أحدث الأخبارشؤون اوروبيية

اوكرانيا الازمة السياسية الفاقدة للحل!

مجلة تحليلات العصر الدولية - علي الربيعي

اوكرانيا العقدة السياسية حاليا في صراع جبابرة العالم التي ربما لايمكن حلها الا من خلال حرب محدودة او ضربة وقائية يبدأها احد طرفي النزاع اما امريكا وحلفاءها الاطلسيين من الغرب او روسيا والصين من الشرق. اشتراك الصين في حرب بعيدة عن حدودها هو ليس دعما لروسيا بقدر ماهو استثمار اقتصادي وسياسي تجنيه في السنين القادمة او بداية العقد القادم من القرن الحالي. فهي تطبق المقولة الكنفوشيوسية من لا يسير وراء بطأ الحكمة لا يدرك الهدف. الصين هدفها من دعم روسيا وان كان هذا الدعم صامتا هو ان تدفع بالجدار الأمريكي الذي تستند اليه اوربا الى ما وراء المحيط الاطلسي، لتنفرد بعد ذلك هي بأوروبا العجوز وتستولي عليها اقتصاديا. لقد استطاعت الصين- اولا- بكل هدوء وبمساعدة روسيا، توأمها في القوة، ان تخرج امريكا من افغانستان القريبة من حدودها وترميها في غرب اوربا شمالا ومنطقة الشرق الأوسط من الجنوب مما سهل سياسيا ابتلاع الصين لمنغوليا وروسيا لكازاخستان بجعجعة سياسية لم تستمر اكثر من اسبوع. بعد هذا الأبعاد لامريكا بدى للصين انها تستطيع ان تنفذ طريق الحرير بالاتجاه الذي يسهل المرور به من دون رجوع دول المنطقة الى استحصال الموافقة الامريكية. واذا ابعدت امريكا بمساعدة روسية، من خلال النزاع في اوكرانيا، اكثر اي ماهو ابعد من اوربا فإن النتائج بالتأكيد تكون في صالحها افضل. في اوربا استطاعت الصين وروسيا من سحب القرار السياسي للحلف الاطلسي من امريكا وجعله في المانيا الدولة الاقوى اقتصادا في اوربا. اذا جعلا المحادثات تتم بحضور الطرف الألماني بعد ان فقدت امريكا في نظرهم مصداقية الالتزام في الاتفاقيات الدولية.

روسيا ادركت ان تفكيك جمهوريات الاتحاد السوفياتي وحلف وارشو كانت غلطة ارتكبت بغباء كبير وليس زلة رجل الشاطر على حبل اللعبة السياسية. كان زورق الكلاسنوت والبرسترويكا الاصلاحي الذي ركبه كورباتشوف حينذاك، في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، صغير جدا امام موجة التغيير في الجسم الشيوعي المنهك ما جعله يغرق الى القاع المجهول هو والنظام الشيوعي بسرعة غير متوقعة. فاضطر قبول الشروط الامريكية مقابل تفكيك الجدار الحديدي الشيوعي في اوربا الشرقية. لقد اعطت امريكا وعوودها لروسيا انذاك ان لا قواعد امريكية شرقي اوربا ولا زحف عسكري نحو حدود روسيا بضم دول اوربا الشرقية الى الحلف الاطلسي. حين انهار الاتحاد السوفياتي كانت أقرب قاعدة عسكرية اطلسية عن الحدود الروسية تبعد 1300 كيلومتر. اما اليوم فالقواعد الاطلسية لاتبعد اكثر من 100 كيلومتر عن موسكو العاصمة الروسية. وهذا في المفهوم العسكري ان موسكو ستكون ساقطة عند انطلاق اي قذيقة مدفع من احد الجانبين باتجاه الآخر. اذ حينها تكون اسرع الصواريخ الروسية المضادة لاتستطيع إنقاذ موسكو من الصواريخ الامريكية المدمرة. كذلك فان دول الحلف الاطلسي كانت 12 دولة حين انهي حلف وارشو في ايار عام 1991، الذي ارعب اوربا طيلة ما يزيد على 42 سنة. اما الان فهو قرابة 29 دولة بعد اضمام دول اوربا الشرقية له بإستثناء اوكرانيا وجورجيا. مايعني ان امريكا لم تفي بوعودها لروسيا. اذ بعد سنوات معدودة من توقيع الاتفاق الامريكي- الروسي تنصلت عنه امريكا وقالت انه لم يعد ملزما.

عودة الى النزاع الروسي-الاطلسي (الامريكي ) في اوكرانيا. بالنسبة لروسيا بعثت بعدة رسائل سياسية خلال فترة وجيزة كان اقواها هو تحليق الطيران الروسي العسكري فوق الجولان السورية المحتلة بمرافقة طيارين سوريين لطائرات السوخوي SU34 و SU35. الرسالة التي ارسلها بيوتن الى امريكا اراد بها ان يقول لادارتها ان روسيا اضافة لمسكها بورقة تصدير الغاز الذي هو الطاقة الاساسية لاوربا، وهو الهاجس الذي تخشاه دولها اذا ما اندلعت الحرب على الاراضي الإوكرانية والشتاء مازال في منتصفه، فإن ورقة امن اسرائيل هي الاقوى مقابل احتياج اوكرانيا دون تدخل دول حلف الاطلسي اذا كانت اسرائيل فوق كل الحسابات عند الإدارة الامريكية.

كان صراخ وتصريحات الرئيس الاوكراني، فلاديمير زيلينسك، وهو الممثل الكوميدي بالاصل الذي يجيد الدور، سواء كانت مفتعلة تحت ضغط امريكي ام سياسية بحتة فانها باي شكل قد زادت من تفاقم الازمة بين روسيا وامريكا في اوكرانيا. كان أخر تصريح له وهو يستنجد بالولايات المتحدة الأمريكية؛ ان روسيا سوف تقطع الغاز. وانها (روسيا) حشدت مايقارب 127000 جندي مع معدات الحرب على الحدود الروسية-الاوكرانية. التصريح هو بمثابة استنجاد واستدعاء رسمي للحلف الاطلسي ضد روسيا، التي تملك سلاحا وجيشا تعجز اوكرانيا عن مواجهته بحيث يستطيع ان يجتاجها ويبتلع اراضيها وجيشها خلال ساعات كما فعل في السابق مع جورجيا حين سيطر على إقليمي ابخاسيا الجنوبية والشمالية واعلانهما جمهوريتين تابعتين للاتحاد الفدرالي الروسي. اذ اثبتت روسيا للعالم في حربها مع جورجيا انها تعافت، ولم تعد بعد روسيا عندما انهار الاتحاد السوفياتي. اجتياح الجيش الروسي لكييف العاصمة الاوكرانية معناه أبعاد القوات الاطلسية عن موسكو خارج حدودها الامنية. اليوم بات العالم كله ينظر الى بوتين الذي سبق بايدن ان ابدل ملابسه من جلد الدب الروسي (الميشا) ولبس جلد النمر السايبيري المرقط الفتاك. السؤال هل سيلبس بايدن جلد الاسد الامريكي القوي ( الكوكار) لإعلان الحرب على روسيا التي ربما تدخل الى جانبها الصين ام سوف يفضل لبس جلد الثعلب السياسي لاتلافي الحرب وإيجاد الحل السلمي؟. العالم كله ينتظر الجواب في الأيام القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى