أحدث الأخبارالعراقشؤون آسيويةمحور المقاومة

تسريبات “بيغاسوس”: “سلاح تنصّت شامل” إسرائيلي في العراق!

مجلة تحليلات العصر الدولية - رامي الأمين / موقع درج

يظهر “مشروع بيغاسوس” انكشافاً هائلاً للمنظومة العراقية بمعظم مفاصلها “الحساسة” أمام برنامج التنصت الذي تتيحه الشركة الإسرائيلية NSO المتخصصة بتكنولوجيا الاستخبارات الالكترونية، لجهازي استخبارات مرتبطين بالسعودية والإمارات، وضعا شخصيات عراقية تحت الاستهداف الالكتروني، ما يرجّح تعرّض هواتفها المحمولة لعملية تنصّت معقّدة تتيح لهما التحكّم بمختلف البيانات من تسجيلات صوتية وصور وفيديوهات ورسائل مكتوبة.

البرنامج متطور جداً، وربما لا يعلم حتى أكثر المسؤولين العراقيين الأمنيين خضرمة بقدراته الكبيرة على كشف أجهزة الهاتف والولوج بالكامل إلى مضمونها الحساس، من دون حتى ان يشعر الشخص المستهدف بأنه تلقّى أي رسالة مريبة أو أي رابط يبعث على الشكّ.

من المرجّح وقوع مسؤولين أمنيين عراقيين في مواقع “حسّاسة” ضحية هذا البرنامج كما يكشف “مشروع بيغاسوس”. لكن لم يتسن لنا إخضاع اي من الأجهزة في العراق للتحليل الجنائي الذي يقوم به المختبر الأمني في منظمة العفو الدولية Amnesty international security lab. وقد تم التأكّد من عدد من الأرقام التي تعرضت للاستهداف، ولا يعني ذلك حكماً النجاح في خرقها، لكنه يضع احتمالية كبيرة لذلك.

وبين الشخصيات، رئيس جهاز الاستخبارات الوطني العراقي مصطفى الكاظمي، قبل أن يتولى منصب رئاسة الحكومة العراقية في وقت لاحق، حيث وضعت أرقام هاتف ترتبط به تحت التنصّت في فترة ترجع إلى سنة قبل تولّيه منصب رئاسة الحكومة. كما استهدف هاتف ضابط كبير في الجيش العراقي هو الفريق الركن علي الأعرجي، والذي يشغل اليوم منصب أمين سرّ وزارة الدفاع العراقية، من قبل مشغّل تابع للإمارات لفترة تقارب ستة شهور.

ولم يوفّر جهازا الاستخبارات التابعان للسعودية والإمارات رئاسة الجمهورية العراقية، بشخص الرئيس برهم صالح، ولا رئاسة مجلس النواب بشخص محمد الحلبوسي الذي شغل سابقاً منصب محافظ الأنبار، ولا رئيس الحكومة في الفترة الممتدة بين تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وأيار/ مايو 2020 عادل عبد المهدي، من “الاستهداف” الإلكتروني لهواتفهم. هاجمت شركة NSO الإسرائيلية هواتف الرئاسات العراقية الثلاث ووضعتها، مع بياناتها وحركة اتصالاتها بالكامل تحت احتمالية التنصّت، ولم يوفّر المتنصّتون حتى احد ارقام هاتف الرئيس صالح البريطانية، فضلاً عن أرقام عراقية يمتلكها هو ومقرّبون له.

كما تعرضت شخصيات سياسية في مواقع مختلفة، من وزراء ونوّاب ومحافظين وضباط وشخصيات أمنية رسمية ورجال دين (بينهم المرجع الشيعي السيد علي السيستاني والسيد عمّار الحكيم) وصحافيين ونشطاء وسفراء، لمحاولات خرق هواتفهم في فترات تمتد بين بداية عام 2017 ونهاية عام 2019، بحسب التسريبات التي بين أيدينا، والتي يبرز من خلالها أن الإمارات أكثر نشاطاً في العمل الاستخباراتي داخل الأراضي العراقية، عبر هذا البرنامج، من “زميلتها” السعودية.

وفي حين كان مثيراً للانتباه، ألا تستخدم البرنامج المتطور السعودية والامارات للتنصّت على أرقام إيرانية داخل ايران، لأسباب يبدو أنها تتعلق بـ”فيتو” إسرائيلي لرغبة اسرائيل بالتفرد بالتنصت على إيران، بدا لافتاً العدد الكبير من الشخصيات العراقية المتصلة مباشرة أو المقرّبة من إيران الموضوعة على لائحة أهداف البرنامج.

وبين هؤلاء سياسيون عراقيون حلفاء لإيران وقيادات بارزة في الحشد الشعبي وقادة ميليشيات موالون لايران، وصحافيون يعملون في مؤسسات إعلامية قريبة من إيران سياسياً، فضلاً عن ديبلوماسيين إيرانيين على رأسهم السفير الإيراني في بغداد (الذي تم استهداف هاتفه من قبل الإمارات لأيام عدّة في اواخر عام 2018) وقنصلي إيران في النجف والبصرة، وموظفين في قنصليتها في النجف.

أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد وقائد كتائب “حزب الله” العراقي، الذي اغتالته طائرة مسيّرة أميركية مع سليماني في 7 كانون ثاني/ يناير 2020، كان من ضمن الشخصيات التي تعرضت للاستهداف. وقد تعرّض هاتفان مرتبطان به للتنصّت، قبل شهور قليلة من اغتياله، من قبل السعودية.

كما تضمّ اللائحة المسرّبة، أرقام شخصيات أمنية رفيعة في “الحشد الشعبي”، بينها قاسم مصلح الرجل المتهم بقتل متظاهرين ونشطاء، أبرزهم الناشط إيهاب الوزني، والذي ألقت السلطات الأمنية العراقية القبض عليه بتهمة “الإرهاب”، قبل أن يطلق القضاء العراقي سراحه “لعدم كفاية الأدلّة”. وقد تعرض لمحاولة استهداف هاتفه، من قبل الإمارات، في الفترة الممتدة بين منتصف عام 2017 ومنتصف عام 2019، اي لعامين كاملين.

كما حاولت الإمارات استهداف القيادي في الحشد ثامر التميمي، ما قد يرجح تعرّض هاتفه لرقابة بين منتصف عام 2018 ومنتصف عام 2019، أي تقريباً لمدة عام. وكذلك فعلت السعودية مع فالح الفياض رئيس “هيئة الحشد الشعبي” (2014-2018) وقد استُهدف هاتفه عام 2019.

ويبرز في أكثر من مكان في التسريبات اسم الوزير السابق والنائب الحالي هادي العامري زعيم منظمة “بدر” المنضوية تحت ألوية “الحشد الشعبي”، وقد وضع أكثر من رقم هاتف يعود إليه أو الى مقرّبين منه تحت احتمالية الرقابة.

كما يظهر أيضاً اسم حسن الساري (ابو مجتبى) وهو أمين عام “حركة الجهاد والبناء”، وقد وضع هاتفه تحت التنصت من قبل الإمارات لسنتين متتاليتين، فضلاً عن اسم أحمد الأسدي، النائب الحالي، والذي كان في فترة استهداف هاتفه بين بداية عام 2017 ومنتصف عام 2019، متحدثاً رسمياً باسم هيئة “الحشد الشعبي”. هذا ما قد يشير إلى أن الإمارات، والسعودية بدرجة أقلّ، قادرتان على سماع حتى الهمسات الخفيضة لأبرز مسؤولي “الحشد الشعبي” على الأراضي العراقية.

تضمنت التسريبات أيضاً أرقاماً تعود لصحافيين ونشطاء يعتقد انها تعرضت للتنصّت من برنامج “بيغاسوس”، ومن بين الأرقام التي استطعنا التأكد منها واحد استهدف من قبل البرنامج في الفترة الممتدة بين نهاية عام 2018 ومنتصف عام 2019، وهو رقم يعود لصحافي عراقي كان مراسلاً لقناة سعودية، وقد تعرض هاتفه للاستهداف من قبل مشغّل إماراتي وقد تواصلنا معه، وأكد انه كان يتوقع ان يكون هاتفه كأي صحافي عراقي تحت التنصت، لكنه تفاجأ حينما علم بالجهة، وسأل اسئلة عن كيفية حماية هاتفه والتأكد عما اذا كان لا يزال مستهدفاً إلى الآن.

أما الصحافي الآخر الذي يلفت النظر استهداف رقمين هاتفيين له، فهو مراسل لقناة “آسيا” الفضائية التي تدور في الفلك الإيراني. تعرض لاستهداف محتمل على هاتفيه الخليويين من مشغّل إماراتي أيضاً، ولمدة تزيد على عامين متواصلين. ولدى اتصالنا بالرقمين تبين انهما أصبحا خارج الخدمة.

تراعي شركة NSO مع زبونتيها “العزيزتين” الخصوصية العراقية لجهة التنوع الطائفي والاثني و”تحترم” جميع المكوّنات العراقية، ولهذا وجدنا في التسريبات الكثير من الأرقام العائدة لاقليم كردستان الذي يخضع لحكم فيدرالي ضمن الحكومة الاتحادية العراقية. أبرز الأرقام التي تعود لشخصيات كردية بارزة كانت لمسرور بارازاني، رئيس مجلس الوزراء الكردستان ونجل الرئيس السابق للاقليم مسعود بارازاني.

تعرّض هاتف بارازاني لاحتمالية الاستهداف من الإمارات لفترة تقارب العام ونصف العام، كما تعرّض مقربون منه، بينهم أحد مستشاريه الأمنيين لتنصّت محتمل، تزيد مدّته على عام ونصف العام أيضاً من قبل الجهة نفسها. كما تضم التسريبات أرقاماً كثيرة لشخصيات كردية، لم نستطع التأكد منها كلها، لكنها على الغالب تعود لشخصيات ناشطة في الشأن العام، في السياسة والأمن والصحافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى