أحدث الأخبارشؤون آسيويةشمال أفريقيامصر

بعد إطلاق الأزهر الرصاص على مشروع ” الديانة الإبراهيمية”: التطبيع الى أين؟

مجلة تحليلات العصر الدولية - قاسم قصير

▪️في مواقف واضحة وصريحة ولا تحتمل أي التباس أو إشكال، أطلق قبل أيام، شيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب ما يمكن وصفه بـ”رصاصة الرحمة” على مشروع ما يُسمى “الديانة الإبراهيمية”.

▪️أتت مواقف شيخ الأزهر، المفاجئة لكثيرين، خلال الإحتفال بالذكرى السنوية لتأسيس “بيت العائلة” في مصر، وهو مؤسسة دينية إسلامية – مسيحية تُعنى بالتعايش الديني في مصر ولمواجهة التطرف والعنف .

▪️وجاءت فكرة تأسيسه بعد حادث الإعتداء على كنيسة القديسين بالإسكندرية في مصر قبل عشر سنوات، في حديث بين البابا شنودة الثالث ووفد من الأزهر.

▪️ولذا، كان من المنطقي والمتوقع أن يحمل حديث شيخ الأزهر في هذه المناسبة، قيم التعايش والتسامح بين الأديان، لكنّه استفاد من المناسبة للتعليق على مشروع ما يعرف بـ”الديانة الإبراهيمية” الجديدة.

▪️في ما يلي، بعض التعريف بـ”إتفاقات أبراهام”، وعرض مواقف شيخ الأزهر منها، والإجابة عن سؤال حول العلاقة بين هذه الإتفاقيات ومشروع التطبيع مع العدو الصهيوني.

🔸في النصّ

▪️بدأ الشيخ أحمد الطيب الحديث عن الأمر بالقول، إنّه يريد “التنبيه قطعاً للشكوك التي يثيرها البعض بغرض الخلط بين التآخي بين الدينين، الإسلامي والمسيحي، وبين امتزاج الدينين وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكل منهما، خاصة في ظل التوجهات والدعوة إلى الإبراهيمية”.

▪️وقال: “إنّ هذه الدعوات تطمح في ما يبدو إلى “مزج المسيحية واليهودية والإسلام في دين واحد، يجتمع عليه الناس ويُخلصهم من بوائق الصراعات”.

▪️وأعلن الطيب رفض الدعوة إلى “الديانة الإبراهيمية الجديدة” وتساءل في خطابه، عما إذا كان المقصود من الدعوة “تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة، أو المقصود صناعة دين جديد لا لون له ولا طعم ولا رائحة”، حسب تعبيره.

▪️وأضاف الطيب: “إنّ الدعوة لـ”الإبراهيمية” تبدو في ظاهر أمرها دعوة للإجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الإعتقاد وحرية الإيمان والإختيار”.

▪️ورأى الطيب أنّ الدعوة إلى توحيد الدين هي دعوة “أقرب لأضغاث الأحلام منها لإدراك حقائق الأمور وطبائعها”، لأنّ “اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها”.

▪️وختم الطيب: “إنّ احترام عقيدة الآخر شيء والإيمان بها شيء آخر”.

🔸في التحليل

▪️هذه المواقف الصريحة من شيخ الأزهر، تُشكل ضربة قاسية للمشروع الإبراهيمي برمّته، الذي تُروّج له مؤسسات أمريكية وصهيونية، وتبنّته دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو جزء من مشاريع وإتفاقات التطبيع بين العدو الصهيوني وبعض الدول العربية، والمعروف أنّ إتفاقات التطبيع التي وُقّعت في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب سُمّيت: “إتفاقات أبراهام” (نسبة لهذا المشروع).

▪️لكن، ماذا عن مشروع “الديانة الإبراهيمية “؟.

▪️ليس هناك، حتى الآن، إعلان رسمي لقيام ما يُعرف بـ”الديانة الإبراهيمية الجديدة”، إذ لا أسس لها ولا أتباع أو حتى كتاب، وإن كانت هناك محاولات للترويج لها بأشكال مختلفة، وقد صدرت بعض الدراسات والكتب التي تشرح خطورة هذا المشروع.

▪️وإنما هذا مشروع بدأ الحديث عنه منذ فترة، أساسه العامل المشترك بين الديانات الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، باعتبارها أديان إبراهيمية، نسبة إلى النبي إبراهيم عليه السلام.
الهدف المعلن للمشروع هو “التركيز على المشترك بين الديانات والتغاضي عن ما يمكن أن يُسبب نزاعات وقتالاً بين الشعوب”.

▪️وقد بدأ الترويج للفكرة فعلا في إطار “إقامة السلام بين الشعوب والدول بغض النظر عن الفروقات”، وقد يكون الهدف الأساسي يتلخّص بالترويج للتطبيع مع العدو الصهيوني تحت عناوين دينية وسياحية وبيئية وإجتماعية وتنموية وإقتصادية.

▪️ومنذ ذلك الحين، أثار المصطلح جدلاً يظهر على السطح ويخبو منذ أكثر من عام.

▪️لكنّ أهمية مواقف شيخ الأزهر في هذه المرحلة تتمثّل في عدة نقاط:

▪️أولا، كونه يُمثّل إحدى أهم وأكبر المؤسسات الإسلامية في العالم.

▪️ثانيا، من المعروف عن شيخ الأزهر أنّه على علاقة قوية بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو من مؤسسي مجلس حكماء المسلمين الذي يضم شخصيات إسلامية متنوعة ومركزه في الإمارات، وهذا يشير إلى تباين مع مسؤولي الإمارات في هذا المجال.

▪️وثالثا، إنّ توقيت الإعلان عن هذه المواقف تزامن مع زيادة خطوات التطبيع الرسمية بين بعض الدول العربية والعدو الصهيوني، ورغم أنّ الدولة المصرية لديها اتفاقية تطبيع مع هذا العدو، فإنّ تولّي أعلى سلطة إسلامية في مصر الحملة على هذا المشروع يُشكّل خطوة جريئة ومتقدمة لمواجهته والكشف عن خطورته وأبعاده السياسية والعقائدية.

🔸التطبيع المستتر خلف الأديان

▪️وهذه المواقف يجب أن تُشكّل دافعاً لكل القيادات الدينية -الإسلامية والمسيحية- في العالم العربي، لمواجهة هذا المشروع الخطير والذي يهدف إلى الترويج لقيام دين جديد في العالم يُبرر السكوت عن الظلم والقمع والاحتلال، ويدعو للتطبيع مع العدو الصهيوني، كما أنّه يُلغي خصوصية الأديان، وقد يكون صحيحاً وضرورياً الدعوة للتعايش والحوار بين مختلف الأديان أو اتّباعها، لكن ليس على حساب خصوصية كل دين وعقائده، كما أنّ الأخطر هو استغلال الحوار الديني لتبرير التطبيع مع العدو الصهيوني.

▪️ولا يمكن لأي مُنصفٍ أن يُشكك بمواقف شيخ الأزهر الداعية للحوار بين الأديان، وهو الذي وقّع، قبل سنتين تقريبا، أهم وثيقة حوارية مع بابا الفاتيكان فرانسيس وهي: “وثيقة الأخوّة الإنسانية”، وقد استضافت الإمارات العربية المتحدة المؤتمر العالمي الذي انعقد في شباط 2019، من أجل السلام العالمي والعيش المشترك.

▪️لكن، في الوقت عينه، فإنّ شيخ الأزهر كان حاسماً وواضحاً في مواقفه ضد هذا المشروع الخطير تحت عنوان: ” الديانة الإبراهيمية “، ومن هنا أهمية تسليط الضوء على هذا المشروع وأبعاده التطبيعية مع العدو الصهيوني وخطورته الفكرية والعقائدية والسياسية والإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى