أحدث الأخبارلبنان

بيروت بالعربية…تصبح أجمل

مجلة تحليلات العصر الدولية

سامي كليب

حلّت مصرُ بكل ثقلها المعنوي في بيروت، ليس فقط لربط جسور الإغاثة مع البلد المنكوب، ولكن أيضا لإعادة الحضور العربي الى العاصمة التي تحمّلت عن العرب الكثير منذ اتفاق القاهرة عام ١٩٦٩ لتشريع العمل الفلسطيني المُسلّح على أرض لبنان حتى اليوم . وقد اختصر الشاعر العربي السوري الكبير نزار قبّاني حال بيروت بقوله : ” جعلناكِ وقوداً وحطب/ للخلافات التي تنهشُ من لحمِ العرب، منذ أن كان العرب”

اشتاقت بيروت لهذا الحضور العربي الكبير، في وقت صارت العروبة تُهمة، والقضية الفلسطينية تُهمة، والتضامن العربي نُكتة، وهي التي كانت ملاذا لكل عربي هجر وطنه بسبب القمع او رغبة بالنضال للقضايا المحقة، وساحة لكل حالم بالحرية الحقيقية فكرا وكتابة وسياسة واعلاما، ومقصدا لكل راغب بزرقة البحر ونعمة الجبل وما بينهما من حُسن معاملة ولطافة استقبال.

جاءت مصرُ، والعراق، والأردن، والجزائر والمغرب والكويت والامارات وقطر وسلطنة عمان والسعودية وتونس والبحرين وجامعة الدول العربية وغيرها. جاءت رغم التناقضات القائمة في ما بينها، وجاءت فيما اليأس العربي بلغ منتهاه من أي تضامن عربي، بعد مآسي اليمن وليبيا والعراق وسورية وفلسطين والسودان وغيرها… فانتشرت المستشفيات الميدانية، ووصلت المساعدات من كل حدب وصوب، وانتعشت القلوب العربية في بيروت، وفرحت قلوب اللبنانيين المحبين للعرب رغم كل ما حصل في العقود الماضية.

على أرض لبنان استشهد ٣٥ سوريا هربوا من الموت في بلادهم، فامتزجت دماؤهم مع دماء اشقائهم اللبنانيين على أرض الوطن الذي كان مع الأردن الأكثر استضافة للنازحين السوريين منذ نكبة الحرب. صحيح ان البعض في لبنان عبّر عن عنصرية مقيتة سابقا، لكن قلوب كثيرين تنبض على قلب العروبة مهما اختلفت السياسات. ورغم مصاعب سورية، فهي تدرس إمكانيات المساعدة، اما عراق الرافدين فهبّ بنخوته المعهودة لتقديم كل حاجة لبنان من النفط ومساعدات أخرى.

جاء وزير الخارجية المصري سامح شكري، فيما بلادُه تقف على شفير الحرب مع تركيا في ليبيا، وعلى شفير الحرب أيضا مع اثيوبيا بسبب سد النهضة، جاء أيضا فيما تُكرر القاهرة ومعها عواصم عربية منذ سنوات أن ” التمدد الإيراني” بات خطرا على العرب، لكن العرب لا يرون شيئا من بعضهم البعض مقابل هذا الحضور الإيراني الجيد للبعض والسيء للبعض الآخر. جاء سامح شكري يبني جسور اغاثة وجسورا سياسية، فالقاهرة لن تقصر دورها على المساعدات الآنية وانما ستعمل على مدى اطول نظرا لخبراتها الكبيرة في مجال الموانيء والكهرباء واعادة الاعمار، ولكن ايضا في التحقيق الجنائي بتفجير المرفأ.

في هذه الحضور العربي جزء عاطفي كبير، فالعرب حتى ولو تخلوا رسميا عن بيروت في أوقات كثيرة، الا انهم يحفظون لها حبا كبيرا لم يخبُ رغم كل الاهتزازات. وفي هذا الحضور أيضا رسائل سياسية واضحة، كان الأكثر تعبيرا عنها سامح شكري. فمصر ومهما تكسّرت النوائب عليها حاليا ، تبقى حجر الرحى لأي تحرك عربي مهما سعى البعض الى احتلال مكانها في المشهد العربي الكبير.

هذه الرسالة العربية تتناغم في بعض جوانبها مع الرسالة الدولية التي حملها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان، ومفادها ان النهج الحالي للحكم في لبنان ما عاد ينفع، ولا بد من تغييره ولا بد من مقاربة مختلفة وجدية خصوصا ان ثمة اجماعا عربيا ودوليا على المطالبة بالتغيير. لعل هذا ما شدد عليه سامح شكري في لقاءاته المهمة في بيروت.

الرسالة نفسها من التضامن والرغبة بالإسراع في الحلول السياسية حملها ايضا وزير الخارجية الأردني، وحملتها جامعة الدول العربية، ذلك ان جميع هذه الدول كما العالم يخشون فعلا على الانهيار الكامل للبنان، اذ بقي شيء فيه لينهار.

صحيح ان الدول العربية ليست دولا فاضلة وان العديد منها يحتاج أيضا الى إصلاحات مثل لبنان وان وبعضها يعيش أزمات اقتصادية وصحية كوارثية، لكن الأكيد أن حجم الانهيار اللبناني، يفتح الأبواب على كل المخاطر، وذلك بعد ان تحول لبنان الى ساحة للصراع الدولي الأميركي الصيني الروسي، وساحة للتنافس العربي الإيراني، وقد يصبح أيضا ساحة للصراع العربي التركي، ناهيك عن الخطر الدائم المحدق بالوطن والمتمثل بإسرائيل.

هل كل اللبنانيين يطمئنون لهذا الحضور العربي الكثيف؟

لا شك ان جميعهم يرحبون بالمساعدات، اما في الجانب السياسي، فثمة شكوك كثيرة تتعزز عند حزب الله وحلفائه، ذلك ان البعض في المحور الممتد من طهران حتى بيروت مرورا بدمشق وبغداد، يعتقد أن هذا الحضور ليس بريئا وانه يتناغم مع فكرة التدويل ، وان الهدف هو المساهمة في تطويق هذا المحور ونزع سلاح حزب الله او على الأقل تفكيك منظومته السياسية ورفع مستوى الضغوط عليه.  كما ان قسما من اللبنانيين يؤيد ضمنيا الحضور التركي أكثر من تأييده للحضور العربي وذلك لأسباب كثيرة تاريخية  وايديولوجية.

بغض النظر عن هذا الانقسام اللبناني، فان لبنان بحاجة ماسة لهذا الحضور العربي والدولي من القاهرة حتى بكين وواشنطن ودبي وموسكو وباريس، فهذا هو السبيل الوحيد للحصول على مساعدات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعد ان نكبه فساد ساسته. و  بيروت تُصبح أجمل مع الحضور العربي، فلا هي تستطيع ان تعيش بلا عمقها العربي، ولا العرب يستحقون هذا اللقب بلا عروس العروبة و”ست الدنيا” كما وصفها نزار قبّاني أو كما قال عنها محمود درويش :” بيروت خيمتُنا الأخيرةْ /بيروت نجمتُنا الأخيرةْ”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى