أحدث الأخبارالثقافةالصحة

النظام العالمي والسقوط المدوي في إمتحان كورونا

مجلة تحليلات العصر الدولية

شفقنا-خاص- المعروف ان الشعوب والامم تتكاثف وتتلاحم خلال الكوارث الطبيعية، ويتم تناسي الخصومات والخلافات والنزاعات السياسية بينها مؤقتاً، لمواجهة الخطر المشترك الداهم، فيما تعمل الحكومات على تجنيد كل  امكانياتها، بل وتتشارك في هذه الامكانيات، من اجل انقاذ حياة الناس والتقليل معاناتهم.
هذه الحالة عادة ما نشهدها خلال وقوع الزلازل والاعاصير والفيضانات والاوبئة، فهي كوارث لا تقف امامها الحدود ولا الجغرافيا ولا القومية ولا التوجهات السياسية للحكومات والدول، وقد شاهدنا على مدى التاريخ المعاصر مواقف في غاية الانسانية اتخذتها دول ازاء شعوب دول اخرى كانت ومازالت تختلف معها على قضايا حدودية وسياسية واقتصادية.
اليوم تواجه شعوب العالم وباء كورونا، الذي يعتبر اخطر وباء يواجه البشرية على مدى تاريخها، وكان من المتوقع ان تقف حكومات العالم الى جانب بعضها البعض لمواجهة هذا الخطر الذي يهدد الحياة الانسانية على كوكب الارض، الا ان الذي حدث هو عكس ذلك تماما، فقد استغلت بعض الدول الوباء لتمارس المزيد من الضغوط  على الدول الاخرى التي تختلف معها سياسيا، من اجل دفعها لتقديم تنازلات ، دون الاعتناء للمخاطر التي تترتب عن هذه السياسية ، عل حياة الملايين من البشر.
الادارة الامريكية الحالية برئاسة دونالد ترامب تعتبر من اكثر الانظمة استغلالا لوباء كورونا، فهي لم تمد يد المساعدة للشعوب التي ينتشر فيها الوباء بشكل اوسع واسرع فحسب بل عملت على منع وصول المساعدات الانسانية الى الشعوب الاخرى، عبر الضغط على الدول التي اعلنت استعدادها لتقديم مساعدات، وهذه الحالة الاجرامية وغير الاخلاقية والبعيدة كل البعد عن القيم الانسانية، مارستها ادارة الرئيس الامريكي مع الشعب الايراني.
ترامب لم يساعد الشعب الايراني فحسب  بل منع الاخرين عن مساعدته ، ولم يعمل على التخفيف من الحصار التجويعي الخانق على الشعب الايراني في ظل انتشار كورونا في ايران فحسب، بل زاد من شدة الحصار في ظل كورونا، حيث منع ايران من تصدير نفطها لشراء اجهزة ومعدات طبية لمواجهة الوباء.
ترامب تجاهل كل النداءات التي اطلقها الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش والتي دعا فيها الى وقف الحروب والنزاعات والى التخفيف من الحصارات المفروضة على الشعوب لاسباب سياسية من اجل تجنيد جميع الامكانيات الموجودة لدى دول العالم لمكافحة الوباء قبل فوات الاوان، بل وزاد على ذلك عندما ضغط على صندوق النقد الدولي لمنعه من منح ايران قرضا لشرء معدات واجهزة طبية لمعالجة الاعداد المتزايدة من المصابين بالوباء.
النظام العالمي الحالي فشل فشلا ذريعا في امتحان كورونا، فقد اظهر الوباء وبشكل فاضح الثغرات الكبرى في هذا النظام، بعد ان عجز في فرض السلام على العالم لو مؤقتا من اجل مواجهة وباء عالمي عابر للحدود والقوميات، ولم يتمكن من الضغط على امريكا لتلتزم بالقيم الانسانية في حدودها الدنيا، وعجز عن منع امريكا من ممارسة المزيد من الضغوط على الشعوب الاخرى مستغلة فتشي الوباء لتحقيق اهداف سياسية.
من الواضح ان النظام العالمي الحالي لن يكون كما هو بعد كورونا، وسيرحل غير مأسوف عليه ليس بسبب فشله الاخلاقي فحسب ،بل لتأثيرات كورونا على الاقتصاد والسياسة والادارة والعلاقات الدولية، فأمريكا لن تكون كما هي الان بعد كورونا، فستتراجع لتخلي مكانها للصين المنطلقة الى الامام وبقوة، بينما اوروبا فستظل في مكانها ترواح هذا اذا لم تتراجع، بسبب عجزها من التحرر من السياسة الامريكية.

انتهى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى