أحدث الأخبارشؤون امريكية

ترامپ و الهجوم السيبراني، صمَتَ دهرا ونطق كفرا!

مجلة تحليلات العصر الدولية - د. إعصار الصفار

تم الكشف هذا الشهر (كانون اول/ديسمبر ٢٠٢٠ ) عن عميلة قرصنة سيبرانية خطيرة للغاية شملت مؤسسات حساسة جدا وفي دول عديدة.
فلنتعرف على طبيعة الهجوم السيبراني وخطورته، ثم نستعرض ردود فعل اكبر القيادات السياسية والفيدرالية الامريكية وفي الاخير نرى ماذا كان موقف الرئيس الامريكي ترامپ من هذا الخرق الامني الكبير.

اول من نشر خبر الهجوم السيبراني كان جيريدة (پوليتيكو) بتاريخ ١٤-١٢-٢٠٢٠. وحسب الظاهر، فان الخرق تم بمهاجمة برنامج كومپيوتر امني لشركة تُسمّى سولَر ويند (SolarWind) حيث اعلنت هذه الشركة عن اصابة ٠٠٠ر١٨ حساب من حسابات زبائنها البالغ عددهم ٠٠٠ر٣٠٠، بثغرات تتيح اختراق حساباتهم من قبل قراصنة سيبرانيين. ويتم استخدام خدمات هذه الشركة بشكل واسع خصوصا في امريكا ويشمل ٤٢٥ شركة من ٥٠٠ شركة على قائمة (US Fortune 500)، والتي تحتوي اسماء اكبر ٥٠٠ شركة في الولايات المتحدة. وهكذا فقد تسببت الثغرات في اختراق خطير شمل العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية. ٨٠٪ من المؤسسات التي تاثرت بالخرق تقع في الولايات المتحدة. والباقي في ٨ دول تشمل كندا والمكسيك وبلجيكا واسبانيا وبريطانيا والكيان الصهيوني والامارات العربية المتحدة. هذا بالاضافة للعديد من الجهات الخاصة غير الحكومية، بما فيها شركتي ماكدونالدز ومايكروسوفت بالاضافة لشركتي ماستر كارد و ڤيزا لبطاقات الائتمان.

الدولة المتضررة الاكبر، كما اشرنا، هي الولايات المتحدة الامريكية. وقد شملت الهجمات بشكل مؤكد وزارات التجارة والزرعة والطاقة والداخلية والمالية ومؤسسة البريد الامريكية. وحتى هناك احتمال اختراق وزارة الدفاع الامريكية. والطريف في الامر ان الهجمات تمكنت من اختراق وزارة الامن الوطني وهي الجهة المسؤولة عن اكتشاف والدفاع ضد الهجمات السيبرانية! وقد تثبت الايام القادمة اختراق مصالح حكومية اخرى.

وقد وصف مسؤولون امريكيون هذه الهجمات بانها الاكثر إضرارا في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية. فيما قال مسؤولون من داخل الحكومة الامريكية “اننا نتعامل مع امر لم يسبق ان تعاملنا معه من حيث السعة والاساليب”. كما وتم اعتبار الطريقة التي تمت بها الهجمات بانها متطورة جدا وغير معروفة سابقا. ويرجح ان الهجمات قد ابتدات منذ شهر اذار/مارس ٢٠٢٠ باقل تقدير وهي ما زالت مستمرة امام عجز كامل عن حصرها ومجابهتها. كما انه من غير المعلوم ان كانت هناك خروقات اخرى لم يتم اكتشافها!
وقد قال محققون فدراليون ان الهجمات السيبرانية خطيرة ومقلقة ولها اثار مدمرة وبشكل واسع وكبير! هذا فيما وصف جيسن كرو، عضو الكونغرس عن ولاية كولارادو، الهجوم بانه لا يقل خطورة عن الهجوم الياباني على ميناء پيرل هاربر ابان الحرب العالمية الثانية الذي تم فيه تدمير الاسطول الامريكي هناك بالكامل. اما السيناتور الجمهوري مِت رومني، عن ولاية يوتا، فقد قال بان الهجمات كانت من الخطورة بمكان بحيث يمكن ان تعوِّق تجهيز الطاقة الكهربائية والماء وكذلك وسائل الاتصالات، وتشبه في خطورتها ما يحصل في الحروب العسكرية التقليدية.
وهكذا يصبح من الواضح الان مدى خطورة الخرق الامني الذي تعرضت له المؤسسات الفدرالية الامريكية.

وقد حامت الشبهات حول روسيا بانها المسؤولة عن هذا الخرق السيبراني الخطير. حيث اتهم روسيا كل من وزير الخارجية پومپيو، والسيناتور مت رومني وكذلك السيناتور ليندزي گراهام، عن ولاية كارولاينا الجنوبية، وهو من المقربين للرئيس الامريكي ترامب. هذا بالاضافة للرئيس الامريكي المنتخب جو بايدن، الذي توعد روسيا، بتاريخ ١٧-١٢-٢٠٢٠، بانه لن يدعها تفلت بفعلتها هذه بدون عقاب صارم. بطبيعة الحال فقد نفى مسؤولون روس اية علاقة لروسيا بهذا الهجوم السيبراني.

من ناحيته فقد قام كريس كربس، المدير السابق لوزارة الامن السيبراني الذي قام ترامپ بفصله من الوكالة الشهر الماضي، بتحميل ترامپ مسؤولية الهجوم لان المؤسسات الفيدرالية لم يتم تاهيلها بالشكل المطلوب لمثل هذه الهجمات بسبب تاخر ترامپ بإقرار قانون يمنح هذه الجهات صلاحيات لاتخاذ اجراءات صارمة لتتبع الخصوم وكذلك تقليص تمويلها.

بعد كل هذا، ماذا كان رد ترامپ على هذه الكارثة الامنية التي تعرضت لها بلاده؟
بالرغم من اجتماع ترامپ بكابينته الوزارية يوم ١٦-١٢-٢٠٢٠، اي بعد يومين من الكشف عن الخرق الامني الخطير، الا انه لم يتم التطرق باي شكل من الاشكال لذلك الهجوم السيبراني وكانه لم يكن! واستمر صمت ترامپ الى يوم ١٩-١٢-٢٠٢٠، اي بعد ٥ أيام من الكشف عن الهجوم، حيث نشر ترامپ تغريدة مقتضبة على حسابه في تويتر قام فيها بامرين غريبين و لا يتناسبان مع خطورة الهجمات. فابتداءا حاول التهوين من الخرق قائلا انه خرق محدود وقد تم التعامل معه بشكل مناسب، وهذا طبعا يتعارض مع تقارير الجهات الامنية المتخصصة التي قيَّمت الامر بانه خرق خطير لا يُعرَف مداه ولا سعته وهو ما زال مستمرا. اما الامر الغريب الاخر الذي فعله ترامپ، فقد قام بدفع التهمة عن روسيا وتوجيهها صوب الصين، علما ان جهات كثيرة، كما في اعلاه، قد اكدت وجود ادلة تشير لضلوع روسيا في الهجوم واستبعدت ان يكون للصين اي دور. حتى ان السيناتور مت رومني قال “ان لترامپ نقطة عمياء عندما تتعلق الامور بروسيا”.
والمتابع لتغريدات ترامپ يرى بوضوح انه فقد اهتمامه بشؤون البلاد وصب اهتمامه بالكامل على خسارته بالانتخابات ومحاولاته لالغاء نتائج تلك الانتخابات. كما انه من الملفت للنظر دفاع ترامپ المستميت عن روسيا وبهذا الشكل المفضوح!

وهكذا، ومع قرب نهاية ولاية الرئيس الامريكي ترامپ، التي ارتكب فيها اخطاء عديدة افقدت امريكا مصداقيتها والكثير من وزنها الدولي والاقتصادي، فقد يكون اهماله لهذا الخرق الامني الكبير الاسوء والاخطر من بين كل اخطائه لحد الان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى