أحدث الأخبارالعراقايرانمحور المقاومة

بغداد في جولة ظريف الاقليمية.. ادوار فاعلة في المعادلات الجديدة

مجلة تحليلات العصر الدولية - عادل الجبوري

الزيارة الاخيرة لوزير الخارجية وعميد الدبلوماسية الايرانية محمد جواد ظريف للعراق، انطوت، من اية زاوية قرأناها ونظرنا اليها، على اهمية كبيرة، ربما تفوق زيارات سابقة له ولمسؤولين ايرانيين رفيعي المستوى لجارهم الغربي-العراق.
اهمية زيارة ظريف الاستثنائية تكمن في انها جاءت ضمن جولة اقليمية، شملت عدة دول في المنطقة، من بينها قطر وعمان والكويت، وكذلك جاءت في ظل حراك اقليمي على قضايا وملفات مختلفة، تعد طهران طرفا رئيسيا ومحوريا فيها، وبغداد معنية بها ويمكن ان تضطلع بأدوار ومهام غير قليلة ولا هامشية في توجيهها، ولانها-اي الزيارة-لم تكن بعيدة عن سياق ومسار السياسة الايرانية في التعاطي الايجابي مع الملف العراقي، والسعي الدائم لتقريب وجهات نظر ومواقف الفرقاء السياسيين العراقيين، وفك وحلحلحة العقد القائمة بينهم، في وقت تبرز الكثير من التحديات الخطيرة والمقلقة في المشهد السياسي العراقي.
ولعل تفكيك الرسائل التي اطلقها الوزير الايراني من العراق، تكشف وتوضح بما لايقبل اللبس والشك والغموض، ان بغداد يمكن-ويفترض-ان تكون حاضرة وفاعلة بدرجة اكبر، وهي مهيأة لذلك اكثر من اي وقت مضى، وان اي ترتيبات، لايمكن ان يكتب لها النجاح الحقيقي، فيما اذا كانت بغداد غائبة منها او بعيدة عنها.
في بغداد واربيل، التقى ظريف، كبار الشخصيات السياسية الرسمية، بدءا من رئيس الجمهورية برهم صالح، مرورا برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، ورؤساء حكومات سابقين، وزعامات سياسية ودينية من مختلف التوجهات والانتماءات والعناوين، ونخب اكاديمية وثقافية متنوعة، اما بصورة ثنائية او جماعية. وهذه اللقاءات، ببعديها الكمي والنوعي، كانت واحدة من ابرز واهم الرسائل التي حملتها زيارة وزير الخارجية الايراني، ومفادها ان طهران، تتعاطى مع العراق بنسيجه السياسي والاجتماعي المتعدد الالوان والاطياف، برؤية منفتحة وواقعية بعيدا عن الحساسيات الانفعالية والمفتعلة، والتراكمات السلبية والمختزنة، انطلاقا من حقيقة تكرر التأكيد عليها في مجمل اللقاءات، وهي “ان ايران والعراق تجمعهما اواصر تأريخية عريقة قائمة على المشتركات الدينية والثقافية والاجتماعية والجغرافية الرصينة بين شعبي البلدين، وان هذه العلاقات تخدم المصالح الثنائية والاقليمية جمعاء”، وبالفعل فأن تجربة الاعوام الثمانية عشر المنصرمة، اثبتت هذه الحقيقة، بحيث ان مصاديقها الكبيرة والكثيرة في شتى الجوانب والمجالات، كانت ومازالت ماثلة وشاخصة للجميع.
والرسالة الاخرى في زيارة ظريف، تمثلت في التشديد على دور بغداد المحوري والهام في ايجاد الحلول والمعالجات المناسبة لحلول ومشاكل المنطقة، وبالتالي المساهمة الفاعلة في تعزيز الامن والاستقرار الاقليمي، بما يعود بالنفع والفائدة على كل الشعوب والدول، التي تجمعها مساحات واسعة من المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة، فضلا عن مواجهتها لذات المخاطر والتحديات. وهذا ما اشار اليه الرئيس العراقي برهم صالح خلال لقائه الوزير ظريف، بقوله “ان بلدان المنطقة تواجه تحديات عدة، وينبغي العمل والتنسيق المشترك والتزام الحوار لتجاوز الخلافات والاختلالات التي تكتنفها، وان سياسة الانفتاح التي يتبناها العراق في محيطه الإقليمي والدولي تهدف لبناء علاقات متوازنة داعمة لجهود تخفيف التوترات والأزمات”. في ذات الوقت الذي اكد فيه ظريف ان بلاده “ترحب بالدور المهم للعراق، سواء على مستوى العلاقة بين البلدين او على مستوى الملفات الاقليمية بشكل اوسع، ودور العراق في تبني سياسة الحوار والتهدئة من اجل امن واستقرار وسلام المنطقة”، معربا عن الامل في “أن اداء هذا الدور من قبل الأخوة العراقيين، سيحقق تطورات إيجابية في المنطقة”.
وقد تكون هذه اشارات الى جهود الوساطة التي تبنتها بغداد مؤخرا لحلحلة الخلافات بين طهران والرياض، عبر استضافتها لمباحثات بين ممثلين عن الجانبين، يبدو انها خرجت بنتائج اولية ايجابية، عكستها تصريحات متفاءلة نسبيا لمسؤولين كبار من العاصمتين، فضلا عن قدرة بغداد على الاضطلاع بأدوار مماثلة، من خلال قنوات رسمية وغير رسمية، في حلحلة بعضا من عقد الملف اليمني والملف السوري.
وبما ان القضايا الاقليمية مترابطة والملفات متداخلة، فمن الطبيعي جدا، ان يفضي احراز تقدم في اي منها الى تحقيق ذات الشيء في بقية القضايا والملفات، وكل ذلك لابد ان تنتهي مخرجاته في جزء كبير منها الى المشهد العراقي العام، لاسيما وان العراق اصبح بعد سقوط نظام صدام في ربيع عام 2003، بحكم ظروف وعوامل مختلفة، بؤرة لتنافس وصراع اقليمي ودولي، وميدان لتصفية الحسابات، وملاذ وساحة مناسبة للجماعات والتنظيمات الارهابية المسلحة، بيد انه رغم ذلك، نجح في تخطي الكثير من المصاعب والعقبات والمخاطر والتحديات، ليستعيد قدرا كبيرا من دوره ومكانته وحضوره وتأثيره.
وطهران التي ترى ان الامن والاستقرار الاقليمي الحقيقي لايمكن ان يتحقق بأستمرار التواجد العسكري الاميركي، وهيمنة ونفوذ واشنطن على القرار في بعض دول المنطقة، تشدد على ضرورة تفعيل المطاليب والدعوات العراقية الرسمية والشعبية العراقية الى اخراج القوات الاميركية من البلاد، كمدخل ومفتاح اساسي لاستعادة السيادة الوطنية والاتجاه نحو تكريس الاستقرار الداخلي والخارجي، وتلك هي الرسالة الاخرى التي حملتها زيارة ظريف لبغداد وعموم جولته الاقليمية في الدوحة ومسقط والكويت.
وقد اطلق ظريف هذه الرسالة، حينما كان موقع جريمة اغتيال القائدين قاسم سليماني وابو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي، اولى محطات زيارته للعراق، الى جانب تصريحاته على هامش لقائه رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، التي اكد فيها ضرورة تنفيذ القرار الصادر عن البرلمان العراقي القاضي بمغادرة القوات الاجنبية، احتراما لسيادة العراق، معتبرا “ان اقدام القوات الاميركية على اغتيال الشهيد الحاج قاسم سليماني والشهيد ابومهدي المهندس في ارض العراق، يعد جريمة”.
وفي الاطار العام، وبصرف النظر عن الاسباب والدوافع، فأن جهود ومساعي اعادة احياء الاتفاق النووي، وحلحلة الخلافات، وتقريب وجهات النظر بين اطراف الخلاف والصراع في المنطقة، يعني بلورة حقائق ومعطيات جديدة، وصياغة واقع اخر-وان كان ذلك صعبا ويتطلب وقتا طويلا-تكون كل من بغداد وطهران ارقاما فاعلة ومؤثرة في معادلاته وتوازناته ومساراته، وزيارة ظريف واحدة من مؤشراته ودلالاته، وهي بلاشك ليست الاولى، ولن تكون الاخيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى