أحدث الأخبارالعراقايرانمحور المقاومة

تجليات قرآنية قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس

مجلة تحليلات العصر الدولية - حازم أحمد فضالة

 

1-كانون الثاني-2022

يقول سبحانه وتعالى (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )، فالقرآن الكريم ينبضُ حيًّا مثل كائن من نور دُرِّيّ للأبد، لذلك تظل آياته تتحقق متجليةً في كل عصر، ما علينا إلا النظر بأدب وتجرد إلى عمقه اللامنتهي نتدبَّر شيئًا من كنوزه، فأيّ سبيل سلكت منطلقةً من الإمام علي (ع)، إلى القائدَين الشهيدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (رض)، ومِن ثَمَّ كيف تجلَّيَا في النصر القرآني في سورة الأحزاب، وعلاقتهما بحضور اللفظ القرآني (صَيَاصِيهِمْ) الذي هو أساس مقالنا هذا.

(1)
قائدا النصر قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (رض):

أولًا: نجحا بتأسيس عمر جهاديٍّ إسلامي يلامس نصف قرن، مثقل بالجروح والأخطار، والطمأنينة!
ثانيًا: كانت حركتهما العسكرية تلازمها المبادئ الإيمانية والأخلاقية والإنسانية.
ثالثًا: امتازا بالحضور الديني، والثقل القرآني، فكان الوضوء يسربل أطرافهم، وإقامة الصلاة تُجلجل في حناجرهم، ووجوههم وضّاءَة إثر الاطمئنان النفسي، والإنابة إلى الله والتوكل عليه.
رابعًا: هَزَما المحور الأميركي، على طول ميدان المنازلة الجيوسياسي.
خامسًا: هَزَما الحصون التي يتمنَّع بها الأميركي وأحزابُهُ، وحولّاها عمليًا إلى (صَيَاصِيهِمْ)؛ فأين مشاريع استعمارية نحو: الشرق الأوسط الجديد، داعش، صفقة القرن… وغيرها!
سادسًا: كانا مصداقًا للرعب الذي يقذفه الله سبحانه في قلوب الذين كفروا، ومصداقًا للحق الذي يدمغ الباطل فيتركه زاهقًا!
سابعًا: كانا التجلي والمصداق في عصرنا لحركية وفاعلية الآية المباركة: (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) [الأحزاب: 26].

(2)
معركة الأحزاب أو الخندق

بدأت معركة الأحزاب، وكانت مشحونة بالخوف والرعب والظنون المختلفة التي تختلج صدور المسلمين: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ… )، لكن المسلمون انتصروا في النهاية، الأسباب والكيفية:

أولًا: حضور الثقل الربَّاني الإيماني لصاحب الرسالة للنبي الأكرم (ص).
ثانيًا: خندق العارف سلمان الفارسي (رض).
ثالثًا: حضور الفارس الربّاني علي بن أبي طالب (ع).
رابعًا: كان بنو قريظة يتحصنون في حصونهم المتينة المنيعة، وقد نكثوا العهد مع المسلمين بعدم التحالف مع المشركين ضد الإسلام.
خامسًا: برز عمرو بن ود العامري للمسلمين، يرعد ويزبد متحديًا جيش النبي الخاتم (ص) بالمبارزة!
سادسًا: برز الإمام علي (ع) إلى عمرو بن ود، فبارزه عليّ وقتله، وهُزِم المشركون وبنو قريظة (الأحزابُ) الهزيمة الكبرى تحت بريق سيف علي (ع)، (… وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ… ).

(3)
آية النصر في سورة الأحزاب وتفصيل (صَيَاصِيهِمْ):

(وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا)
[الأحزاب: 26].
وقفة مع الآية المباركة:
أولًا: استعمل القرآن الكريم كلمة (صَيَاصِيهِمْ) في (سورة الأحزاب)، لكنه استعمل كلمة (حُصُونُهُم) في (سورة الحشر)؛ إذ قال: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ… )
[الحشر: 2].

ثانيًا: كلمة (صَيَاصِيهِمْ) تناسب ظرف المعركة القائم، فهو يتطلب بروز الأشواك، ورؤوس الرِّماح، والقرون، وهذا كله تشتمل عليه كلمة (صَيَاصِيهِمْ)، لكن في المعنى العام فإنَّ كلمة الحصون أشد ثباتًا؛ كونها تمثل المعنى الأول للكلمة، وهي أقوى من القصور.

ثالثًا: معنى كلمة (صَيَاصِيهِمْ): يشتمل على المحافظة والدفاع وكل ما يتمنَّع به، ويعني قرون البقر والظِّباء…
وهذا ما ورد في المصادر: التهذيب، لسان العرب، التحقيق في كلمات القرآن الكريم… وغيرها
وأبلغ ما قرأناه في معنى الكلمة الواردة في القرآن الكريم هو:
(صياصي البقر: قرونها… والصيص من ثمر النخل: الذي لا يشتَدّ نواهُ أو لا يكون له نوى أصلًا…
المعنى المحوري: صلابة ظاهر الشيء مع فراغ باطنه: كصياصي البقر… ومنه الصياصي: الحصون، وكل شيء امتُنِعَ به وتُحِصِّنَ به فهو صيصة – بالكسر (بناء محصن الظاهر خالٍ أجوف)
المصدر: المعجم الاشتقاقي المؤصّل لألفاظ القرآن الكريم.
(التراكيب الصادية).
انتهى

رابعًا: إنَّ حضور الإمام علي (عليه السلام) الذي استنزل فارس الفوارس عمرو بن ود، كأنه (ع) مسكه من قرنيه ونكَّسه في الخلق، وحوَّله إلى رميم في لحظة حاسمة! وبذلك انهارت منظومة (حصونهم المنيعة) في اللفظ القرآني، وظهرت (منظومة صياصيهم) ذات الظاهر الصلب والمحتوى الفارغ، مثل النوى الضعيف، أو تمر دون نوًى أصلًا، كانت بناءً خاليًا أجوفَ… هذا المعنى القرآني استنزله الفارس الربّاني علي (عليه السلام) استنزالًا، وانتزعه بقوته الإيمانية وعمقه العرفاني، وإخلاص نيته انتزاعًا في عالم الملكوت قبل أن يخطّه بساعده في عالم المُلْك خطًّا!

خامسًا: كان سيفُ عليٍّ (ع) الأشدُّ عذابًا وأبقى، والبطشة الكبرى؛ ولأجل ذلك لم يكن حصنٌ في الأرض يستطيع الحفاظ على مادة كلمته (ح، ص، ن)، بل كان لا بد للحصون المنيعة الخضوع والتذلل، والتمظهر والتجلي بصورة أدنى وأحقر من هذه المادة العالية؛ فكانت المادة الحاضرة هي (ص، ي، ص) (صَيَاصِيهِمْ)، التي تناسب المرتبة الدنيا المهزوزة، المملوءة رعبًا وخوفًا، وفراغًا لا متناهيًا بسبب حضور علي (عليه السلام)! وإلا كيف لها مضاهاة عزمِ عليٍّ، والتماهي مع قوته الإيمانية!

(4)
إشارة إلى الفهم القرآني لمراجع الأمة الإسلامية وقادتها

أولًا: الفهم القرآني الذي ظهر على لسان الإمام الخميني (قدس) في هذا المجال هو عندما قال عن أميركا إنها: (نمرٌ من ورق)، فهذا المعنى يناسب (صَيَاصِيهِمْ)، على أساس ما بيّناه.

ثانيًا: الإمام القائد الخامنئي (دام ظله) في تعامله مع أميركا كان يتحرك في ضوء فهمه الشريف للقرآن الكريم، لذلك أبطَلَ مفعول عقوباتها، وكسر حصارها عالميًا، ودكَّ حصونها (عين الأسد، حرير) دكًّا؛ مُثبتًا أنها (صَيَاصِيهِمْ)، وقال واثقًا صادقًا: (… وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ… ).

ثالثًا: السيد حسن نصر الله (دام عزَّه) سيد المقاومة الفخر، قال عن إسرائيل إنها (أهون من بيت العنكبوت)! وهنا يظهر الفهم القرآني العميق لمراجع الأمة وقادتها؛ فبيت العنكبوت يناسب (صَيَاصِيهِمْ)، وهي دلالة ساطعة على هذا الفهم القرآني الأصيل.

رابعًا: السيد عبد الملك الحوثي (أنصار الله – اليمن) شعارهم ثابت في وجه هذه الحصون؛ إذ يهتفون: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، إذ لا ينظرون بذلك إلى مادة (ح، ص، ن)؛ لأنَّ علاقتهم بالقرآن الكريم تمنحهم رؤية صافية، ولأجل ذلك يتعاملون مع هذه المفهومات -مهما علا شأنها الظاهر-؛ على أنها (صَيَاصِيهِمْ).

خامسًا: القائدان الميدانيّان قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، قادا النصر على الإرهاب العالمي في سورية والعراق وغيرها، وعلى الغطرسة والهيمنة الأميركية في غرب آسيا، ونكَّسا القرن الأميركي في الأرض بعد أن عمَّر كثيرًا، وكشفا حقيقة الحصون المعادية للإسلام، أنها (صَيَاصِيهِمْ) التي قهرها الإمام علي (ع) قبل أربعة عشر قرنًا.

ختامًا
الرحمة والمغفرة والرضوان، لقادة النصر قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ورفاقهم الذين ارتقوا معهم عروجًا من نور إلى الله سبحانه وتعالى.
والحمد لله ربِّ العالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى