أحدث الأخبارشؤون آسيويةشمال أفريقيامغرب

تطبيع الحكومة المغربية مع كيان العدو الصهيوني وأثره على القضية الفلسطينية

مجلة تحليلات العصر الدولية - فرحان هاشم

لقد شهد مسار الصراع العربي الصهيوني محطات عدة في مسارين مختلفين، مسار المقاومة المستمرة من مكونات وحركات الشعب الفلسطيني، والحركات الإسلامية المقاومة الأخرى التي لازالت على العهد في المواجهة حتى اليوم، وستظل حتى تتحقق الأهداف الأساسية، وهي تحرير كل الأراضي الفلسطينية والعربية، وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

ومسار التطبيع العربي الفلسطيني العربي الذي تزعمته بعض الأنظمة العربية، والتي كانت البداية مع النظام المصري إبان حكم السادات عام 1978م، ومن ثم اتفاقية السلطة الفلسطينية في أوسلو 1993م مع كيان العدو الصهيوني، ومن ثم اتفاق وادي عربة 1994م بين النظام الملكي الأردني وكيان العدو الصهيوني.

ثم شهد قطار التطبيع تسارعا إبان حكم دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الأسبق للبيت الأبيض عام 2020م إذ أعلن التحاق عدد من الأنظمة الوظيفية بالمنطقة في قطار التطبيع تحت ذرائع ومبررات واهية ومختلفة تزعمتها الإمارات العربية المتحدة ومن بعدها البحرين، يليها عسكر السودان، ومن ثم إعلان النظام المغربي التطبيع مع كيان العدو الصهيوني، وعلى الرغم من خطورة مسار التطبيع على مستقبل القضية الفلسطينية ولاسيما من تلك الأنظمة المختلفة التي تجثم على صدور شعوبها بالقهر والظلم والحرمان بدعم أمريكي صهيوني، وتفتقر تلك الدول لأي آليات ديمقراطية حيث طبيعة أنظمة الحكم فيها سلطوية ملكية استبدادية، لامجال فيها لصوت الشعب ومكوناته المختلفة على سير السلطة والسياسات الداخلية والخارجية.

كان الإعلان الأخير من قبل النظام الملكي المغربي يوم 10 ديسمبر 2020م من خلال الحكومة المغربية التي تنتمي الى تيار الإسلام السياسي ممثلة بحزب العدالة والتنمية الذي سبق أن أعلن عن تأسيسه تحت هذا الاسم عام 1998م على الرغم من أنه تشكل قبل هذا التاريخ؛ ليواصل العمل السياسي حتى يصبح الحزب الحاكم ولاسيما بعد فوزه بأغلبية مقاعد البرلمان المغربي بعد انتخابات 2011م، وهذا الحزب- وهو أحد تشكيلات تنظيم الإخوان المسلمين الدولي ( ذات التوجه السني)- هو من أعلن التطبيع على لسان رئيس حكومته سعد الدين العثماني، وليس ملك المغرب محمد السادس في سابقة عربية، ويعدّ هذا القرار هو الأول عربيا من بين مختلف حركات وأحزاب ومنظمات عربية يعلن صراحةً التطبيع مع كيان العدو الصهيوني على الرغم من تطبيع عدد من الأنظمة العربية، لكن الجانب الشعبي العربي ظل ولازال وسيظل يرفض التطبيع مع العدو الصهيوني، وخير دليل على ذلك الشعب المصري والأردني والفلسطيني وغيرهما الذين لا يزالون يعدون التطبيع الشعبي والحزبي خيانة للأمة العربية والإسلامية وللمقدسات وللأرض الفلسطينية.

لماذا التطبيع المغربي الأكثر خطورة؟

لقد رفع تاريخيا كل نظام عربي خائن وعميل شعارا من الشعارات كمبرر للتطبيع مع الكيان الصهيوني، على سبيل المثال رفع النظام المصري شعار استعادة الأراضي المصرية من تحت سيطرة العدو الصهيوني، بينما رفعت السلطة الفلسطينية شعار السلام وحل الدولتين، بينما كان النظام الأردني يرفع شعار استعادة الأراضي الأردنية من سيطرة كيان العدو، ورفض سياسة الوطن البديل الذي كان يراد للأردن أن يكونه، بينما رفع النظام الإماراتي شعار وقف الاستيطان مقابل التطبيع، كذلك البحرين، بينما الواقع يكذّب تلك المزاعم والادعاءات، كذلك عسكر السودان كان شعارهم هو إخراج السودان من قائمة ما يسمى الإرهاب الأمريكي، وفتح آفاق اقتصادية للسودان صاحب اللاءات الثلاث( لا صلح لا اعتراف ولا تفاوض) بينما رفع النظام المغربي شعار السلام والتطبيع مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، وهذا الاعتراف يشبه وعد بلفور( وعد من لا يملك حق من لا يستحق).

لقد شكل التطبيع المغربي عبر حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي المنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين أحد أخطر التحولات في مسار التطبيع العربي الصهيوني؛ لأنها المرة الأولى التي يصبح حزب عربي إسلامي متاجرا بالدين، ومستغلا له في خطابه ونشاطاته الحزبية؛ ليظفر بالمناصب، وباع المغاربة الوهم، فكيف لا يهون عليه المتاجرة بالقضية الفلسطينية؟! حتى ولو كانت أدبيات الحزب- منذ تأسيسه عام 1967م- تقوم على رفض أي تطبيع مع «إسرائيل»، بل وتقدم فريقه البرلماني، رفقة ثلاثة فرق أخرى من الأغلبية البرلمانية عام 2013م بمقترح قانون لتجريم كل أشكال التطبيع.

فما الذي تغير حتى يختار الضفة المقابلة لرفض التطبيع ولاسيما أنه قبل أشهر في 21 أغسطس 2020م عندما أعلنت الإمارات والبحرين التطبيع أصدر بيان إدانة واستنكار، وعدّ ذلك خيانة للقضية الفلسطينية ومقدسات الأمة.

ربما لم يكن مستغربا على النظام السياسي في المغرب استئنافه للعلاقات مع الكيان الصهيوني؛ فقد كانت هناك اتصالات وعلاقات بدرجات متفاوتة في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وقد تمّ تجميدها بسبب الضغط الشعبي خصوصا بعد اندلاع انتفاضة الأقصى سنة 2000م، ولاسيما أن المستوطنين اليهود في كيان العدو الصهيوني من المغرب، بل يُعدّون أكبر تجمع يهودي صهيوني مقيم في فلسطين المحتلة مقارنة باليهود القادمين من العالم العربي والإسلامي، إذ يوجد في الكيان الصهيوني ما يزيد عن ( 900 ) ألف يهودي من أصول مغربية، ولهم مواقعهم المتقدمة في مؤسسات الكيان السياسية والأمنية والعسكرية. وفي العادة هناك (10-12) يهوديًّا مغربيًّا في الكنيست، كما لا تخلو حكومة إسرائيلية من مشاركتهم.

بالإضافة إلى أن المغرب أقرَّ سنة 1976م قانون عدم إسقاط الجنسية عمَّن غادر المغرب من اليهود، فإن القانون يفتح المجال لليهود المغاربة للعودة واكتساب الجنسية متى رغبوا. وعلى الرغم من أن عدد اليهود في المغرب حاليا هو بين ثلاثة وخمسة آلاف، إلا أن النظام المغربي الملكي وحزب العدالة والتنمية الإسلامي قد اختارا قرار التطبيع والخيانة للأمة العربية والإسلامية، وللمبادئ الأساسية للحزب.

يعدّ قرار تطبيع النظام والحكومة المغربية عبر حزب العدالة والتنمية الحاكم ذي التوجه الإسلامي هو أكبر اختراق صهيوني أمريكي للمنظومة العربية الرسمية والشعبية، ويجب العمل بمختلف الوسائل على إدانة واستنكار وتجريم مثل هذا السلوك الذي يعدّ اختراقا للجانب الحزبي والشعبي العربي بعد اختراق المنظومة العربية الرسمية، وفي هذا السياق يجب وضع قوانين تجريم التطبيع مع كيان العدو الصهيوني في مختلف الدول العربية، كما هو الحال في تونس والجزائر، والمطلوب في بقية الدول العربية وعبر مختلف الوسائل الإعلامية والاجتماعية والشعبية.

وفي الختام ستبقى القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية والإسلامية، وأحرار العالم، ويعدّ الانتماء لمحور المقاومة هو الخيار الوحيد الذي يحافظ على تلك القضية، ويراكم عناصر الردع والقوة حتى تتحقق الأهداف المرفوعة لأحرار الأمة، وتحرير الأراضي العربية من الكيان الصهيوني وبناء الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشريف مهما تكالب الأعداء، وعظمت التضحيات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى