في الاستمرار بالحرب على الرغم من هزائمه المتكررة، وعدم تحقيقه أي هدف من أهداف الحرب، وعلى الرغم من تعرضه مرارا لضربات نوعية كما حصل مع مطار «أبها» منذ أسابيع قليلة، والضربة التي نفذتها القوات اليمنية في عمق الأراضي السعودية بين ليل السبت، وصباح الأحد أواخر فبراير.

وليس من الغريب امتداد المعارك؛ نظرا لأهمية الحرب اليمنية التي تفترض بنتيجتها تحديد من يسيطر على أحد أهم المعابر البحرية وهو «باب المندب»، إضافة إلى أهمية خاصة لها بعد تاريخي يتعمق في الحروب السابقة التي شنتها السعودية على اليمن في فترات متفاوتة.

بوصول الرئيس الأميركي «جو بايدن» إلى سدة الرئاسة، أعلن نيته العمل على وقف الحرب اليمنية، لكنه ما إن أعلن عن وقفها، حتى أعادت دول التحالف شن هجومات على اليمن، مستبقة أي خطوة من خطوات وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من الحذر المسبق من نوايا بايدن؛ حيث بات معروفا دورالدولة العميقة في توجيه السياسة الأميركية، إلا أن اليمن اتخذ منحى تقبل الموقف كمن حمل البارودة في يد، وغصن الزيتون باليد الثانية.

وانطلاقا من أن «الذي يده في النار ليس كالذي يده بالماء»؛ لذلك بادرت اليمن إلى تصعيد ضربات ضد أهداف سعودية من جهة، وانخرطت في معركة مأرب المفصلية؛ فالحوثيون لم يلمسوا صدقا في وعود بايدن، ولمسوا ما لا يلمسه آخرون أن إطلاق الوعود شيء، وتنفيذها أمر آخر، مع أنهم أبدوا كل استعداد لوقف القتال، مفسحين المجال لوقف المأساة المدنية في اليمن، ويرجح صدق تقديرهم كما بدا حتى اليوم، حيث لجأ التحالف إلى التصعيد ضد اليمن؛ استباقا لأية خطوة قد تنجح.

ويتخذ الصراع اليمني منحى أكثر خطورة وحسما، ويتجلى ذلك في تصعيد العمليات العسكرية، وإدخال أسلحة جديدة غير مجربة، وما حرب مأرب إلا محطة بارزة من محطات الصراع في المنطقة.

معركة مأرب:

تُعدّ معركة «مأرب» واحدة من المعارك الفاصلة في حرب اليمن الإقليمية، وستكون لها تداعيات كبيرة على مستوى حسم المعركة، وانتهاء مفاعيل العدوان على اليمن.

فمأرب هي آخر معاقل هادي و»حزب الإصلاح»، وأيضا السعودية، وتكتسب المعركة أهمية كبرى نظرا لتعدد أبعادها خصوصا منها البعدين العسكري والاقتصادي.

إن التطور العسكري، والميداني للحرب جاء نتيجة طبيعية لتراكم خبرات وتجارب نضالية، وبعد مضي ست سنوات من القتال والمواجهات الضارية أدت إلى تطور على مستوى البنى، والهيكلية التنظيمية والعسكرية، وعلى الأخص منها المزاوجة بين أساليب حرب العصابات التي يتقنها «أنصار الله» والقبائل، وبين أسلوب الجيش اليمني التقليدي، وهذا أسهم بتحسين أداء القوات العسكرية المشتركة؛ مما أضاف إلى التكتيكات العسكرية مرونة ساعدت على التكيف مع طبيعة المواجهات.

اعتمدت القوات المسلحة اليمنية على خطوط الدفاع المستقرة حول المدن، والإسناد الصاروخي للقوات المتحركة، والمتنقلة، وتأمين الدعم اللوجستي، وملء الفراغات في الجغرافيا الواسعة، بينما تكفلت القبائل بتأمين الممرات، والمناطق الوعرة ذات التضاريس القاسية، كما اعتمد «أنصار الله» على الضربات الخاطفة، والاقتحامات السريعة؛ فتمكنوا من تطوير آليات العمل العسكري الذي يرتكز على المبادرة الفردية التي تعطى فيها الأفضلية للقادة الميدانيين في اتخاذ القرارات؛ ولهذا استحدثوا غرف عمليات متنقلة بحسب حاجة مسرح العمليات.

أما الأهمية الكبرى فتكمن في القيادة، والسيطرة من خلال قدرة التنسيق مع كل الوسائط النارية وخاصة الصواريخ، والمسيرات، وفي هذا السياق تم تأمين استطلاع ناجح من خلال السكان المحليين لتلك المناطق، وبرزت مجموعات الاقتحام بشكل لافت من خلال الحركة والنار، واعتمدت القوات المشتركة في معارك «الجوف» و»كتاف» على شل قواعد الإسناد، وضرب مراكز القيادة، ومن ثم إضعاف خطوط الدفاع عبر هجمات مرهقة، ومتتالية، واعتماد المناورة السريعة.

كما اكتسب المقاتلون وقياداتهم نمو روح المبادرة من خلال تطوير الهجوم سريعا من الحركة، وأهم نجاحات «أنصار الله» كان في القتال الليلي، وهذا ما تفتقده كل جيوش العالم.

كما أن تطور العملية السياسية، واستيعاب بقية القبائل، والوحدات العسكرية، والعمل على تطوير المصالحات، وإنشاء اللجان المناطقية مع إعطاء دور للقبائل الصغيرة التي عانت تسلط قبيلتي «حاشد» و «بكيل»، وإبراز دور الضباط المهمشين في حقبة صالح وآل الأحمر، كل هذه المعطيات وفرت بيئات صلبة لاستكمال معركة التحرير في مواجهة قوات باتت اليوم بعرف اليمنيين قوات غازية ومحتلة.

إن معركة مأرب هي بمثابة الانتصار الاستراتيجي كونها أهم معاقل هادي، وآخر محافظات الشمال، وباستعادة المدينة تبدأ القوات المشتركة معركة تحرير الجنوب، وبذلك تسقط مشاريع التقسيم.

صحيح أن معركة مأرب صعبة، وتحتاج إلى وقت طويل نظرا للتحشيد الكبير من بقايا هادي، وحزب الإصلاح، وتنظيمي القاعدة وداعش، بالإضافة إلى الإسناد الجوي السعودي والإماراتي، لكن كل المؤشرات تدل على أن اليمن دخل اليوم مرحلة متقدمة من حسم الصراع، وهزيمة أكبر تحالف عدواني، فالقوات المشتركة نجحت بالسيطرة على عشر مديريات، وباتت القوات تسيطر ناريا على المدينة من اتجاهات عدة، وخاصة التلال المشرفة والاستراتيجية، كما وجهت القوات اليمنية ضربات قاسية متكررة للتحالف عبر استهدافها السعودية.

إن معركة مأرب تمهد لحوار يمني- يمني بعيدا عن التدخلات الخارجية، وهذا بدا واضحا من خلال اللقاءات والاجتماعات المتتالية بين المكونات القبلية والسياسية كافة من أجل بلورة موقف واضح من العدوان الذي أصبح غزوا على اليمن، ونهباً لثرواته، وتدميراً لتراثه، ووحدة اليمنيين ستسرّع من حسم المعركة، واستعادة سيادة اليمن، و قراره الوطني، واستعادة دوره العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى