أحدث الأخبارشؤون امريكية

بايدن لفريدمان: مصلحة أميركا بالعودة إلى الإتفاق النووي

أجرى الصحافي الأميركي توماس فريدمان يوم الثلاثاء الماضي مقابلة مع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” أمس (الأربعاء)، ركز فيها على عدد من القضايا الداخلية والخارجية، وأبرزها العلاقة مع الصين والموقف من الإتفاق النووي مع إيران، وتضمنت الآتي:

 

“تحدثت إلى الرئيس (جو) بايدن مساء الثلاثاء (الأول من كانون الأول/ديسمبر 2020) عبر الهاتف وكان في حالة مزاجية جيدة؛ إذ ورد إليه إعلان المدعي العام ويليام بار، ويفيد فيه أن وزارة العدل لم تجد تزويرًا مؤثرًا في نتيجة الانتخابات الرئاسية. وكان لدى بايدن موضوعات كثيرة للحديث عنها مثل طريقة تعاطيه مع ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الحالي في مجلس الشيوخ، وزملائه الجمهوريين من أجل اختيار الوزراء، وكذلك جدول أعماله وكيف ينوي إعادة تشكيل العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، واستعداده للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ووقف العقوبات التي فرضها ترامب على إيران.

طرحت على بايدن سؤالًا شخصيًّا واحدًا: كيف كان شعورك بالفوز بالرئاسة في ظل ظروف جائحة عالمية وحملة إعلامية قادها ترامب وأتباعه زاعمين أن نتيجة الانتخابات مزورة؟ أجاب بايدن: «أشعر أنني فعلت خيرًا للبلاد بأن جنبتها ولاية رئاسية جديدة تحت حكم ترامب. لكن لم تكن هناك لحظة ابتهاج، هناك كثير من المهام وأريد إنجاز ما أستطيع إنجازه بأسرع ما يمكن”.

يعتمد مقدار ما سينجزه بايدن بالضبط إلى حد كبير على أمرين: أولًا، رد فعل الجمهوريين في مجلسي الشيوخ والنواب عندما يعلمون أن ترامب خرج من السلطة بالفعل. ثانيًا، كيف سيتصرف ميتش ماكونيل (الجمهوري الذي يتزعم الأغلبية في مجلس الشيوخ) إذا استمر في منصبه؟

الأولوية القصوى لبايدن تتمثل في الحصول على موافقة الكونغرس على رزمة تحفيزية سخية حتى قبل أن يتولى منصبه، وذلك بسبب أن البلاد ستعاني أضرارًا اقتصادية خطيرة وطويلة الأمد إذ لم نتصد إلى حقيقة أن «هناك أكثر من 10 ملايين شخص قلقين حول كيفية سداد مستحقات الرهن العقاري القادمة، ولدينا عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين لا يملكون دفع قيمة إيجار منازلهم”.

قال بايدن إنه عندما يبتعد الأشخاص عن قوة العمل لمدة طويلة يصبح صعبا عليهم العودة إلى العمل، وبذلك تضيع عليهم سنوات من الفرص. الأمر نفسه ينطبق على أطفال المدارس، والذين قد ينتهي بهم الأمر إلى فَقْد سنتين أو ثلاث من سنوات الدراسة”.

وأصر بايدن على أن الحافز السخي سيولد في الواقع نموًا اقتصاديًا من دون أن يتسبب بضرر مالي طويل الأجل إذا “دفع الجميع نصيبهم العادل في المستقبل، في سبيل الله”. وبهذه الحصة العادلة، أعني أنه لا يوجد سبب يمنع أن يكون أعلى معدل للضرائب 39.6 في المائة، كما كان في بداية حكم إدارة (جورج دبليو) بوش. لكن السؤال الكبير ما إذا كان بإمكان بايدن تمرير أمر كهذا في الكونغرس ذي الأغلبية الجمهورية وتجاوز ماكونيل. يمكن لعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين أن يقرروا أنهم يريدون أن يصبحوا صقورًا مرة أخرى في عهد الرئيس بايدن، بعد أربع سنوات من الإنفاق غير المنضبط في عهد ترامب والذي أدى بالديون الوطنية إلى مستويات قياسية.(…).

العودة إلى الإتفاق النووي

في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، طرح بايدن نقطتين مهمتين. أولًا، سألته عما إذا كان متمسكًا بآرائه بشأن الإتفاق النووي الإيراني التي أوضحها في مقالة له بتاريخ 13 أيلول/سبتمبر على موقع CNN. فأجاب، “سيكون الأمر صعبًا، لكن نعم”.

وكان بايدن قد كتب في تلك المقالة: «إذا عادت إيران إلى الامتثال الصارم بالاتفاق النووي، فإن الولايات المتحدة ستعاود الانضمام إلى الاتفاق باعتبار ذلك نقطة انطلاق لمتابعة المفاوضات»، وستُرفع العقوبات التي فرضها ترامب على إيران.

من الواضح أن الإيرانيين يأملون في ذلك. قال وزير الخارجية الإيراني، (محمد) جواد ظريف، في 17 تشرين الثاني/نوفمبر، إن العودة إلى التنفيذ الكامل من قبل الولايات المتحدة وإيران يمكن أن تتم “تلقائيًا” و”من دون الحاجة إلى مفاوضات”.

الجدير ذكره أن توقيع الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) جرى في العام 2015. انسحب ترامب من جانب واحد (من الإتفاق) في أيار/مايو 2018، وأعاد فرض عقوبات نفطية خانقة على إيران، مدعيًا أنها كانت صفقة سيئة منذ البداية وأن إيران كانت تخدعنا، وهي وجهة نظر لم يؤمن بها حلفاؤنا الأوروبيون أو المفتشون الدوليون.

ويرى بايدن وفريقه للأمن القومي أنه بمجرد عودة الجانبين إلى الالتزام بالاتفاق، يجب أن تكون هناك جولة من المفاوضات للسعي لإطالة أمد القيود المفروضة على إنتاج إيران للمواد الانشطارية التي يمكن استخدامها لصنع قنبلة نووية (حددت في الاتفاق أصلًا بـ 15 عامًا) وكذلك التعامل مع أنشطة إيران الإقليمية الخبيثة، التي يُنفِّذها وكلاؤها في لبنان والعراق وسوريا واليمن. ويود فريق بايدن أن تشمل مفاوضات المتابعة ليس الموقِّعين الأصليين على الصفقة أي إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي فحسب، ولكن ينبغي أن تشمل أيضًا جيران إيران من العرب، وبخاصة السعودية والإمارات.

في وقت سابق من هذا الأسبوع (الأسبوع الماضي) كتبت مقالة قلت فيها إنه ليس من الحكمة أن تتخلى الولايات المتحدة عن نفوذها الخاص بالعقوبات النفطية التي فرضها ترامب على إيران لمجرد استئناف الاتفاق النووي. ويجب أن نستخدم هذا النفوذ للضغط على إيران لكبح صادراتها من الصواريخ الموجَّهة بدقة (الدقيقة) إلى حلفائها في لبنان وسوريا واليمن والعراق، والذين يهددون إسرائيل وعددًا من الدول العربية.

فريق بايدن يدرك هذه النقطة، ويصر في الوقت الحالي على أن المصلحة القومية الكبرى لأميركا تتمثل في إعادة البرنامج النووي الإيراني تحت السيطرة والتفتيش الكامل. من وجهة نظرهم، يشكِّل تطوير إيران لسلاح نووي تهديدًا مباشرًا للأمن القومي للولايات المتحدة والنظام العالمي الخاص بالتحكم في الأسلحة النووية ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

«هناك كلام كثير عن الصواريخ الموجَّهة بدقة (الدقيقة) وجميع الأشياء الأخرى التي تزعزع استقرار المنطقة» يقول بايدن. لكن الحقيقة هي أن «أفضل طريقة لتحقيق بعض الاستقرار في المنطقة» هي التعامل مع «البرنامج النووي». وإذا نجحت إيران في تصنيع قنبلة نووية، فإن ذلك سيشكل ضغوطًا هائلة على السعودية وتركيا ومصر وغيرها من الدول لتصنيع أسلحة نووية كذلك.

يقول بايدن: «بالتشاور مع حلفائنا وشركائنا، سنشارك في مفاوضات واتفاقات متابعة لتشديد القيود على الأنشطة النووية الإيرانية وإطالة أمدها، وكذلك معالجة برنامج الصواريخ». وأضاف أن الولايات المتحدة لديها دائمًا خيار إعادة فرض العقوبات إذا لزم الأمر، وإيران تعرف ذلك. سيكون هناك الكثير من الجدل حول هذه المسألة في الأشهر المقبلة.

التعامل مع الصين.. كيف؟

بالنسبة إلى الصين، قال بايدن إنه لن يتحرك على الفور لإلغاء الرسوم الجمركية البالغة 25% التي فرضها ترامب على حوالي نصف صادرات الصين إلى الولايات المتحدة – أو اتفاقية المرحلة الأولى التي وقَّعها ترامب مع الصين والتي تتطلب من بكين شراء سلع وخدمات أمريكية إضافية بحوالي 200 مليار دولار خلال المدة من عام 2020 إلى 2021 – والتي تراجعت عنها الصين تراجعًا كبيرًا. «لن أتخذ أية خطوات فورية، والأمر نفسه ينطبق على الرسوم الجمركية، يقول بايدن، وأضاف أنه يريد أولًا إجراء مراجعة كاملة للاتفاقية الحالية مع الصين والتشاور مع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في آسيا وأوروبا، حتى «نتمكن من تطوير استراتيجية متماسكة”.

“أفضل استراتيجية للتعامل مع الصين هي تلك التي تتعامل بها أميركا مع حلفائها – أو بالأحرى حلفائها السابقين ـ وستكون أولوية رئيسية بالنسبة إليَّ في الأسابيع الأولى من رئاستي أن أحاول لم شمل الولايات المتحدة مع حلفائها”.

وبينما كان يركز ترامب على العجز التجاري مع الصين، من دون تحقيق نجاح يذكر على الرغم من حربه التجارية، قال بايدن إن هدفه سيكون اتباع سياسات تجارية تؤدي في الواقع إلى حدوث تقدم حيال ممارسات الصين التعسفية المتعلقة بسرقة الملكية الفكرية وإغراق الأسواق بالمنتجات وتقديم الإعانات غير القانونية إلى الشركات «وفرض» عمليات نقل التكنولوجيا من الشركات الأميركية إلى نظيراتها الصينية.

عند التعامل مع الصين، الأمر كله يتعلق بـ«النفوذ»، يقول بايدن، ومن وجهة نظري (الكاتب)، ليس لدينا ذلك (النفوذ). جزء من توليد المزيد من النفوذ، يتمثل في تطوير إجماع الحزبين في الداخل لبعض السياسات الصناعية الأميركية القديمة الجيدة – مثل ضخ استثمارات حكومية ضخمة في البحث والتطوير الأميركي والبنية التحتية والتعليم لمنافسة الصين بشكل أفضل – وليس الشكوى منها فحسب. ولدى أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين والجمهوريين مشروعات قوانين تدعو إلى مثل هذه الاستراتيجية.

الداخل الأميركي

قال بايدن: «أريد أن أتأكد من أننا سنبذل أقصى ما في وسعنا من أجل الاستثمار داخل أميركا أولًا». لقد حدّد الطاقة والتكنولوجيا الحيوية والمواد المتقدمة والذكاء الاصطناعي باعتبارها مجالات جاهزة للاستثمار الحكومي الواسع النطاق في مجال البحوث. وقال: «لن أدخل في أي اتفاقية تجارية جديدة مع أي شخص حتى نقوم باستثمارات كبيرة هنا داخل وطننا وفي عمَّالنا وفي التعليم”.

وفي هذه المرة، أصر بايدن على أن أميركا الريفية لن تُهمل مرةً أخرى. ولا يمكن للديموقراطيين أن يضيعوا أربع سنوات أخرى ليفقدوا كل مقاطعة ريفية في أميركا تقريبًا. ولذلك، يتعين على الديموقراطيين معرفة ما يجري هناك والتحدث إلى الناخبين الريفيين على نحو أكثر فعالية. قال بايدن:”كما تعلم، فإن الأمر يتعلق حقًا بقضية الكرامة، وكيف تتعامل مع الناس. أعتقد أنهم يشعرون بأنهم منسيون. أعتقد أننا نسيناهم”.

يقول بايدن: «أحترم القرويين»، وأخطط لإثبات ذلك من خلال «معالجة فيروس كورونا المُستجد في جميع المناطق على حد سواء». وأضاف: «يتعين علينا إنهاء أزمة الرعاية الصحية الريفية في الوقت الحالي من خلال البناء على نظام الرعاية الصحية الذي استحدثه الرئيس الأسبق أوباما. وهناك دعم قوي لذلك الأمر وخاصة من سكان الولايات الريفية، مثل تكساس ونورث كارولينا. يمكننا زيادة التمويل. زرت 15 مستشفى ريفية. والمشكلة الأكبر هي عدم وجود تعويض كاف لهم ليظلوا مفتوحين، وهم غالبًا أكبر رب عمل في تلك المدينة أو المدينة، يقول بايدن.

يمكن أن تستفيد الكثير من هذه المستشفيات والعيادات الريفية من التطبيب عن بُعد، لكن ليس لديهم اتصال واسع النطاق. قال بايدن: “ينبغي أن ننفق 20 مليار دولار لنشر النطاق العريض في جميع المجالات”. يتعين علينا إعادة بناء الطبقة الوسطى، خاصة في المناطق الريفية بأميركا”.

وردا على تهديد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين بعدم تأكيد تعيين نيرا تاندين مديرة لمكتب الإدارة والميزانية، بسبب سلسلة تغريدات سيئة نشرتها عن الجمهوريين، ضحك بايدن قائلًا: «بالمناسبة، هي شخصية ذكية للغاية. وأعتقد أنهم سيختارون شخصين فقط للدفاع عنهما بشدة بغض النظر عن السبب”.

وختم بايدن حواره مع الكاتب بالتأمل في قُبْح السنوات الأربع الماضية – التي لم ينظر فيها إلا إلى نصف الكأس الفارغ لكنه قرر في النهاية، أن ينظر إلى نصف الكأس الممتلئ. وقال: «تصويت 72 مليون شخص لصالح ترامب أمر كبير. لكن ربما عندما يرحل عن المشهد، لا يستمر وجود القبح. قد يكون هناك 20 بالمائة منه. 25 بالمائة منه، لا أعرف”، وتابع: «يجب أن يعود جزء ما من هذا الشعب إلى أرضية مشتركة يمكننا التعاون فيها. وعلينا معرفة كيفية العمل معًا. وبخلاف ذلك، سنكون في ورطة حقيقية”.

ترجمة سارة سنو-180 بوست- 03/12/2020

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى