أحدث الأخبارالعراقشؤون افريقيةمحور المقاومة

بين طائرة الساحة الحمراء في موسكو وجريمة ساحة الطيران في بغداد..!

مجلة تحليلات العصر - محمد صادق الحسيني

استفاق السوفيات في ٥/ ٣/ ١٩٨٧ على نبأ هبوط طائرة شراعية صغيرة يقودها فتى الماني في مقتبل العمر في الساحة الحمراء قرب الكرملن…! هذا النبأ غير الاعتيادي المدبر من قبل الناتو على الظاهر كان الشرارة على ما يبدو التي اطلقت يد غورباتشوف وقتها في شن حملته الداخلية التي بدأت بقرارات حزبية خطيرة وانتهت ببيع الاتحاد السوفياتي للغرب..!

منذ ان اصبح ميخائيل غورباتشوف زعيماً للحزب الشيوعي السوفييتي ، سنة ١٩٨٥ ، بدأ بالحديث عن ” اعادة هيكلة ” الاقتصاد السوفييتي . اي انه بدأ يعمل على انهاء سيطرة الدوله على الحياة الاقتصاديه والدورة الاقتصادية والتخطيط الاقتصادي المركزي . وهو ما يعني التوجه الى اقتصاد السوق ….الاقتصاد الرأسمالي. وهي النظريه التي اسماها لاحقاً
“البيريسترويكا”
اي اعادة الهيكلة بالروسية.
لكنه لم يجرؤ على طرح نظريته هذه ، بشكل رسمي على اطر الحزب الشيوعي القيادية وعلى اجهزة الدولة السوفيتيه لاحقاً ، الا في الجلسة العامة للجنة المركزيه للحزب الشيوعى السوفييتي ، التي عقدت في شهر ٦/١٩٨٧ ، حيث طرح اطاراً عاماً لخطة البيريسترويكا ، التي وافق عليها مجلس السوڤييت الاعلى ( السلطة التشريعيه العليا في الدوله آنذاك ) في شهر ٧/١٩٨٧ .

وهنا يطرح السؤال المهم : لماذا انتظر غورباتشوف من سنة ١٩٨٥ حتى ١٩٨٧ كي يطرح خطته المتعلقه بالتغيير !؟
وما الذي جعله يطرحها في شهر ٦ /١٩٨٧ ويحصل على موافقة مجلس السوڤييت الاعلى عليها ، بعد شهر من طرحها على اجتماع اللجنه المركزيه للحزب الشيوعي السوفييتي ،في شهر ٧ /١٩٨٧ .

كانت أفكار وخطط غورباتشوف تواجه معارضةً شديدةً في اوساط قيادة الحزب الشيوعي والدولة السوڤييتيه ومعارضةً اكثر شراسةً من قادة القوات المسلحه السوڤييتية ، صاحبة التضحيات الاكبر التي دفعها الاتحاد السوڤييتي ، للتحرر من الاحتلال النازي ، ابان الحرب العالميه الثانيه ، من سنة ‪١٩٤١ – ١٩٤٥‬ (في الاتحاد السوڤييتي ) . الامر الذي جعل هذه القيادة تتخذ مواقف شديدة التصلب ، تجاه اي انفتاح نحو الغرب ، وذلك حفاظاً على سيادة الدولة السوڤييتية ووحدتها ، في الحدود التي كانت قائمة آنذاك ( بما في ذلك دول الكتله الاشتراكيه / حلف وارسو ) .

لكن هبوط الفتى الالماني ، ماتياس روست Mathias Rust المولود بتاريخ ١/٦/١٩٦٨ ، بطائرته الشراعية الصغيرة ، ذات المحرك الواحد ، من طراز سيسنا ١٧٢
‏Cesna
172
‏P D – ECJB
، في وسط الساحة الحمراء ، وعلى بعد امتار من اسوار الكرملين ، قد اعطى غورباتشوف الفرصة الذهبيه لاطلاق انقلابه الاستراتيجي على السياسة السوڤييتيه والنظام الاشتراكي بشكل عام .

فقد سارع غورباتشوف ، وتحت تأثير الصدمة التي احدثها ” اختراق ” هذه الطائره الصغيره لانظمة الدفاع الجوي السوڤييتية ، بعد ان قطعت مسافة ٧٠٠ كم داخل الاجواء السوڤييتية ، من هلسنكي بفنلندا الى موسكو ( انطلقت الطائره يوم ١٣/٥/١٩٨٧ من مدينة هامبورغ الالمانيه وتوقفت في هلسنكي حتى يوم ٢٨/٥/١٩٨٧ ) ، سارع غورباتشوف الى اتخاذ الاجراءات الفوريه التالية :

1. اقالة وزير الدفاع السوڤييتي ، المارشال سيرجي ليونيدوڤيتش سولوكوف Sergey Leonodovitch Sokolovic ، بتاريخ ٣٠ /٥/١٩٨٧ .

2. اقالة قائد سلاح الجو السوڤييتي وقائد سلاح الدفاع الجوي معاً ، مارشال الجو اليكساندر ايڤانوڤيتش مولدينوڤ Alexander KIvanovich Koldunov .

3. اقالة عشرات الجنرالات وكبار الضباط ، في مختلف صنوف اسلحة القوات المسلحه السوڤييتيه ، والذين كانوا من أشد معارضي سياسة البيريسترويكا لغورباتشوف .

وقد تبع ذلك حملة تطهير واقالات لجنرالات وضباط الجيش ، الذين اعتبرهم غورباتشوڤ حجر عثرة ، في طريق المضي قدماً في تفكيك أسس الدولة السوڤييتية ، القائمة على أساس الاقتصاد الاشتراكي المخطط والمركزي وملكية الدوله لكافة وسائل الانتاج ، من مواد خام وثروات طبيعيه ومصانع واراضٍ زراعية ومراكز ابحاث وعلوم وغير ذلك .
وقد استمرت سياساته هذه طوال السنوات الثلاث التي اعقبت حادث الطائره وصولا الى بدء تفكيك الاتحاد السوڤييتي ، في شهر ٣/١٩٩٠ ، وانتهاءً بزوال كيان الدولة رسمياً ، بتاريخ ٣١/١٢/١٩٩١ . الامر الذي فتح الباب على مصراعيه لنهب ممتلكات الدولة والاستيلاء على مقدراتها وبيعها شيئا فشيئاً لعصابات المافيا المحلية والدولية وايصال الشعب الروسي الى حالة من الفقر والعوز وتراجع الدولة الروسية ودورها العالمي الى مستويات “دول العالم الثالث ” . وقد استمر هذا الوضع حتى وصول ڤلاديمير بوتين الى السلطة ، كرئيس للوزراء سنة ١٩٩٩ ثم رئيساً لجمهورية روسيا الاتحاديه حتى اليوم .

فهل ثمة تشابه بين ما شهده العراق مؤخراً فور حادثة تفجير ساحة الطيران المفجعة من اقالات جماعية لقادة الامن والعسكر من قبل الكاظمي حتى قبل انتظار نتائج التحقيق، وما حصل بعد حادثة طائرة الساحة الحمراء في موسكو على يد غورباتشوف..!؟
سيقول البعض ان الكاظمي ليس غورباتشوف وهذا صحيح.
وان موسكو السوفياتية ليست بغداد العربية… لكن ثمة من يقول هنا ان بغداد نصف المقاومة – نصف المقاولة قد تكون تشبه موسكو في بعض صفحاتها رغم اختلاف حيثيات الحدثين…!
من جهة اخرى فان الغرب هو الغرب في جوهره ، وان الذين ارسلوا الطائرة الشراعية هم الذين اداروا واشرفوا ولازالو يديرون ويشرفون ويناورون بعديد القاعدة واخواتها….
ويعتبرون بغداد موقعاً ودوراً وبيئة تصلح لتكون مايشبه موسكو آنذاك خاصة مع بايدن المعروف بمشروعه الشهير لتقسيم العراق ، وحصان طروادة جاهز ويلعب بكل وقاحة بمقدرات الناس دون رادع…!
وعملية بغداد وما تلاها في صلاح الدين انما هي عمليات اسرائيلية – سعودية بايقاع امريكي بامتياز..!
ثم ان ما حصل من ردة فعل سريعة وجازمة وكان الامر معد سلفاً ، باقالات جماعية ، لكبار قادة القوات المسلحة والاجهزة الامنية ، اثر حدث بغداد الصادم ، يظهر للمراقب وكأنه مقدمة لتسليم مقدرات البلاد للاحتلال الاميركي الاسرائيلي وتفكيك الدولة الوطنية العراقية وبلغة وارقام واقتصاد و”قروض” تشبه عالم السوفيات !؟
سؤال برسم كافة المعنيين من الوطنيين العراقيين من قوى وتيارات واحزاب وجماعات ورموز ونخب وفي الاساس برسم الشعب العراقي الصابر والمحتسب الذي لايزال مسجى جريحاً وشهيداً على “جسر الائمة” منذ الغزو الامريكي البغيض في العام ٢٠٠٣ مروراً بمذابح الساسة التكفيريين له وصولاً الى متاجرات القادة التجهيليين ، بدمه وبمطالبه …!
اجابة ينتظرها الرأي العام العراقي من قادته المخلصين على ان تكون هذه المرة من نوع
” السهل الممتنع” وليس من نوع ” هذا قبر حجر بن عدي رضوان الله عليه قتله سيدنا معاوية رضوان الله عليه..!”
بعدنا طيبين قولوا الله

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى