أحدث الأخبارشؤون امريكية

بايدن يقع بين نارين.. هل يضع يده بيد ابن زايد أم يصفعها؟

مجلة تحليلات العصر الدولية / الوقت

أدت نهاية رئاسة دونالد ترامب إلى تحويل تركيز المراقبين السياسيين إلى السياسة الخارجية أكثر من منه على القضايا الداخلية. وفي هذا المجال، أعلن بايدن عن إحدى النقاط الرئيسة في سياسته خلال المناظرات الانتخابية، والتي تقوم على عودة امريكا إلى المجتمع الدولي والتعددية. وقال بايدن خلال الحملة الانتخابية في الـ 28 من تشرين الأول 2020: “نريد إنهاء احتضان الرئيس ترامب للديكتاتوريين والبلطجية، ونريد احتضان حلفائنا مرة أخرى”.

وفي تصريحات أخرى، تحدى بايدن صراحة سياسات ترامب الداعمة للأنظمة العربية الاستبدادية في الخليج الفارسي. وللمرة الأولى منذ رئاسته، اتخذ بايدن موقفا ضد الانقلاب العسكري في ميانمار ضد الحكومة الشرعية في ميانمار. وفي أعقاب الانقلاب العسكري في ميانمار واعتقال كبار المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم رئيسة الوزراء أونغ سان سوكي، أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن بيانا أعلن فيه أن امريكا رفعت العقوبات المفروضة على ميانمار خلال العقد الماضي، تماشيا مع موقفها المتزايد المؤيد للديمقراطية. حيث ان العودة إلى الوراء في هذا الاتجاه تتطلب مراجعة سريعة للعقوبات، يتبعها الإجراء المناسب.

ومع ذلك فإن الإمارات هي واحدة من أهم وربما أهم مراكز اختبار السياسة الخارجية لبايدن في الدفاع عن الديمقراطية ومعارضة الأنظمة الاستبدادية، حيث كانت الإمارات بقيادة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، تتدخل بنشاط في شؤون منطقة غرب آسيا وخارجها على مدى العقدين الماضيين. واشتد هذا الاتجاه، وخاصة خلال فترة رئاسة دونالد ترامب التي استمرت أربع سنوات، وفي شكل دعم استراتيجي أمريكي للإمارات على المستوى الدبلوماسي والعسكري، تدخلت أبوظبي أكثر من أي وقت مضى في المنطقة. ومع ذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن ما هي السياسة التي سيتبعها جو بايدن تجاه الإمارات خلال فترة رئاسته؟

التحرك المتناقض للسياسة الخارجية الإماراتية مع امريكا

على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت الإمارات خلال رئاسة دونالد ترامب وتحت قيادة محمد بن زايد في صراع مع امريكا على مختلف المستويات والصعد، ما زاد من صعوبة مهمة إدارة بايدن في مواجهة أبو ظبي. حيث انه في السنوات القليلة الماضية، سلكت الإمارات مسارا يتعارض مع سياسات امريكا في مجال التطورات في ليبيا. حيث ساهمت الامارات حتى الآن بقتل العديد من المدنيين من خلال إنشاء قاعدة عسكرية في ليبيا واستخدام الطائرات دون طيار لدعم متمردي خليفة حفتر. حتى انها قدمت الدعم المالي واللوجستي للقوات المدعومة من روسيا تحت اسم مجموعة فاغنر.

حتى على نطاق أوسع، كان دور الإمارات في اليمن أسوأ بكثير وأكثر كارثية. حيث ان الإمارات برفقة السعودية كانت مسؤولة عن مقتل العديد من المواطنين اليمنيين الأبرياء منذ مارس 2015 وتسببت في كوارث إنسانية كبيرة. وعلى الرغم من إعلان الانسحاب من اليمن، لا تزال الإمارات في تنسيق كامل مع السعودية وتواصل حصارها على اليمن وهو ما يتعارض أيضا مع استراتيجية بايدن الخارجية المعلن عنها.

ولعل مسألة أخرى مهمة مثل التناقض بين السياسة الخارجية لبايدن والإمارات يمكن رؤيتها في اتجاه أبوظبي الأخير نحو توثيق العلاقات مع الصين وإبرام تحالف استراتيجي مع بكين. حيث أصبح تهديد الصين لتراجع هيمنة واشنطن امرا محوريا في السياسة الخارجية الامريكية على مدى العقد الماضي، وسيظل كذلك في عهد بايدن. هذا وتسعى الصين إلى أن تصبح مركزا للتجارة والاقتصاد الدوليين من خلال خطط طموحة مثل خطة One Belt One Road، حيث مارست إدارة ترامب ضغوطا كبيرة على حلفائها بشأن الانضمام لهذا المشروع. الا ان الإمارات تسعى لقيادة هذا المشروع في الشرق الأوسط، حيث ان أبو ظبي على سبيل المثال التزمت الصمت حيال قضية مسلمي الإيغور خلافا لتوقعات واشنطن.

هل سيتجاهل بايدن الإمارات؟

على الرغم من مستوى التوترات والتناقضات في السياسة الخارجية الامريكية والإمارات، فإن السؤال الآن هو ما إذا كان الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن يستطيع تجاهل أبو ظبي في الشرق الأوسط. بمعنى آخر ما هي استراتيجية بايدن المحتملة ضد هذا البلد؟

حتى الآن، أعلنت حكومة بايدن في خطواتها الأولى أنها ستؤجل بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى الإمارات، وستراجع سياستها الكلية لدعم استمرار الحرب في اليمن. حيث انتقد الديمقراطيون نهج ترامب في دعم الأنظمة الاستبدادية على مر السنين، مؤكدين على مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن يبدو أن تركيز الرأي العام الآن ينصب على السعودية وولي العهد محمد بن سلمان فيما يتعلق بقضايا مثل اغتيال خاشقجي والذي أدى الى تعرض ابو ظبي لضغط اقل بكثير.

ويمكن أيضا تقييم أسباب ذلك على مستويين. أولاً بعد توقيع الإمارات على اتفاقية لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، يعارض اللوبي الصهيوني القوي في البيت الأبيض والكونغرس الضغط على ابن زايد، سواء في مجال الشؤون الداخلية أو قمع المعارضين، وخاصة الإخوان المسلمين. وفي مجال التدخل في السياسة الخارجية وزعزعة الاستقرار في هذا البلد.

ومن ناحية أخرى، سعت الإمارات في السنوات الأخيرة إلى إنشاء لوبي قوي آخر في واشنطن من خلال شراء كميات كبيرة من الأسلحة من شركات الأسلحة الأمريكية. حيث سعت أبو ظبي أيضا إلى توجيه السياسة الإقليمية الامريكية من خلال توفير دعم مالي مكثف لمراكز الفكر المهمة وشخصيات النخبة المؤثرة في السياسة الخارجية الامريكية.

ومع ذلك، فإن لدى بايدن الآن خطوتان إلى الأمام، واحدة تتمثل في إنهاء الدعم اللوجستي والعسكري للإمارات وتقليل العلاقات الدبلوماسية معها، والأخرى هي مواصلة نهج إدارة ترامب من خلال تخفيف الضغط الإعلامي على السياسة الداخلية الامريكية. في غضون ذلك من المؤكد أن بايدن، بين هذين الخيارين الصعبين، يدرك بوضوح أن الإمارات يمكن أن تكون لاعبا مهما لهذا البلد في منطقة غرب آسيا، والتي لا يمكن تجاهلها تماما.

والنقطة الأخرى هي أن تفاعل الحكومة الامريكية مع السعودية أسهل بكثير من الإمارات. لأن خصوم ابن سلمان لا حصر لهم في البيت الأبيض، وفضائح ولي العهد السعودي ستسلط الضوء إلى حد كبير على سياسة بايدن، ولكن على عكس الرياض، فإن أصدقاء محمد بن زايد والمقربين منه كثيرون جدا بين الديمقراطيين، ويبدو أن سياسة أنطوني بليكن تجاه الإمارات هي القضية الأكثر أهمية وصعوبة بالنسبة له في التعامل مع الدول العربية في الخليج الفارسي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى