أحدث الأخبارالإماراتالخليج الفارسيةالسعودية

بعض «العــرب» .. من التطبيع إلى الشراكة مع العدو الإسرائيلي (2)

مجلة تحليلات العصر - طالب الحســـني / مجلة يمن ثبات العدد الثاني

 

بدأ «كيان العدو الإسرائيلي» جعل التطبيع خلف ظهره، ودفع بعلاقاته إلى العمق، بينما لا يزال البعض ينتظر أن يرى سفارات إسرائيلية وعربية متبادلة ليقول أن هناك علاقة تطبيع بين هذه الدولة أو تلك مع «كيان العدو الإسرائيلي»، نؤمن كثيراً بالسطحية، نحن نردد ببساطة أن مسألة التطبيع تتعلق بالسفراء والسفارات كشكل من أشكال الاعتراف وفقاً للأعراف الدبلوماسية المعروفة، ننسى العمق.

العلاقة الإسرائيلية السعودية والإماراتية ما بعد عام 2000م، بقيت تحاول الحفاظ بقدر ممكن من السرية مع توسع كبير في الاتفاقات الأمنية والتجارية وحتى العسكرية، هذه العلاقة بدأت تتجه نحو الشراكة أكثر من عملية التطبيع. التطبيع لا يعني وجود سفارات متبادلة، تم الاحتيال على هذا المبدأ؛ خوفاً من موقف الشعوب العربية، فنقاط الشراكة تتعلق بمواجهة محور المقاومة وشيطنة حركات المقاومة بدأ من «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«حزب الله» و«الدولة السورية»، وتشجيع السلطة الفلسطينية التي هي الشكل الآخر من العدو للفلسطينيين، جرائم السلطة بحق الفلسطينيين تكاد تكون قريبة مما فعله العدو الإسرائيلي، فضلاً عن التخدير الذي تمارسه هذه السلطة ودفع الفلسطينيين إلى البقاء في انقسام كبير منذ 2004 م.

ما اتضح لاحقاً ومنذ 2011م، هو ظهور الشراكة وليس العلاقة، بدت أكثر وضوحاً في المحاولات الحثيثة لإسقاط الدولة السورية، ومحاصرة حزب الله، وإدخال حركات المقاومة في فلسطين دائرة الاستهداف سعودياً وإماراتياً وإسرائيلياً، ومضاعفة الحصار على غزة.

ومع أن ذلك لم ينجح على مدى 5 سنوات 2011-2015م، وتغلبت سوريا ومعها المقاومة اللبنانية في كسر الحرب شبه الدولية على سوريا بأموال خليجية وعربية ضمن المحور الأمريكي السعودي الإسرائيلي، من غير المستبعد أن يكون كيان العدو الإسرائيلي قد شجّع السعودية في الدخول إلى حرب أخرى، ولكن هذه المرة على اليمن، إذ أن تعليق رئيس وزراء العدو الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» علق فور نجاح الثورة التي أطاحت بحلفاء «الولايات المتحدة الأمريكية» من الحكم 21 سبتمبر 2014م بأن التغيير في اليمن سيكون مؤثراً على باب المندب.

هذا يعني أن القلق حمل معه رسائل خفية وسرية إلى السعودية، تتضمن «أنتم تتحملون المسؤولية تجاه انهيار حلفائكم في اليمن» هذا شكل واضح من أشكال المخاوف المشتركة والمصالح المشتركة، وبالتالي الشراكة في القرارات المصيرية بما في ذلك قرار الحرب.

يردد الإسرائيليون العبارات نفسها التي ترددها السعودية بشأن اليمن، من قبيل الرفض السعودي لوجود «حزب الله» جنوب المملكة، ومن قبيل الرفض الأمريكي أن يتحول اليمن من مربعها في منطقة «الشرق الأوسط» إلى خارج هذا المربع.

تقول المخاوف الإسرائيلية: إن اليمن سيتحول إلى دولة معادية له، وأن قيام هذه الدولة التي تشرف على «باب المندب»، وبالتالي على ممر بحري استراتيجية سيكون بمثابة ورقة ضاغطة على كيان العدو الإسرائيلي، لقد كان هذا هاجس مشترك مع السعودية والإمارات يجمع هذا التحالف، وهو ما عبر عنه الجنرال السعودي «أنور ماجد عشقي» -ضابط سعودي عمل في الاستخبارات وله لقاءات متعددة مع الموساد الإسرائيلي تم كشفها في 2016م- عندما تحدث عن ضرورة وجود شراكة عربية إسرائيلية في البحر الأحمر، في هذا الجزء بالتحديد عادت السعودية -وخلال السنوات القليلة الماضية- لتجميع الدول المطلة على البحر الأحمر وهي التي كانت في السابق تعارض قيام هذا الكيان في سبعينات القرن الماضي، مفتاح السر في هذه العودة تمكن في نقطتين :

– الرغبة الإسرائيلية الملحة في تطوير وحماية أنشطتها في «البحر الأحمر» مع وجود قاعدة إسرائيلية في ارتيريا، وأنشطة أخرى في جيبوتي ضمن مجموعة تحركات أمريكية وإسرائيلية وإماراتية.

– اطمئنان سعودي من أن أغلب البلدان المشرفة على «البحر الأحمر» قريبة منها، وتستطيع التأثير عليها، بينما كانت في السابق غير متفقة مع أي دولة من الدول المطلة على البحر الأحمر.

من هنا ولأسباب أخرى لا يمكن فصل الشراكة الإسرائيلية السعودية الأمريكية في العدوان على اليمن 2015م.

ومنذ مجيئ «محمد بن سلمان» و«محمد بن زايد» و«ترامب» تطورت الشراكة الخليجية الإسرائيلية والأمريكية إلى تقرير مصير القضية الفلسطينية، والاتجاه نحو تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى «صفقة القرن»، وقد بات من الواضح أن الدور «السعودي» و«الإماراتي» و«البحريني» يرتبط مباشرة بمحاولة التسويق ودفع الثمن المالي لتنفيذ الصفقة، مؤتمر المنامة الذي حضره «كوشنر» صهر الرئيس الأمريكي، كان الشق المالي للصفقة التي بدأت تذهب إلى الفشل بسبب الرفض الفلسطيني والمقاومة العربية والإسلامية، وبسبب صمود اليمن في وجه العدوان، وهذا ما تحدث به «السيد نصر الله» عندما تحدث عن صفقة القرن، وحين نورد هنا حديث «نصر الله»، نحن نستدل بشخص يعتبر أكثر الأشخاص اطلاعاً على الملف الإسرائيلي وتحركات العدو الإسرائيلي؛ باعتبار أنه يخوض حرباً مع الكيان منذ أكثر من عشرين عاماً، ودون أن ننسحب نحو تحليل «صفقة القرن» وتفاصيل كثيرة متعلقة بهما ومستقبلها .

المهمة الأخطر في ما يتعلق بالشراكة الخليجية وبعض العربية مع كيان العدو الإسرائيلي ترتبط بدور سعودي إماراتي في دفع دول عربية -من بينها السودان- إلى بناء علاقات مع كيان العدو الإسرائيلي، هذا الأمر ليس خفياً، وهو مثار نقاش غربي أوروبي وأمريكي من زوايا متعددة، وقد نشر موقع «انتليجينس أون لاين» أن الإمارات تحث تدريجاً الحركات التي تدعمها بتطبيع العلاقات مع «إسرائيل»، وأن المصالح الأمنية والاقتصادية وراء هذا التقارب.

لقد كان مؤتمر وارسو 2019م، الذي حضرته دول المحور الأمريكي: السعودية، الإمارات، مصر، البحرين، مع الولايات المتحدة الأمريكية وكيان العدو الإسرائيلي -واعتبروها قمة عربية أمريكية إسرائيلية- يمثل صورة واضحة من الشراكة مع كيان العدو الإسرائيلي، ولكن كان المثير للاهتمام حينها: أن السعودية جاءت بممثل عن حكومة «عبد ربه منصور هادي»؛ لحضور المؤتمر السعودي الأمريكي الإسرائيلي، إذ ظهر «وزير الخارجية» في حكومة عبد ربه منصور هادي -التي تقيم في السعودية- إلى جوار «نتنياهو» تماماً.

ماذا كانت تمثل حكومة هادي -غير الموجودة على الأرض- في مؤتمر وارسو التطبيعي؟!بالميزان الأمني والعسكري والاستراتيجي لا تعني شيئا، خاصة أن هذه الحكومة فاقدة للقدرة ولم تستطع العودة إلى اليمن حتى مع مساندة عسكرية أمريكية وإسرائيلية، لكنها كانت تعني شيئا واحداً: أن السعودية والإمارات يستطيعون جلب حلفائهم من الدول العربية إلى أي مؤتمر تطبيعي مع كيان العدو الإسرائيلي.

«إسرائيل» تعتبر هذا إنجاز مهم تفاخر به «نتنياهو» خلال حملة انتخابية. الكيان بالشراكة مع السعودية والإمارات يستطيع بناء علاقات جديدة مع دول وكيانات جديدة ودون أن يخسر شيئاً أو أن يلعب بأي كرت، علاقات مدفوعة الثمن من السعودية والإمارات، تكررت فكرة دفع حكومة هادي إلى علاقة مع كيان العدو الإسرائيلي برعاية سعودية وانطلاقاً من مؤتمر وارسو، إلى دفع الإمارات أدواتها في جنوب اليمن وما يسمى الانتقالي إلى فتح علاقة مع كيان العدو الإسرائيلي، سريعاً تحدثت الصحف الإسرائيلية بهذه العلاقة، الكشف السريع هي استراتيجية إسرائيلية، كيان العدو لم يعد يقبل أي علاقة سرية، كل علاقة يجب أن تظهر على السطح، التنسيق مع كيان العدو يجب أن يعلن، هكذا تفعل «إسرائيل».

تصريحات «الانتقالي» التي اعترفت بوجود هذه العلاقة، بل قال أحدهم: (هاني بن بريك) أنها أمنية لا قيمة لها؛ لأن القرار هنا إماراتي وليس انتقالي؛ لأنه حتى لو نفى الانتقالي وجود هذه العلاقة وعدم قبوله بها، لن يكون لهذا النفي أي قيمة تذكر.

يتشابه الأمر كثيراً مع العلاقة التي رعتها الإمارات بين كيان العدو الإسرائيلي وما يسمى «المجلس السيادي السوداني»، وكشف عنها مطلع هذا العام 2020م، ولو تأملنا قليلاً لوجدنا أن المبررات لوجود هذه العلاقة هي أخطر من العلاقة نفسها، إذ أن المبررات تجعل من كيان العدو الإسرائيلي ليس فقط «دولة»، بل بوابة مهمة لاستقرار أي دولة أو كيان في المنطقة العربية، هذا ما قاله بالضبط وزير الخارجية القطري الأسبق «حمد بن جاسم آل ثاني» عندما تحدث أن «إسرائيل» بوابة لعلاقة قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية.

هذا الشكل من العلاقة مع كيان العدو الإسرائيلي هو الأخطر على الإطلاق.

لن نتحدث هنا عن أشكال العلاقات السياسية والإعلامية التي ظهرت على السطح برعاية سعودية وإماراتية باعتبار أن الجميع بات يتابعها بشكل أوسع، ما أريد الإضاءة عليه هنا، هو شكل الشراكة وليس التطبيع فقط.

ينبغي الإشارة هنا إلى أن ملف الإخوان المسلمين وكيان العدو الإسرائيلي يمكن الحديث عنه في ملف مستقل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى