أحدث الأخبارشؤون آسيوية

برًا وبحرًا وجوًا.. هكذا تطوّر تركيا ترسانتها العسكرية ضمن خطة 2023

مجلة تحليلات العصر الدولية

نون بوست
كتب بواسطة:أحمد سلطان

تتبنى الجمهورية التركية خطةً موسعة لتحقيق أقصى ما يمكن من الاكتفاء الذاتي في مجال الصناعات العسكرية للجيش التركي وحلفائه المستوردين في الخارج.

تقوم هذه الخطة على عدة مرتكزات، أولها المرتكز التاريخي، الذي يتمثل في التحوط من تكرار المأزق الذي وضعت خلاله الدولة، عقب دخولها مواجهة عسكرية ضد قبرص واليونان، أدت إلى فرض حظر أمريكي على مبيعات السلاح إلى الجمهورية التركية عام 1974.

أما المرتكز الثاني، فيتعلق بالمخيال السياسي لحزب العدالة والتنمية عن مستقبل الدولة التركية، بعد مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية، الذي ينبثق عنه، هذا المخيال، رافد عسكري بطبيعة الحال، ضمن خطة (تركيا – 2023).

وقد تعقدت الأمور في مناطق: الشرق الأوسط وشرق المتوسط، خلال الأعوام الأخيرة، بشكل خلق مزيدًا من الدوافع لدى القيادة التركية للمضي قدمًا، وبخطى متسارعة، في خطة تعزيز الصناعات العسكرية، حتى تواكب مسيرة هذه الصناعة حجم التهديدات من جهة، وتحافظ على العلامة التركية النامية في هذا المجال من جهة أخرى.

تجلت هذه الخطى المتسارعة، خلال الـ3 أشهر الماضية، على شكل أخبار مبشرة متتابعة، من الأفرع الصناعية الرئيسية، عن توريد مزيد من القطع العسكرية محلية الصنع إلى الجيش، أو نجاح بعض من أجيال هذه القطع المطورة في العبور من الاختبارات الأولية والاستعداد إلى دخول مراحل الإنتاج الكمي، جمعنا أهمها في هذا التقرير.

بريًا

هناك الكثير من المنتجات العسكرية التي أزاحت الشركات التركية عنها الستار مؤخرًا، لكن أبرز ما طرح خلال هذه الفترة، كان النسخة الثانية من الراجمة الباليستية “بورا” المعروفة أيضًا بـ”حصن تركيا”.

تعتبر “بورا” درة الصواريخ الباليستية التركية (أرض/أرض)، حيث يصل مداها إلى 270 كيلومترًا، برأس حربي يزن نحو نصف طن، ووزن إجمالي 2500 كيلوغرام، وقطر 610 مليمترات.

وقد صممت شركة الصناعات الصاروخية التركية “روكيستان” هذه المنظومة، بحيث يسهل حملها على العربات المدولبة (8×8)، وإدارة بشرية محدودة تتكون من 3 عناصر: القائد والملقم والسائق.

وتتميز النسخة الثانية من هذه المنظومة بالمرونة العامة، حيث القدرة على العمل، ليلًا ونهارًا، بمختلف التضاريس، بفضل نظام التوجيه (GPS/INS) مع هامش خطأ ضئيل للغاية، يبلغ 10 أمتار، وتخطط الشركة، مع رئاسة الصناعات الدفاعية التركية وزارة الدفاع لإطلاق جيل جديد مستقبلًا، يمتاز بمديات أطول وأدوات توجيه وحرب إلكترونية أفضل، مع إتاحته للتصدير.

وفيما يبدو، فقد أعطى نجاح النسخة الأولى من الصاروخ، التي ظهرت في معرض (IDEF- 2017) دفعةً للشركة المصنعة، خاصة بعد استخدامه عمليًا شمال العراق ضد PKK، وشراء القوات البرية التركية 50 صاروخًا من هذه النسخة.

جوًا

شهدت الصناعات العسكرية التركية في المجال الجوي طفرةً شاملةً خلال الفترة الأخيرة، رصدنا منها في هذا التقرير 5 علامات دقيقة، تتعلق بالذخائر والمسيرات ومشروع إنتاج مقاتلة الجيل الخامس، ثم كبح خطر المقاتلات المعادية من نفس هذا الجيل.

1. ذخائر مدنية للجيش

كشفت وزارة الصناعة التركية النقاب عن نجاح أول صاروخ (جو/أرض) من إنتاج محلي، بتقنية الاختراق المتتابع للسواتر الخرسانية المسلحة، من طراز سارب.

صاروخ (سارب – 83) الذي صممه وأنتجه معهد أبحاث وتطوير الصناعات الدفاعية التركية (SAGE) التابع لمؤسسة الأبحاث العلمية والتكنولوجية (توبيتاك) صنع خصيصًا لاستهداف المقرات الرئيسية المعادية والمطارات والسدود.

وقد صمم هذا الصاروخ الجديد استنادًا إلى بعض الذخائر التي أنتجها المعهد سابقًا للعمل على الاختراق المتتابع والقنابل خارقة التحصينات مثل (سرت – 82) و(نيب – 84)، بيد أن هذه الذخائر كانت تختلف عن هذا الصاروخ من ناحية نوعية العمل (جو – جو) أو (أرض – أرض).

وخلال الاختبارات التي جرت في تركيا، استطاع (سارب – 83) اختراق جدار سمكه 1.5 متر، بسرعة 300 كم/ساعة، لكن اللافت في هذا الأمر، كان تصريح وزير الصناعة مصطفى وارنك عن كون هذا الصاروخ “جزءًا من مشروع سري لإنتاج وتطوير المقذوفات ذات الحساسية المتطورة بتكاليف متدنية”.

2. المزيد من الذخائر الجوية

في الـ3 من أغسطس/آب، الحاليّ، أعلن رئيس الصناعات الدفاعية التركية، إسماعيل دمير، أيضًا، استلام القوات الجوية قنابل “تيبر – 82” المطورة بواسطة شركة “روكيستان”.

هذا النوع من القنابل، هو قنابل “جو/ أرض” أيضًا، أي تعمل في نفس نطاق صواريخ “سرت – 82″، من حيث تركيزها على استهداف المرابض الأرضية المعادية، ومن حيث القصف جوًا.

بيد أن أهم ما يميز هذا النوع من الذخائر، هو التوجيه “الليزري” والاستفادة من تكنولوجيا قنابل “MK-81/ MK- 82” الأمريكية، كما يبلغ مداها 28 كيلومترًا، وتوجه أيضًا بالـGPS.

3. النموذج الثاني من بيرقدار

في الـ13 من هذا الشهر، أعلنت شركة بايكار نجاح أولى تجارب الطيران للنموذج الثاني من الطائرة المسيرة الهجومية “بيرقدار أقنجي تيها”، في مدينة تشورلو، بولاية تكيرداغ، شمال غرب تركيا.

في العادة، يخضع كل جيل من هذه الطائرات إلى أكثر من تجربة طيران، فقد خضع النموذج الأول من هذه الطائرة لأول اختبار ديسمبر الماضي، ثم جرى الاختبار الثاني يناير/كانون الثاني من هذا العام، وهو ما يعني أن هذا النموذج، الثاني، سيكون أمامه بعض الوقت للخضوع للاختبار الثاني والدخول في مراحل الإنتاج الكمي.

ويتميز النموذج الجديد بتطويرات ثورية، مثل الأجنحة ذات الهيكل الملتوي التي يصل طولها 20 مترًا، وإمكانية حمل صواريخ الكروز محلية الصنع “SOM” (جو – أرض)، ورادار شبيه برادارات المقاتلات الكبرى (AESA) وعدد من الرادارات الثانوية للتكامل مع أنظمة الرصد الكهروبصرية، بالإضافة إلى محركين بقوة 480 حصانًا، وإمكانية الطيران ليوم كامل، محملة بنحو 1350 كيلوغرامًا من الذخائر.

4. مقاتلة الجيل الخامس: خطى بطيئة، إلى الأمام

يواجه مشروع مقاتلة الجيل الخامس التركية (TF-X) تحديات فنية كثيرة، خاصة لأن تركيا تريد أن تقفز على إرث صناعي عمره عقود، مباشرةً نحو مقاتلة الجيل الخامس.

وقد عظم الإرادة التركية لإيجاد حلول فنية لهذا القدر الكبير من المشكلات، فيما يبدو، القرار الأمريكي بوقف تسليم مقاتلات الجيل الخامس التي شاركت تركيا في تصنيعها وتمويلها “F – 35″، وتعنت بعض الدول الكبرى في تقديم المساعدة الفنية لهذا المشروع.

التطور الأبرز في هذا الملف كان توقيع شركة “توساش” للصناعات الجوية والفضائية عقدًا مع مؤسسة الصناعات الإلكترونية الجوية، بحضور إسماعيل دمير رئيس الصناعات الدفاعية التركية.

بموجب الاتفاق الأخير، ستتعاون المؤسستان في العديد من الأعمال الفنية الخاصة بمقاتلة الجيل الخامس التركية مثل البرمجيات والمحاكاة والتدريب والصيانة والدعم الهندسي.

ومن المنتظر أن تبدأ المقاتلة التركية الجديدة دخول الخدمة تدريجيًا، كي تحل محل مقاتلات الجيل الرابع “إف – 16” الأمريكية، بدايةً من 2030 القادم، لتصبح تركيا الدولة الرابعة عالميًا من حيث امتلاك مشروعات جادة لإنتاج مقاتلات الجيل الخامس، بعد أمريكا وروسيا والصين.

5- الدفاع الجوي

لفترة طويلة كان الدفاع الجوي التركي أكثر الأسلحة التي تعاني من نقص في الإمدادات المحلية والأجنبية، حتى إننا كنا نسمع أخبارًا كثيرة عن تأثر تركيا بسحب منظومات “باتريوت” بعيدة المدى التي ترسلها واشنطن لأنقرة تحت مظلة الناتو.

لكن، وبالتقاطع زمنيًا مع حصول تركيا على بطاريات “إس – 400” الأعقد في العالم، عكف الأتراك على تحديث منظومات محلية موازية، خاصة في ظل الحديث عن ارتهان التقدم في مشروع “F-35” بترحيل “S-400” التركي أو تفكيكه.

أبرز ما ظهر إلى النور مؤخرًا في هذا الصدد، كان رادار “أسيلسان”، ثلاثي الأبعاد، بعيد المدى، طراز (EIKS). الرادار الجديد يعمد على نطاق (S-Band) مع مستشعر هوائي (AESA) ويبلغ مداه 600 كيلومتر، ومن المقرر أن يعمل على منظومة (SIPER) الصاروخية بعيدة المدى المصنعة محليًا، لمواجهة خطر مقاتلات الجيل الخامس الشبحية.

وبحسب ما نشر، فقد زود الرادار بمستشعرات هوائية قادرة على إنشاء أكثر من حزمة واحدة بسبب هيكل الاستقبال متعدد القنوات، مع القدرة على تبادل البيانات مع أنظمة دفاع جوي من نفس العائلة، وجرت حمايته بخوارزميات خاصة ضد الآثار السلبية للهجمات الإلكترونية، ومن المقرر أن يدخل مراحل الإنتاج الكمي العام القادم.

بحريًا

بطبيعة الحال، باتت أخبار التطويرات التركية الدفاعية، ومنها البحرية، تتدفق يوميًا، وهو ما سنشرحه لاحقًا، لكن، أهم ما رصدناه على المستوى البحري كان متعلقًا بإنتاج المحركات وحاملة الطائرات التركية.

1. محرك صاروخي

تعد صناعة المحركات واحدة من العقبات الكبرى إيذاء أي مشروعات استقلال عسكري، سواء كانت محركات خاصة بالقطع القتالية الكبرى كالدبابات والطائرات والسفن، أم بالأجزاء الثانوية كالصواريخ.

ما كشفه مصطفى وارنك وزير الصناعة التركي مؤخرًا، كان نجاح تجارب اختبار لأول محرك صاروخي تركي متوسط المدى بالكامل في مدينة إسكشهير، شمال غرب البلاد.

ومن المقرر أن يستبدل هذا المحرك المحرك المستورد من الخارج، والعامل على الصاروخ التركي (TEI- TJ300) المضاد للسفن، متوسط المدى.

2. حاملة الطائرات

في نفس الوقت تقريبًا، أعلن نجاح اختبارات الإبحار لحاملة الطائرات التركية (L 400 TCG Anadolu)، حيث سيتم تسليمها لقيادة القوات البحرية التركية نهاية هذا العام، لتدخل الخدمة رسميًا عام 2021.

يبلغ طول الحاملة التركية أكثر من 230 مترًا وعرض 32 مترًا وارتفاع 58 مترًا ووزن 27 ألف طن، وقد بنيت بشكل مشابه لسفينة الإنزال الإسبانية “أرمادا خوان كارلوس”.

تمتلك الحاملة منحدر إقلاع لتشغيل الطائرات ذات الإقلاع العمودي (STOVIL) ونظام دفاع جوي عضوي (فالانكس: CIWS) وصواريخ HIZIR المضادة للسفن من “هافيلسان”، بالإضافة إلى مرأب كبير للدبابات وناقلات الجند، ومن المقرر أن تحمل عددًا من المروحيات التركية “أتاك- 129” والمروحيات المضادة للغواصات “سي هوك”، وبحسب المحللين، فإنها ستكون إضافة نوعية ضمن إستراتيجية “الوطن الأزرق” التركية.

كيف تأسست هذه الإمبراطورية؟

بثت شبكة “TRT” التركية، في نسختها العربية، مادة مصورة من داخل عدد من الشركات التركية المصنعة للأسلحة، بالتزامن مع هذه النتائج المبشرة التي ظهرت إلى النور مؤخرًا.

على الرغم من كون هذه المادة دعائية بطبيعة الحال، وهو نهج بات معمولًا به لدى كل الدول الكبرى المصنعة للسلاح، يمكن استشفاف منها عدد من الإضاءات المهمة في هذه المرحلة من تاريخ تركيا وصناعاتها العسكرية.

فقد التقى المحاور في هذا اللقاء الصغير بعدد من مديري الشركات التركية الصغيرة والمتوسطة في هذا المضمار. ومن الملاحظ، من خلال المعجم الذي يتحدث به هؤلاء المديرون، والحمولة النفسية المسيطرة على هذه الأماكن، نمو قاعدة عريضة من الشركات المدنية الصغرى والمتوسطة، التي يقوم على إدارتها والعمل بها عشرات الشباب، الذي يتبنى قاموسًا يعكس سياسة الشركات في إيجاد “حلول” تقنية للتحديات الصناعية في هذا المجال، مع التركيز على تفاصيل فنية ولوجيستية دقيقة في مجال الـ”High Tech”، للتخديم على القلاع الصناعية الكبرى التي تأسست بطروحات شعبية بعد الأزمة مع قبرص منتصف سعبينيات القرن الماضي، مثل أصيلسان وهافيلسان وروكستان.

وللمفارقة، فقد باتت تركيا، بفضل هذه السياسة (Policy) مصدرًا للمنتجات العسكرية لكبرى دول الاتحاد السوفيتي القديم، التي ما زالت معروفة بخبراتها في هذا المضمار مثل أوكرانيا، التي أعلنت لتوها مؤخرًا رغبتها في الحصول على مزيد من المسيرات وتقنيات الاتصال وعقد مناورات مشتركة مع تركيا.

وبعد أن ارتفعت مساهمة الشركات المحلية في توفير الاكتفاء الذاتي للجيش التركي من المنتجات العسكرية، من 20% إلى 70%، ووصلت 4 شركات تركية ضمن أفضل 100 شركة عالميًا في هذا القطاع، فإن تركيا تخطط لأن يصل حجم هذه الصناعة إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2023.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى