أحدث الأخبارلبنانمحور المقاومة

تأليف الحكومة اللبنانية بين الابتزاز الأمريكي والسعي الفرنسي

مجلة تحليلات العصر - علي حكمت شعيب

مع الهدوء السياسي النسبي الذي أرخى بظلاله على الساحة اللبنانية، والذي نتج منه تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة اللبنانية.

استبشر الكثير من اللبنانيين خيراً لرؤيتهم قبس ضياء في النفق الاقتصادي والسياسي المظلم الذي ألقتهم فيه السياسات الأمريكية الهادفة الى تطويع البلد للقبول وعدم الاعتراض على شروطها، من صفقة القرن الخائبة وتوطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين وتجريد المقاومة من سلاحها ومنع التعامل مع قادتها السياسيين والتسليم لخياراتها في ترسيم الحدود البحرية والبرية وتفويض شركاتها سلطة استخراج الثروات النفطية والغازية، وذلك في سياق خطة بدأ تنفيذها بنعومة منذ حراك ١٧ تشرين المطلبي السنة الماضية، والذي حمل شعارات جاذبة وقادته في الظل جماعات المنظمات غير الحكومية التابعة.

لكن سرعان ما بدأ هذا الأمل بالخروج يخبو مع الشروط التي بدأ الرئيس الحريري يتمسك بها، انسجاماً مع الضغط الخارجي وخضوعاً له وخوفاً من تبعات مخالفته.

والأمر اللافت للنظر هو هذا الحرص الأمريكي والغربي الذي أظهره الأمريكي تارة على لسان سفيرته في لبنان شيّا، وطوراً على لسان الرئيس الفرنسي ماكرون ومبعوثه دوريل، من أن اللبنانيين مدعوون لتشكيل حكومة مطهرة من الفاسدين من أصحاب الاختصاص غير المنتمين الى أحزاب لقيادة سفينة نجاة البلد الى ساحل الأمان الاقتصادي والسياسي.

وما يدعو الى العجب أن البلد قد أدارته منذ التسعينات حكومات الحريرية السياسية التي حضرت فيها أدوات أمريكا بقوة وأمسكت بقراراتها المصيرية ووضعت سياساتها الكبرى، وقد أدت سياسات تلك الحكومات وسلوكياتها إلى أخذ البلد الى شفا حفرة الانهيار الاقتصادي والسياسي.

واليوم يدّعي المحور الأمريكي إنقاذ البلد عبر رمز الحريرية السياسية الأول الذي كلف تشكيل الحكومة، مع مشاركة شكلية فيها، للمكوّنات الأخرى من أحزاب وقوى سياسية لها تمثيلها الشعبي الوازن في المحلس النيابي، ويضغط للإمساك بالقرار في هذه الحكومة عسى أن يحصد شيئاً من التنازل في الموقف اللبناني للقبول بإملاءاته وشروطه التي ذكرت، في محاولة للقفز عن نتائج الانتخابات النيابية، ويدعو الى انتخابات مبكرة للإمساك بالسلطة في البلد عبر أدواته.

وما يجدر ذكره وتوضيحه:

أن ليست كل مفاتيح تشكيل الحكومة بيد الفرنسي الذي قد يكون حريصاً على السير في خيارات سياسية براغماتية غير حدّية واقعية تأخذ بالحسبان البيئة السياسية اللبنانية وتغيراتها وعواملها المؤثرة.

لكن المفتاح الأكبر هو بيد الأمريكي المتهوّر الذي يريد أن يكسب في هذا الوقت حكومة موالية له في لبنان، من ضمن استراتيجية ترامبية يعتمدها ضد كل من يعادي أمريكا في المنطقة، ومن هنا ندرك فذلكة العقوبات بالفساد على الوزير باسيل، فيما كانوا يفاوضونه على فك تحالفه مع حزب الله، والعقوبات السابقة على الوزيرين خليل وفنيانوس، وذلك لحصد نتائج في المفاوضات على تشكيل الحكومة.

وما يثير الدهشة تجاوز الفرنسي لحدود دوره التوسطي، وتنصيب نفسه أميراً علينا يتدخل في تسمية وزرائنا ووضع وتنفيذ سياساتنا التفصيلية، ملقياً الدروس في العفة السياسية التي انتهك طهرها أزلامه وأزلام أمريكا الفاسدون بشكل أساسي.

فهل حكومة الإنقاذ أو الفرصة الأخيرة كما يسمونها تعني حكومة لا قاعدة تمثيل شعبي وازنة لها منقادة للإملاءات الأمريكية يسوقها الفرنسي لدينا.

وهل منع تحويل الأموال الى البلد، والتلاعب بسعر الصرف للعملة الوطنية عبر الضغط على حاكمية مصرف لبنان، وعدم الطلب من الفاسدين الذين هرّبوا أموالهم الى الخارج إعادتها الى البلد، خطوات تصب في إطار الإنقاذ.

وهل تجريم الآخرين من حلفاء المقاومة بالفساد دونما دليل أو حجة يخدم ما يدعون اليه من أمان اقتصادي وسياسي.

كخلاصة لا احتمالية مرجحة لانفراج حكومي قبل ذهاب هذه الحثالة شيّا وبومبيو ومن خلفهما ترامب ومجيء إدارة أمريكية أخرى أقل سوءاً منها ترفع نسبياً أيديها عن التدخل في شؤوننا وتكف عن استخدام أساليب الضغط الاقتصادي، ينسق معها الفرنسي للخروج بحكومة واقعية مقبولة من الأطراف السياسية الوازنة كافة، تتحمل مسؤلية إنقاذ البلد من تداعيات السياسات الأمريكية الخبيثة التي أدخلته نفق الأزمة الاقتصادية والسياسية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى