الخليج الفارسية

انظمة الشرق الاوسط وسياسة القطيع ..

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: محمد وناس

بين العقل الجمعي وبين عقل القطيع خط بسيط قد لا يتضح للكثيرين .
فحين ما يصبح كل افراد المجتمع تحت تأثير قضية معينة ويصبح البحث عن حل هو الشاغل لإفراد المجتمع وتكون الحلول الفردية متقاربة لكل افراد المجموعة او تكاد تكون متطابقة حينها يكون العقل الجمعي لهذا المجتمع فعال وتظهر هذا الحلول المتقاربة نتاج تربية المجتمع هذا ضمن نفس المعايير والأخلاقيات ووقوعه تحت نفس التأثيرات لذلك تظهر النتائج متقاربة .
وقد يتحول العقل الجمعي تدريجيا الى اسلوب عقل القطيع ضمن ما انتجه خلال فترة سابقه من حلول لإشكاليات معينة . او محاولة الحفاظ على نسيج المجتمع في حال تطور المحيط الخارجي المقارب لهذا المجتمع وبحسب الطبيعة البشرية الرافضه للتغير والمتمسكة بالماضي , والاعتياد او الروتين الذي يعتبر من اهم صفات النفس البشرية , والخوف من التغير . مضاف له حب الهيمنة والتسلط الذي يملئ عقلية المتصدي لقيادة مجتمع معين تجعله يخشى اي تغير او تطور معين قد يفقده مكاسبه الشخصية والذي يدفعه الى ابتداع وسائل مختلفة تجعل عقليه المجتمع محصورة في كيان معين .
من اكثر وسائل ترويض المجتمعات استخداما هو الدين , بين بساطة الافراد وبين طرح مفاهيم غيبية بشكل منمق مرتبط بعقائد ذا قيمة روحية عالية اكبر من مستوى تفكير الفرد البسيط مشفوعا بأساطير وحكايات وأمثلة قد يكون الوصول لها مستحيلا .
وحصر هذه الغيبيات في مجموعة معينه من الناس (من طبقة رجال الدين ) تم اختيارهم من قبل اصحاب السلطة . وجعل التوجه الاجتماعي في قناة واحدة وقصر تفكير العوام في جانب واحد والتركيز عليه اعلاميا وخلق كل ما هو مناسب لسيادة هذا التوجه في المجتمع . فيصبح الشغل الشاغل لكل ابناء ذلك المجتمع (داعش نموذجا) .
وتدريجيا يقاد المجتمع من خلال هذه الافكار التي غرست بقوة في ضمير كل فرد . حتى يصبح الفرد هو المدافع عنها ويقاتل بقوة في سبيلها .
ثم تأتي سياسة التجويع لتكمل الخطة وتكون السند القوي لدعم سياسة التجهيل . فالجوع هو المرافق الابرز للجهل …
طبيعة الكون الفيزيائية وحال التغير بين الليل والنهار والصيف والشتاء تخلق عن الانسان الامل والتطلع نحو التغير . ومع عجز الانسان عن خلق التغير يبحث عن قوة خارجية تتكفل بهذا التغير . وفي ظل خطاب غيبي ممنهج ومع وجود الجهل والفقر تخلق الاساطير فيتنقل الفرد من مستمع لنظرية غيبية الى متبني لها ومدافع عنها حد التضحية في سبيلها , ثم الى مكمل لجزئيات النظرية بما يخترعه عقله من اضافات فيحولها الى اسطورة . ثم بالتدريج يتحول المجتمع كليا الى الايمان بهذه الاسطورة التي تجعل منه مجتمع مدجن مطيع .
ومن المستحيل ان يخلو اي مجتمع من افراد يحملون الفطرة السليمة , فتجد في كل المجتمعات مهما كانت مدجنة او تحيى حياة القطيع تجد هنالك افراد وأفكار خارج الصندوق ثاقبة عابرة لكل حواجز الظلم والقهر الفكري والجوع تخلق افاق وتنير عقول , لكنها في نفس الوقت تعيش حالة غربة وإرهاب فكري وجسدي كبير , وحين نراجع التاريخ نجد اسماء مثل الحلاج والسهروردي وغاليلو وجان دارك ومارتن لوثر كنك و محمد باقر الصدر او السيد الخميني وعشرات الاسماء كيف اضطهدتهم مجتمعاتهم لا لشيء سوى انهم امتلكوا فكر خارج صندوق مجتمع القطيع .
ما يعانيه الشرق الاوسط اليوم من هيمنة الافكار الراديكالية المتطرفة التي يمتلك اصحابها المال اللازم لتجميلها وإظهارها بمظهر الاصالة تارة او مظهر السماوية تارة اخرى وصناعة طبقة من الرجال المناسبين لنشر وتوزيع هذه الافكار وإعطاءها مسحة قدسية وتسخير الاعلام والمحافل التربوية والتعليمية لنشر هذه الافكار في عقول الصغار والشباب , هي السبب الاول في انتشار حالة الكراهية وعدم قبول الاخر وضياع لغة الحوار . والسبب الابرز في بقاء مجتمعات الشرق الاوسط ترزح تحت نير الجهل الذي يفتك بها من كل جانب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى