أحدث الأخبارشؤون آسيوية

اليوم إسرائيل عضو في الاتحاد الافريقي وغدا عضو كامل في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.. لم لا في زمن تناسل التطبيع وتسارعه وغياب الزعامات التاريخية والتطاول عليها؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - عبد الباري عطوان

لم يجانب يائير لابيد وزير الخارجية الإسرائيلي الحقيقة عندما وصف قرار الاتحاد الافريقي منح تل ابيب رسميا صفة “عضو مراقب” بأنه “يوم تاريخي يستحق الاحتفال جاء نتيجة عقدين من العمل المكثف للدبلوماسيين الإسرائيليين”، فهذا القرار يمثل اختراقا خطيرا لقارة كانت تقف دائما، وبقوة، الى جانب القضايا العربية والفلسطينية خاصة، عندما كان هناك قادة عرب افارقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أمثال جمال عبد الناصر، وهواري بو مدين، ومعمر القذافي، الذين “شيطنهم” البعض منا، بقصد او بدونه، انخداعا بالشعارات الامريكية، وما تخفيه من مؤامرات لتمزيق امتنا واضعافها، وتفتيت بلدانها المركزية، وبما يخدم مصالح إسرائيل واستمرار هيمنتها في نهاية المطاف والأكثر ايلاما اننا لا نرى رد فعل رسمي عربي غاضب او متأسف سوى الجزائر.
لماذا نلوم الحكومات الافريقية التي صوتت لصالح هذا القرار، وفتحت أبواب عواصمها امام الدبلوماسيين الإسرائيليين وسفاراتهم، فاللوم كل اللوم يجب ان يقع علينا كعرب ومسلمين، ونحن الفلسطينيون على رأسهم، الذين وقّع من ادعوا تمثيلنا اتفاقات السلام المهينة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وأصبحت قوات امن السلطة الممولة والمسلحة أمريكيا واسرائيليا تقترف اكبر خطيئة في التاريخ اسمها التنسيق الأمني مع الاحتلال، والتجسس على مواطنيها لمصلحته، وتوفر الحماية الأمنية لمستوطنيه وتمنع كل اشكال المقاومة.
*
كان الرئيس الراحل عبد الناصر الذي نحتفل بثورته هذه الأيام، يدرك الأهمية الاستراتيجية للقارة الافريقية بالنسبة لمصر والعرب، ويوظف إمكانيات مصر السياسية والاقتصادية والعلمية في خدمة نمو القارة وازدهارها، وتحررها من كل اشكال الاستعمار، وتحصينها من أي اختراق إسرائيلي، والشي نفسه فعله كل من الراحل هواري بومدين، والعقيد معمر القذافي والى جانبهما الراحل ياسر عرفات، قبل ان يقع في مصيدة أوسلو الخيانية، عندما حشدوا هذه القارة خلف القضية الفلسطينية، وجعلوها قضيتهم الرئيسية واحكموا اغلاق أبوابها في وجه الاستعمار واذنابه.
اثيوبيا باتت تشكل رأس الحربة في مشروع الاختراق الإسرائيلي للقارة الافريقية، وطعنت الامة العربية في الظهر بخنجر مسموم، عندما اقامت سد النهضة تحت سمع العرب والمسلمين وبصرهم، مستعينة بالخبرات الإسرائيلية، والأموال العربية، وأصبحت البوابة الاوسع لتسلل هذه الدولة العنصرية الى معظم العواصم الافريقية، وتوظيف قدراتها العسكرية لخدمة اهداف سدّها العدوانية، ولا يمكن ان ننسى كيف اعتلى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، منبر الاتحاد الافريقي في اديس ابابا خطيبا قبل اشهر.
من مساخر القدر ان هذه الدولة العنصرية التي تحتل أراض عربية اسلامية ومقدساتها، وترتكب جرائم حرب ضد الإنسانية بشهادة المجلس الدولي لحماية حقوق الانسان، والمحكمة الجنائية الدولية، تدعي انها ستقدم مساعدات ضخمة للاتحاد الافريقي في مجالي مكافحة الإرهاب وجائحة كورونا مثلما قال وزير خارجيتها امس، وهذا قمة الكذب والخداع والتضليل، فهي لا تستطيع حماية نفسها أولا، وهزيمتها الأخيرة في قطاع غزة خير شاهد، ولم تخترع أي لقاح لمواجهة فيروس الكورونا، واعتمدت اعتمادا كاملا على تسول هذه اللقاحات من شركات غربية، وتتعرض حاليا لموجة إصابات ضخمة تعتبر واحدة من الأعلى في العالم، فضحت اكاذيبها التي روجتها وادعت فيها انها جنة الأمان.
هناك ما يقرب من 50 سفارة عربية في العواصم الافريقية، تزدهم بـ”الدبلوماسيين”، وتكلف شعوبها عشرات الملايين من الدولارات سنويا كميزانيات، اليس من حق هذه الشعوب ان تسأل حكوماتها عن إنجازات هذه السفارات في خدمة قضايا الامة، والتصدي لهذا الاختراق الإسرائيلي، ولا نستثني بالطبع ما يسمى بالسفارات الفلسطينية التي تزدحم بالدبلوماسيين.
الكل مذنب، ومجرم في حق امته وقضاياها ومقدساتها سواء المطبعين القدامى، او الجدد الطازجين (سلام ابراهام)، والأكثر اجراما هي السلطة الفلسطينية التي لم يزر رئيسها أي عاصمة افريقية منذ سنوات، ولم يشارك حتى في تشييع اب القارة ورمزها النضالي نيلسون مانديلا الذي جعل سفارة فلسطين في جوهانسبرغ سفارة جنوب افريقية، وامر ببنائها وتغطية جميع نفقاتها، خشية إغضاب نتنياهو.
مصر الكبيرة الرائدة تتحمل المسؤولية الأكبر عن هذا الاختراق، بسبب اهمالها للقارة الافريقية في السنوات الأربعين الماضية على الأقل، وتحديدا بعد توقيعها اتفاقات كامب ديفيد، وها هي تدفع ثمنا باهظا لهذا الخطأ، حيث تخلت عنها معظم الدول الافريقية في ازمة سد النهضة وبتحريض إسرائيلي امريكي، وباتت منظومات الدفع الإسرائيلية هي التي توفر الحماية للسدّ، بينما تقوم حكومة تل ابيب بتجييش الدول الافريقية خلف العدوان الاثيوبي على الحقوق المائية المشروعة لدولتي الممر والمصب، أي مصر والسودان.
*
اليوم تتسلل إسرائيل الى الاتحاد الافريقي عبر بوابة التواطؤ والإهمال العربي، وغدا الى الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، هذا اذا لم تكن سيطرت عليهما فعلا، بتشجيع ومباركة الدول المطبعة التي تتكاثر بسرعة هذه الأيام، ولن نستغرب ان يصبح بنيامين نتنياهو خليفة احمد أبو الغيط كأمين عام لها، فلا توجد فروق كبيرة بين الرجلين على أي حال.
عزاؤنا ان مرحلة الهوان والذل العربية الحالية تقترب من نهايتها، ولعل انتصار “سيف القدس” الذي حققته صواريخ المقاومة هو الدليل الأكبر في هذا المضمار.. ونقول لإسرائيل “خلا لك الجو فبيضي واصفري”، ولكن دوام الحال من المحال.. والأيام بيننا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى