أحدث الأخبارشؤون امريكية

امريكا سقطت… وثلاثي الشرق يراكم الحصاد

مجلة تحليلات العصر - محمد صادق الحسيني

يقول فرانكلين روزفلت :
“لا شئ يحصل في السياسة بالصدفة ، تأكدوا بان كل ما يقع كان مخططاً له ان يقع.”
ونحن اذ لا نؤمن بمقولة الصدفة اصلاً لكننا اردنا ان نستند الى احد كبارهم فيما نحن ذاهبون لشرحه .
ما حصل ولا يزال في الانتخابات الامريكية وفي مسار تبلور التركيبة الجديدة للحكم عند حكم الاوليغارشية البيضاء في واشنطن، مثال حي على ان كل ما يحصل في السياسة انما هو مخطط له بعناية في الاروقة الخلفية.
فالقوى الخفية الامريكية العميقة التي أتت بدونالد ترامب ليحقق لها اهدافها وبعد مضي اربع سنوات من التخبط والانكسارات ، أيقنت ان من وضعته في الواجهة فشل فشلاً ذريعاً في ذلك ، وصار واجباً عليها تغيير حصانها الاشقر بحصان ملون لعله يصلح ما افسده سلفه الخاسر..!
لم تعد خسارة الرئيس الاميركي ، دونالد ترامب ، من عدمها هو الموضوع ، تماماً كما لم يعد فوز جو بايدن هو المهم ، وانما الاهم هو المنحى غير المسبوق الذي اتخذته هذه الانتخابات ، منذ بدء الحملة الانتخابية حتى هذه اللحظه .
فقد بانت أمريكا على حقيقتها كما لم تبان من قبل …إنحطاط سياسي واخلاقي عميق وفوضى عارمة وقلق يساور كل المواطنين الامريكيين من محافظين وليبراليين…
لقد إشتد رهابهم من الآتي لبلادهم حتى صار البعض منهم يخاف على اصل بقاء امريكا موحدة..!
فما الذي أوصل الولايات المتحدة الى هذا المستوى من عدم اليقين والانقسامات والخلافات ، التي تنتشر بين فئات وطبقات الشعب الاميركي ونخبه السياسية ،
وحتى العسكرية ، والتي تجلت في إعداد وزير الحرب الاميركي الحالي ، الجنرال مارك إسبر ،
لرسالة استقالته .؟

ان أسباب هذا المآل القاتم للهيبة الاميركية ، لا بل للدولة نفسها ككيان سياسي كما عرفناه ، ليست مرتبطة فقط بشخصية الرئيس الاميركي ترامب ، بقدر ما هي مرتبطة بفشل القوى الاميركية العميقة ،
التي اوصلته الى البيت الابيض ، قبل اربع سنوات . تلك القوى التي اعتقدت ، خطأً ، انه رجل اعمال واعلام ناجح ،
وانه قد يكون قادراً على تحقيق اهداف هذه القوى الخفية ، اي القوى الرأسمالية الكبرى في العالم ، والمتمثله
(الاهداف) في محاولة استعادة السيطرة الاميركية الاحادية القطبية على العالم ، ووقف صعود قوى دولية اخرى لتبوأَ قيادة العالم
لكن الرئيس ترامب ، الذي ورث ادارة مهزومة في العراق وافغانستان ، ثم تأكدت هزائم هذه الادارة في العراق ، بهزيمة داعش في الموصل سنة ٢٠١٧ ، وباستعادة الدولة السورية السيطرة على معظم اراضيها ، نقول ان هذا الرئيس قد اثبت انه غير قادر على اصلاح ما افسدته الادارات السابقة ، حتى لو كان فعلاً ينوي القيام بذلك .
وهكذا فشل ترامب في تحقيق اي انتصار اميركي ، ذو طبيعة استراتيجيه ، وليس فقط ذو طبيعة اعلامية ديماغوجية لا تغير في موازين القوى الميدانيه في شئ .
واليكم اهم مناحي فشله:
1. فهو فشل فشلاً ذريعاً في اخضاع ايران كقوة صاعدة ، رغم كل العقوبات القصوى والتهديدات المتواصلة ، بالعدوان العسكري عليها .بل انه صار سبباً في جعلها تضاعف
جهودها، عدة مرات ،لبناء
قواها الذاتيه،اقتصادياً
وعسكرياً،والاعتمادعلى
نفسها اكثر فاكثر، مما حولها في وقت
ليس بالطويل الى قوة
اقليمية عظمى لا يمكن معالجة
اي موضوع او ازمة اقليمية
بمعزل عنها.
2. كما انه فشل في منع القوات المسلحة العراقيه من تدمير القوام الاساسي لعصابات داعش ، في الموصل وغيرها من المحافظات العراقيه نهاية عام ٢٠١٧ ، في الوقت الذي كان هو وجيشه يقدم لتلك العصابات الدعم المتعدد الاشكال في العراق كما في سورية . وهو ما يعني فشل السياسة الاميركية في تثبيت سيطرة داعش على سورية والعراق وتدمير الدولتين وتقسيمهما واخراجهما من جميع معادلات الصراع في المنطقة .

3. يضاف الى ذلك انه ، ورغم قيامه بقصف مواقع ومنشآت سورية اكثر من مرة ، وتضافر جهوده مع جهود قاعدته العسكريه على اليابسة الفلسطينية( الكيان الصهيوني) ،
وكذلك جهود مخلب الناتو
في المنطقه ، الرئيس
التركي اردوغان ، قد فشل في وقف تقدم الجيش العربي السوري وتحرير المزيد من الاراضي السورية . وهو ما يعني فشل مخطط اسقاط الدولة السورية وتفتيتها وانهاء استقلالها ووحدة اراضيها تمهيداً لنهب ثرواتها الطبيعيه .

4. ولا بد طبعاً من اضافة الفشل الاميركي المدوي في اسقاط اليمن والسيطرة عليها وعلى المداخل البحريه الاستراتيجيه ، رغم عشرات آلاف الغارات الجويه السعودية الاسرائيلية الاماراتية ومشاركة الولايات المتحده وبريطانيا وفرنسا في دعم قوى العدوان استخباراتياً ، حيث ان اليمن الوطني الصامد يقترب من النصر اكثر من اي وقت مضى ، في ما يلملم بن سلمان وبن زايد واسيادهما اذيال الهزيمة المنكره .

5. ويبقى الفشل الاعظم ، في مسيرة وكيل القوى الاميركية الخفية دونالد ترامب ، هو فشله في اخضاع الشعب الفلسطيني واجباره على قبول ما اسماه بصفقة القرن ، وفشله حتى في جلب قيادة السلطه الفلسطينيه الى حظيرة البيت الابيض لاعلان استسلام الشعب الفلسطيني لمشاريع تصفية قضيته وانهاء مطالبته بتحرير وطنه المحتل ، فلسطين كاملةً . هذا الاستسلام الذي كان سيمنح الامبريالية الاميركية واذنابها المحليين ، من صهاينة وعثمانيين جدد واعراب في الخليج ، سيطرة كاملة على مقدرات العالم العربي باسره وفتح الطريق الى عملية استثمارات مالية هائلة ، كتلك التي نفذتها الولايات المتحده في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانيه والتي استمر تأثيرها ( سيطرة رأس المال الاميركي على الاقتصاد والسياسه ) بشكل مطلق تقريباً حتى وقتنا الحاضر .
6. كما يجب التأكيد على فشل ترامب المدوي ، في مواجهة وباء كورونا ، رغم اتهاماته الباطلة والمتكررة للصين الشعبيه بنشر هذا الوباء ، اذ انه والى جانب فشله في ادارة الازمه الوبائية في بلاده فقد فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة صعود الصين الاقتصادي والسياسي والعسكري ، كما فشل في خلق شرخ في التحالف او التعاون الروسي الصيني ، على صعيد العمل المشترك لانهاء الهيمنة الاميركيه الاحادية على مقدرات العالم .
وهذا يعني ان القوى الخفية الاميركية ، التي اختارت ترامب لانقاذ الولايات المتحدة من حتمية فقدان هيمنتها على العالم ، قد اغفلت ، بسبب عنجهيتها وعنصريتها وجهلها بفلسفة السياسه وبقوانين التطور الاقتصادي الموضوعية ، اغفلت ان الازمة الاميركية اكثر عمقاً بكثير من ان ينقذها مُقدِّم برامج تهريج تلفزيونيه ورجل اعمال فاشل ومفلس ، مثل ترامب …!
اذ ان جذور الازمة الطاحنة ، داخلياً ودولياً ،التي تواجه الولايات المتحدة ، ليست ازمة ايديولوجيات او برامج سياسية او حتى استراتيجيات اميركيه متمايزة ، بين هذا الحزب او ذاك ، وانما هي ازمة بنيوية ، تشمل كل النظام الرأسمالي الدولي ، ولا يمكن اصلاحها الا من خلال اجراءات جذرية ، ليس لدى واشنطن مجالاً لتطبيقها لاسباب متعددة لا مجال لشرحها هنا.

لقد اضاعت الولايات المتحده ثلاثين عاماً في شن الحروب العدوانية ، في افغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن والصومال وغيرها ، بينما ركزت روسيا والصين وايران كل جهودها وقدراتها المالية ،على البحث العلمي وتعميق المعرفه ، وخلق قاعدة للتفوق العلمي والتكنولوجي الهائل ، الذي مكنها من تحقيق تفوق على واشنطن في العديد من المجالات العسكريه وكذلك في تطوير البنى التحتيه المحليه لهذه الدول ، بما يضمن استمرار تنفيذ مشاريع التنمية الطويلة الامد ، سواءً في داخل تلك الدول او في دول وقارات اخرى بنت معها اواصر تعاون متين ، على كل الصعد .

ولا يحتاج الامر إلا الى القاء نظرة على التحرك الايراني الاخير ، المنسق مع بكين وموسكو ، في اميركا اللاتينية، والذي تجلى في زيارة وزير الخارجيه الايراني الاخيرة الى كل من كاراكاس وهاڤانا ولاباز ، وما تم بحثه بين الوزير الايراني وبين مسؤولي تلك البلدان من مشاريع تعاون مشتركة طويلة الامد ، بما في ذلك التعاون العسكري التقني ، اي تصدير السلاح الايراني وصناعته في تلك الدول بعد الفشل الذريع الذي منيت به امريكا ليس فقط في محاصرة ايران بل وفي وقف عنفوانها الذي تمدد وهاهو يستقر في فضائها الاستراتيجي بكل هيبة وسؤدد .

وعليه فان اولى خطوات الانقاذ ، التي يجب ان يتخذها الرئيس الاميركي القادم اذا ما اراد ان يحجز لبلده المتهاوي مقعداً يعند به في النظام الدولي الجديد ما بعد ترامب ، انما تتمثل في الابتعاد عن سياسات العدوان وشن الحروب ، واستثمار النسبه الاكبر من موازنة وزارة الحرب الاميركيه ( ٧٥٠ مليار دولار لهذا العام ) في تطوير البنى التحتية الاميركية والبحث العلمي كي يصبح الاقتصاد الاميركي محصناً ضد الانهيار وقادراً على المنافسة وليس على التفوق . وذلك لان عصر التفوق الاميركي قد ولى الى غير رجعة ومن يحلم بعودة سيطرة الاقتصاد العالمي على عرش العالم ، كما كان الوضع منذ نهاية الحرب العالميه الثانيه وحتى اواسط الثمانينات من القرن الماضي ، فانه واهم وحالم بشئ اصبح من الماضي .
التنافس التجاري الحر ، مع الاقتصاديات الدولية المتزايدة النمو ، هو الطريق الوحيد ، لابعاد شبح الانهيار وتفكك الدولة ، ما تبقى من الولايات المتحدة الامريكية ، وليس المكابرة والعنجهية والعنصرية التي تمارسها القوى الاميركية الخفية ، داخلياً وخارجياً .
في الختام نعود ونؤكد اننا هنا انما نستعرض امريكا كما هي في الواقع ، ولا ننسج عنها صورة من مخيلتنا ابداً …
هذا هو تاريخها.
راجعوه بالوثائق والارقام والمستندات والقرائن والبراهين …
هم قالوا عن انفسهم يوم دخلوا مستوطنين قادمين من انجلترا انهم دخلوا ارض كنعان واقاموا دولة اسرائيل يوم بنوا اول ١٣ مستوطنة في شرق ما يسمى الولايات المتحدة الامريكية اليوم …
واخذوا يتوسعون ويزحفون بكل الاتجاهات حتى قضوا على ١١٢ مليون من اللاتينيين اي السكان الاصليين…
واظنهم اليوم فقدوا كل ما تبقى لهم من قوة اندفاع وبدأ عدهم العكسي للاختفاء …
والسبب الاساسي فقدانهم كل اخلاقهم..
وانما الامم الاخلاق ما بقيت
فان همُ ذهبت اخلاقهم ذهبوا
بعدنا طيبين قولوا الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى