أحدث الأخبارالثقافة

تدجين العقول

مجلة تحليلات العصر

الموضوع منقول

يحكى أن مدينة، يحكمها أحد الولاة، وهذه المدينة يجري في منتصفها نهر، يقسمها إلى نصفين، ويوجد على النهر جسر واحد للعبور.وفي إحدى المرات أمر الوالي بأخذ درهم واحد من كل شخص يريد العبور.

وحين شاهد الوالي عدم اعتراض أهل تلك المدينة؛ أمر بزيادة المبلغ، فأصبح خمسة دراهم، فلم يشاهد الوالي أي صيحات اعتراض من الشعب أيضا؛ فأمر بزيادة المبلغ إلى عشرة دراهم، ولم يعترض أي فرد من سكان المدينة؛ فاستغرب الوالي، ثم أمر بأخذ عشرة دراهم، وضرب كل من يعبر على الجسر بعصا، فلم يعترضوا أيضا؛ فاستغرب الوالي بشدة، وأمر بجمع بعض الأشخاص من المدينة؛ لمعرفة إن كان لهم شكوى؛ فقام أحدهم معترضا؛ ففرح الوالي بذلك، وقال: ما اعتراضك؟ فقال المعترض: نريد أن تجعل شخصين بدلا من شخص واحد على الجسر؛ حتى يقوم أحدهما بأخذ المبلغ، والأخر يضرب بالعصا؛ لكي نعبر بسرعة؛ لأننا نتأخر كثيرا جراء وجود طابور طويل من الناس!!!)) إنه التدجين.

#التدجين(لغة): هو العملية، التي يقوم بها الإنسان؛ لجعل حيوانات معينة متأقلمة، ومنسجمة معه، ومع بيئته؛ عبر إخضاعها لنمط حياة معين، حيث تتم عملية التدجين من خلال الترويض، والتعويد، ثم الإخضاع، والتدريب؛ حتى تكون قريبة منه، وفي محيطه، ويرعاها بطوعها.

#التدجين(اصطلاحا): هو سياسة التخويف، والاستضعاف التي تمارسها جهات معينة سواء أكانت جهات حكومية سلطوية، أو جهات دينية، أو غير ذلك ضد المجتمع ككل، أو ضد فئة معينة منه؛ لأجل إذلاله، وإخصاعه، ونهب خيراته، وحينئذ تجعل المجتمع طيعا، ومسلِّما، وغير معترض على الظلم الذي يقع عليه، وإن لم يرضَ به.

#أنواع التدجين:

١.التدجين الديني: الذي يمارسه علماء السوء باسم الدين، ويعبر عنه أحيانا ب(وعاظ السلاطين)، الذين يضحكون على الناس، وراحوا يستعبدونهم، ويجعلونهم مطية لشهواتهم، وأنانياتهم، ومصالحهم الشخصية، ما يطلق عليه ب(الرهبانية المزيفة)، أو (الرهبانية الجادة).

٢.التدجين السلطوي: الذي يمارسه الحكام تجاه شعوبهم بتطبيق الأنظمة الدكتاتورية، التي تسلب الناس حريتهم، وتقهر إرادتهم في ضمن إطار الإذلال، والاستضعاف؛ لأجل خدمة مصالح الحاكم، وحاشيته، وحزبه.

٣.التدجين الفكري: عبر سياسة التجهيل، وهو من نتائج الفهم الخاطئ لبعض الأفكار، والمعتقدات سواء أكانت دينية، أو غيرها.

٤.التدجين الأسري: ويقصد به عوامل القسوة التربوية الخاطئة، التي يمارسها بعض أولياء الأمور تجاه أبنائهم؛ مما يتسبب في زرع حالة الخوف، والروح الانهزامية، وقتل روح الحماسة، الرافضة للظلم، والاستبداد.

٥.التدجين المدرسي: وينتج بسبب التعامل السيء، الذي يمارسه بعض المعلمين، والمدرسين مع طلابهم؛ فيتسبب في عقد نفسية، تدعوهم إلى الخجل أمام زملائهم، أو الخوف من الجمهور، أو من طرح الأسئلة، أو عبر مناهج تعليمية، تؤصل حالة التدجين عبر قصص، أو تمرينات علمية.

٦.التدجين الاقتصادي: الذي تمارسه الدول، التي تسمى ب(الكبرى) في العالم؛ لأجل الهيمنة على الدول الضعيفة؛ فتجعلها دولا مستوردة، ومحتاجة إليها دائما، وتعرقل عملية الزراعة، والصناعة، والتجارة فيها، إن لم تشلها تماما؛ فتحولها إلى بقرة حلوب، تدر عليها الأرباح، والمكاسب المالية.

٧.التدجين السياسي: ويقوم على الخوف، أو المجاملة، أو الطمع؛ لأجل الحصول على مكاسب سياسية، أو شخصية، فيحول الفرد، أو المجتمع إلى فرد، ومجتمع منافقين.

٨.التدجين العشائري ، والقبلي:
والمراد به بعض النظم العشائرية الظالمة، التي تحكم الأفراد في ضمن نطاق العشيرة من أعراف، وتقاليد، وعادات اجتماعية، يخاف الفرد من الخروج عنها.

#من أساليب التدجين:

١.سياسة التخدير: بتوظيف الماكنة الإعلامية؛ لأجل خدمة مصالح الجهات التي تمارس سياسة التدجين؛ عبر بث الأخبار، التي تخدر المجتمع بالوعود الكاذبة، وإنجاز الإصلاحات المستقبلية في البلاد؛ قال الشاعر:
نامي، جياع الشعب نامي
حرستك آلهة الطعام
نامي، فإن لم تشبعي
من يقظة، فمن المنام
نامي على زبد الوعود
يداف في عسل الكلام

٢.سياسة الإلهاء بالألعاب، واللهو ؛ وآخر صيحات الموضة، والأسواق الكبيرة، والسفرات، وإشغال الجمهور عما يجري من فساد، وظلم، وطغيان، وتحويل انتباههم إلى اللهو، واللعب، بدلا من القضايا الحيوية، والأهداف الحقيقية.

٣.استثارة العاطفة بدل الفكر لتعطيل حالة الوعي، والتأمل، والتحليل، وتمييز ما هو عقلاني من غيره؛ فيفقد الإنسان قدرته على النقد البناء، الذي يقود إلى الإصلاح، والتغيير.

٤.التعويض عن الثورة، ورفض الظلم، والفساد بالإحساس بالذنب بجعل الفرد يعتقد أنه المسؤول الوحيد عن تعاسته، وأن سبب مشاكله هو نقص قدراته، وقابلياته، أو تقصير في جهوده؛ فيقوم بامتهان نفسه بدلا من التحرك للتغيير، والإصلاح.

٥.سياسة العصا، والجزرة: الجزرة هي الانقياد، والتحكم الناعم عبر استغفال الشعوب بشعارات الحرية، والديمقراطية، لكن أداة النظام للحكم تظل دون تغيير، ويظل الاستبداد جوهره.

٦.القيام بتنظيم كثير من المهرجانات، والفعاليات، والنشاطات الرياضية، والفنية، وتغطيتها إعلاميا، وجعلها حدثا مهما في حياة الناس؛ للخروج قليلا من واقعهم المرير، وضنك الحياة.

٧.ضرب منظومة القيم، والمثل لدى المواطن من خلال جعل الحياة ضنكة، وغير ميسرة؛ مما يجعل الإنسان غير مهتم بالقيم، وتصاب روحه المعنوية بالقتل؛ إذ يصبح عاجزا، وانهزاميا، وتسويغيا، يؤمن أن مصابه مصاب الجميع، وهذا تماما ما تبتغي الأنظمة تحقيقه. إنه(التدجين)!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى