أحدث الأخبارشؤون امريكية

بايدن حرّض، حشد، هدّد ووعد؛ وفي الميدان هرب وتخلّى عن وعوده لأوكرانيا

مجلة تحليلات العصر الدولية - عدنان علامه

يشهد العالم حاليًا توترَا شديدًا بسبب التحريض الأمريكي ضد روسيا، واستطاع بايدن بحنكته ودهائه جر أوروبا والناتو إلى جبهة حرب ضد روسيا، ووضع الرئيس الأوكراني كرأس حربة مقابل روسيا لتحقيق مآربه. فباعوه أوهامًا وأحلامًا وردية بدعمه في الحرب إذا خاضها، وبضم أوكرانيا إلى حلف الناتو في اقرب فرصة.
وفي المقابل كان الرئيس بوتين يراقب بدقة مجريات الأمور؛ وقدّر أن التركيز في الإعلام على إقتحام كييف هي لصرف النظر عن وجود مؤامرة في مكان آخر. فتجمعت لديه المعطيات بأن هناك خطة جهنمية لإقتحام منطقة الدونباس. وبدون سابق إنذار توجه بخطاب للشعب الروسي جمع فيه التاريخ والجغرافيا وأشار بأن وجود الناتو على حدود روسيا مستغلين العلاقات مع أوكرانيا يشكل خطرًا على الامن القومي الروسي، وأعلن في ختام خطابه إستقلال جمهوريتي لوغانسك ودينتسك. وكان هذا الخطاب بمثابة الإعلان الحقيقي للحرب على أمريكا واوروبا والناتو لنزع سلاح اوكرانيا حفاظًا على أمن روسيا.

وتوالت الأحداث العسكرية وانكشفت زيف الأوهام التي باعها كل من بايدن والناتو وأوروبا للرئيس الأوكراني.
لذا وددت أن اربط بين أسباب تهور بايدن بتهديده روسيا، مجريات الأحداث والنتائج حتى اللحظة بشكل مختصر جدًا حتى نتمكن من تحليل فرضيات مسار الأمور على أكثر من صعيد؛ فالحرب ليست كلاسيكية فقط.

قد بدأت علامات تراجع الدعم للرئيس بايدن لأول مرة في يوليو 2021، وسط زيادة في الإصابات بالفايروس في الصيف. وسجلت إستطلاعات للرأي إنخفاضًا في شعبية الرئيس بعد عام من توليه إدارة البيت الأبيض، في مؤشر دق ناقوس الخطر بالنسبة للديمقراطيين خاصة وأن تدني معدلات تأييد الرئيس تأتي في خضم عام انتخابي مهم في الولايات المتحدة.

وحظي بايدن، الذي تولى السلطة في الـ20 من يناير الماضي، بمقبولية واسعة لدى الأميركيين خلال أول أيام توليه منصبه بنسبة بلغت 57 في المئة، وفقا لاستطلاع أجرته مؤسسة غالوب. وخلال الأشهر الثمانية التي تلت ذلك، ظلت نسب قبول الأميركيين لسياسات رئيسهم الحالي متفاوتة، لكنها بدأت بالانخفاض تدريجيا حتى وصلت لنحو 40 في المئة في آخر استطلاع للمؤسسة نشرت نتائجه بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني 2022.

وبناءً عليه، إجتمعت إدارة بايدن بصورة عاجلة لإصلاح الخلل بأقصر وقت ممكن؛وتوصلوا إلى نتيجة مفادها إضفاء صفة “الرئيس القوي” َلبايدن الذي يسعى لتحقيق “عظمة أمريكا” والحفاظ على تفوقها. ووجدوا في روسيأ خشبة الخلاص، ولا سيما بأن بايدن قد حذر بوتين سابقًا خلال محادثة هاتفية بينهما؛ ونقلت وكالة فرانس 24 بتاريخ 09 ديسمبر/كانون الأول 2021 الخبر التالي :-

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن ” إنه قد حذر نظيره الروسي فلاديمير بوتين من عقوبات أمريكية “غير مسبوقة” في حال شنت القوات الروسية المحتشدة على الحدود الأوكرانية هجوما. وغداة حديثهما عبر الفيديو، إعتبر بايدن أن بوتين تلقى “الرسالة”، لكنه أكد أن إرسال قوات أمريكية لمواجهة روسيا “غير مطروح للنقاش”.

وبتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني 2022 بدأ بايدن بتنفيذ توجيهات إدارته بتصعيد الموقف مع روسيا؛ فحذر ومن دون سابق إنذار من غزو روسي محتمل “الشهر المقبل”.

وباتت لازمة “غزو أوكرانيا” تتكرر يوميًا في كافة الوكالات والفضائيات التي تأتمر بالأوامر الامريكية مع سيول من التهديدات الأمريكية والناتو مرفقة بإرسال السلاح من كل حدب وصوب، بعد إعطاء الضوء الأخضر الدول البلطيق ليتوانيا، لاتفيا واستونيا بتزويد اوكرانيا بأسلحة نوعية من صواريخ ستينغر وصواريخ جافلين المضادة للدروع. وقد أرسلت أمريكا بتاريخ 28 فبراير/ شباط 2022 شحنة إضافية من صواريخ ستينغر؛وكشف مسؤول أمريكي ومصدر بالكونغرس لشبكة CNN أن الولايات المتحدة سلمت إلى أوكرانيا، لأول مرة، المئات من صواريخ ستينغر المضادة للطائرات خلال الأيام الماضية، بما في ذلك أكثر من 200 صاروخ.

ونتيجة لهذا الإصطفاف الأوروبي مقابل روسيا وحملات التصعيد الكلامي غير المسبوق ؛ توجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطاب تلفزيونيٍّ إلى الشعب الروسي، بتاريخ 21 فبراير/ شباط 2022 قال فيه إن “انضمام أوكرانيا المحتمل إلى حلف شمال الأطلسي يشكّل خطراً على روسيا”.
وأضاف بوتين “أوكرانيا قادرة على صناعة الأسلحة النووية، وخصوصاً إذا قُدِّمت المساعدات الغربية إليها.
واعترف الرئيس الروس بوتين بسيادة جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك “بصورة فورية”. وأرسل قوات روسية بشكل فوري إلى منطقة دونباس بناءً على طلب الأهالي . واعطى بوتين الأوامر الصارمة بشن عملية عسكريةبدون سقف زمني تهدف إلى تجريد أوكرانيا من السلاح حتى يقضي على التهديد الذي تمثله على روسيا نتيجة الدعم غير المحدود سياسيًا وعسكريًا من أمريكا وأوروبا والناتو.

ومن أهم وأخطر النتائج للعملية العسكرية الروسية:-

1- السيطرة على مختبرات عسكرية أمريكية للحرب البيولوجية.

سیطر الجيش الروسي على 14 من المختبرات البيولوجية الامريكية وسرعان ما اعترفت أمريكا بوجودها. فأفادت نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، بأن الولايات المتحدة “تشعر بالقلق” من احتمال تمكن روسيا من الوصول إلى مواد المختبرات البيولوجية الأمريكية الموجودة في أوكرانيا، خلال العملية العسكرية الخاصة الجارية. حيث قالت نولاند في جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي حول التطورات في أوكرانيا: “هناك مرافق للبحوث البيولوجية في أوكرانيا، في الواقع، نحن الآن قلقون للغاية من أنّ القوات الروسية قد تحاول السيطرة عليها”.

2- بايدن وأوروبا والناتو كانوا يبيعون الأوهام للرئيس الأوكراني وتخلوا عنه عند أول طلقة نار روسية

يمكن تلخيص تخلي بايدن وأوروبا والناتو وعدم الوفاء بوعودهم والحنث بعهودهم، بما قاله الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي بنبرة يملؤها الحزن والأسى بتاريخ 27 فبراير/ شباط 2022 ، إن بلاده “تُركت وحدها” في مواجهة روسيا، متسائلا “مَن هو مستعدّ للقتال معنا؟ لا أرى أحدا”.
وق رفض الناتو إنشاء منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا. ووجه كلامًا لاذعًا للناتو بانه يخاف مواجهة روسيا. ولكن أوروبا فتحت حدودها للمرتزقة والسلاح للوصول إلى اوكرانيا لقتال الجيش الروسي. ومن غير المستبعد ان يعمل بايدن على التخلص من الدواعش الأجانب لدى قسد ليرسلهم إلى أوكرانيا.

3-وصول الأثار السلبية لإرتفاع أسعار النفط والغاز إلى أمريكا وأوروبا

لم يدرس بايدن وإدارته أي إحتمال لإرتفاع أسعار النفط في أمريكا معتقدًا بشكل خاطئ أن امريكا من أكبر الدول المصدرة للنفط.ولم يأخذ أي إجراء هو أو الدول الاوروبية لمواجهة ارتفاع اسعار النفط والغاز نتيجة التصعيد الكلامي فتجاوز سعر الألف متر مكعب من الغاز يوم الإثنين الماضي في أوروبا إلى 4000$ وصل اليوم سعر غالون البنزين (3.785 ليتر) في أمريكا وهو أعلى سعر منذ 13 عاما ووصل إلى 4.17$. ومن المرشح إرتفاع السعر إلى أرقام قياسية جديدة. واللافت أن الرئيس بايدن بدا عاجزَا تماما عن الإجابة عن آلية معالجة الوضع.
فقد صرح الرئيس بايدن، يوم الثلاثاء، ردًا على أسئلة الصحفيين، قائلاً:”سترتفع أسعار البنزين للأمريكيين العاديين بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، لكن الإدارة الأمريكية لا تستطيع فعل أي شيء في مثل هذا الموقف”. وللهروب من الموقف المحرج اتهم روسيا بانها السبب وراء إرتفاع الأسعار. وهذه الحجة منافية للواقع لأن روسيا لم تقفل إنبوب الغاز إلى أوروبا. واللافت أن سعر نفط برنت قد هبط بشكل حاد ليصل مع كتابة هذه الكلمات إلى 112$ بعدما تأكد كبار تجار النفط تخلي بايدن وأوروبا والناتو عن دعم زيلينسكي. وبالتالي كانت التصريحات النارية لبايدن وشلته وراء الإرتفاع الجنوني لأسعار المشتقات النفطية والغاز.

وفي المحصلة نستنتج أنه لا يمكن الوثوق بأمريكا ووعودها فهي تتخلى حتى عن حلفائها؛ كما حصل مع شاه إيران، الرئيس مبارك والافغان وهنا لا بد ان نتذكر مقولة الرئيس مبارك وهو من خبر الأمريكيين جيدًا: “المتغطي بالامريكان عريان”.

فقد إعتمد بايدن مع روسيا سياسة حافة الهاوية حتى بلغت القلوب الحناجر. فهدد وتوعد روسيا بالإشتراك مع أوروبا وخاصة بريطانيا فوصلت التهديدات إلى أقصاها. وبدأت الإستعدادات للحرب العالمية الثالثة؛ ولكن مع بدء العملية العسكرية الروسية تخلى بايدن وحلفائه عن الرئيس الأوكراني وطعنوه في الظهر، وتركوه يخوض المعركة التي ادخلوها فيها وحيدًا. ولما طالب الرئيس زيلينسكي بايدن بالوفاء بوعوده؛ قالها بايدن بكل وقاحة “لا أملك لك سوى الدعاء ساصلي من أجلكم”. وهكذا أصبحت تلك التهديدات تحت أقدام الجنود الروس وخاصة بعد سيطرتهم على 14 مختبرًا للجيش الأمريكي للحرب الجرثومية والبيولوجية.

آمل أن يعتبر أصدقاء أمريكا من هذه الحادثة ويأخذوا العبر في الإعتماد على أمريكا وحلفائها الذي كسروا الأرقام القياسية في الغدر والخيانة والطعن في الظهر والتخلي عن حلفائهم مهما انبطحوا لهم لتحقيق أجنداتهم.

وإن غدًا لناظره قريب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى