أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعوديةسوريامحور المقاومة

الهجوم السعودي على سوريا… هجومٌ على مؤتمر القمة العربي المراد عقده في الجزائر

مجلة تحليلات العصر الدولية - عبد السلام بنعيسي / مرصد طه الإخباري

الهجوم السعودي الشرس على سوريّة وعلى الرئيس بشار الأسد الذي وردَ في كلام مندوب المهلكة الصهيوسعودية في الأمم المتحدة، لا يخصُّ الدولة السورية بمفردها، فليست هي المقصودة به لوحدها دون غيرها. يُمكنُ القول إن هذا الهجوم يعكس الوضع السياسي العربي العام، ويكشفه في حالته المرضية المتفاقمة التي تزداد، كل يومٍ، سوءا على سوء، كما أنه هجومٌ يتضمن رسالةً مشفرة للدولة الجزائرية التي تستعد لعقد مؤتمر قمة عربي في عاصمتها في شهر مارس المقبل، رسالةُ يقول مضمونها، إننا غير مستعدين لحضور أشغال هذا المؤتمر بالصيغة التي يندرج فيها.

عقب اندلاع الأزمة السياسية الحالية بين المغرب والجزائر، وقبْل عقد مؤتمر القمة العربي، قام وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان بزيارة مفاجئة وخاطفة للعاصمة الجزائر، والواضح أن الهدف من تلك الزيارة كان القيامُ بوساطة بين المغرب والجزائر، والسعيُ لحلِّ الخلافات المستجدة بين البلدين، لكن محاولة الوزير السعودي باءت بالفشل، فلقد تم صدُّها من طرف الجزائر، ورجع فيصل بن فرحان إلى الديار السعودية خاوي الوفاض، ومكسور الجناح.

وبطبيعة الحال لا يمكن للرياض استساغة هذا الصد الجزائري لمبادرتها التصالحية، ورفض عرضها التوسط بين الدولتين الجارتين، ولاشك في أنها أسرَّت ذلك في نفسها، وكتمت غيضها، ولم تبديه للسلطات الجزائرية وقتها، لكن من المؤكد هو أن السعودية كانت تنتظر الفرصة الملائمة للتعبير عن هذا الغيض، والإفصاح عنه للجزائر، ولن تكون هناك مناسبة أفضل من لحظة الإعداد لعقد مؤتمر القمة العربي. بهذا الهجوم الكاسح على سورية، أشهرت الرياض الورقة الحمراء في وجه الجزائر، وشرعت عمليا، في وضع العراقيل في طريق عقد المؤتمر بعاصمتها، وذلك برفض الحضور السوري لأشغاله، فالمعنى الوحيد للهجوم السعودي على الدولة السورية وعلى رئيسها، هو الاعتراض على الحضور السوري مؤتمر القمة العربي المزمع عقده في الجزائر….

ولأن الجزائر التي تستعد لاحتضان هذا المؤتمر، وترؤس أشغاله، جعلت الشرط الأساسي لعقده ونجاحه يكمن في حضور الدولة السورية، وإعادتها لشغل مقعدها في الجامعة العربية، وفي ظل الموقف السعودي الذي من المؤكد أنه يعكس موقفا خليجيا جماعيا، فإن عقد مؤتمر القمة العربي بالجزائر، بات موضع تساؤل؟ هل سيعقد أم سيؤجل؟ أم ماذا؟ وإذا انعقد هل سيكون فرصة للمِّ الشمل العربي كما تصرح بذلك الجزائر، ويخرج بقرارات مجدية؟

لا يمكن لدول الخليج القبول بحضور أشغال مؤتمر قمة عربي في الجزائر، قد يتغيب عنه المغرب، والعلاقات المغربية الجزائرية مقطوعة، والتوتر بين البلدين وصل إلى أقصى مدى له، والتهديدات المتبادلة هي اللغة السائدة بين البلدين، كما أن الحدود والأجواء مغلقة بين الطرفين، وهناك رفض تام من جانب الجزائر لإجراء أي وساطة لتلطيف الأجواء وإعادة المياه إلى مجاريها بين الدولتين، حضور دول الخليج إلى مؤتمر قمة عربي في العاصمة الجزائر، في ظل هذه الظروف، سيتمُّ تفسيره بأنه تخلٍّ خليجي عن المغرب، وانحيازٌ صوب الجزائر، ودعم لها في مواقفها ضد الوحدة الترابية المغربية.

الحضور الخليجي في مؤتمر قمة عربي بالجزائر، وفي غياب المغرب

المغرب سيكون متعارضا مع الموقف الذي أعلنت عنه الدول الخليجية في مؤتمر قمتها المنعقد بالرياض والذي ساندت فيه المغرب، وعبّرت عن دعمها لمغربية صحرائه، وقررت الوقوف إلى جانبه حفاظا على أقاليمه الصحراوية. حضور الخليجيين إلى القمة العربية التي تنعقد في الجزائر، لا يمكن أن يتم إلا تحت هذا العنوان، وعلى أساس هذه القاعدة المعبَّر عنها في مؤتمر قمتهم الأخير. وإذا قرر المغرب عدم المشاركة في مؤتمر الجزائر، فالراجح أن الدول الخليجية قد تعلن عن تضامنها مع المغرب، طبقا لما صدر عن مؤتمر قمتها هذا، وقد تتغيب هي بدورها عن حضور أشغال مؤتمر القمة العربي في الجزائر، وقد يكون الهجوم السعودي على الدولة السورية، يندرج في هذا السياق. إنه بمثابة تمهيد وإعداد الأرضية للإعلان، عن عدم الحضور لمؤتمر قمة الجزائر.

▪️لا يمكن للصهيوسعودية القبول بعقد مؤتمر قمة عربي تُتَوَّجُ أشغاله بعزل المغرب، وبعودة سورية إلى الجامعة العربية، في حين لا تزال الدولة السعودية غارقةً في الرمال المتحركة لحرب اليمن التي توشك أن تدخل سنتها الثامنة، دون ظهور أي بواد للحل في الأفق. تريد السعودية من سورية، ولبنان، والجزائر، والعراق وباقي الدول العربية الأخرى مساعدتها على الخروج من المستنقع اليمني. فما دامت القوات السعودية غارقة في هذا المستنقع، فإن الرياض ستحرص على بقاء الأوضاع العربية على حالها المتردي، خصوصا في الدول التي تتهمها الصهيوسعودية بدعم حركة أنصار الله، وعلى رأسهم سورية.

لبنان الدولة العربية الصغيرة التي يتزلف معظم قادتها السياسيين والروحيين للأمراء السعوديين ويلهثون وراء رضاهم، تفرض السعودية حصارا على هذه الدولة، وترفض استقبال رئيس حكومتها نجيب ميقاتي، وتهدد بطرد العمال اللبنانيين من الخليج، السعودية التي تتصرف على هذا النحو مع لبنان، بسبب حزب الله، المتهم من جانبها بمناصرة الحوثيين، كيف ستقبل بعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، سورية التي تُموّلُ وتُجهّزُ وتُدربُ عناصر حزب الله، وتشكل قاعدتهم الخلفية وعمقهم الاستراتيجي؟

عقدُ مؤتمر للقمة العربية في الجزائر، وتُسفرُ نتائجه عن عزل المغرب، وعودة سورية للحضن العربي، مع استمرار السعودية تتلظى بنيران الحرب في اليمن، سيعني الإقرار بانتصار محور عربي على محورٍ آخر، إنه الاعتراف بالهزيمة المدوية لدول الاعتدال، والاستعداد لتحمُّل تبعات هذه الهزيمة، وهذا ما لا يمكن للدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية التسليم به، كما أن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لن يقبلا به، وسيعملان على إجهاض مبادرة عقد أي مؤتمر قمة عربي، يخرج بهذا الاستنتاج عند الرأي العام العربي أو الغربي، ويُكرّسُ هذه الخلاصة.

مشاكل العالم العربي وأزماته باتت متشابكة ومتداخلة ومعقدة تعقيدا عويصا، وحلُّها لا يمكن أن يتمَّ بالتقسيط،طه وبالترقيع، وبانحصار كل دولة في حدودها، وتوهُّمِها أنها قادرةٌ على الاعتماد على نفسها وطاقاتها الذاتية لكي تحقق تميزها وتفردها، هذه السياسة الشوفينية أوصلت معظم الدول العربية إلى أوضاع مأساوية وأردتها في هذه الفتنة المدمرة التي تضرب العديد من أقطارها، ولا محيد عن مراجعة هذه السياسة وهجرها.  فإما أن يكون حلُّ مشاكل العالم العربي وأزماته حلاًّ شاملا، ويعمُّ جميع بؤر التوتر في عموم الخريطة العربية، من خلال الحوار، والتفاهم، والتنازل المتبادل، وإعلاء قيم التضامن، واعتماد المصلحة العربية المشتركة، ووقف

ووقف الارتماء في الحضن الصهيوأمريكي، والعودة للقضية الفلسطينية كقضية مركزية تجمع العرب وتوحدهم،طه وإما أننا سنبقى ندور في نفس الحلقة المفرغة، وستظل المشاكل والأزمات تتفاقم، وسيصبح مع تفاقمها، من الصعب عقد، حتى مؤتمرات القمة العربية، التي كنا إلى عهدٍ قريبٍ، نسخر من قراراتها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى