أحدث الأخبارشؤون آسيويةشؤون اوروبيية

تظاهَر الى الصباح .. لن تضرّ غير حنجرتك !

مجلة تحليلات العصر الدولية - الاستاذ علاء الزيدي

لاأدري ماإذا كنت قد سمعت أو لا بالطرفة الواقعية التي حدثت لأحد جماعتنا العرب في لندن ، ممن يصعب عليهم تلفُّظ حرف ” پ ” غير الموجود في أبجدية لغة الضاد .

كان يريد إيقاف سيارته في شارع فرعي ، و لما كان لايعرف نوعية القيود المفروضة على ذلك من قبيل ” يسمح بالتوقف لسكان الحي فقط ” أو ” إدفع و اعرض تذكرة الدفع ” إلخ. لعدم وجود علامة واضحة تشرح ذلك ، فقد سأل مواطناً إنگلیزياً مارّاً السؤال التالي :
” Can I bark here ” ?
فأجابه الرجل على الفور بلهجة واثقة من نفسها :

” Of course’ you can bark here until tomorrow morning ” !

سأل صاحبنا الرجل :

هل يمكنني أن أنبح هنا ؟

فأجابه ببساطة :

يمكنك طبعاً أن تنبح هنا حتى صباح الغد !

لقد استخدم العربي الذي لايعرف كيف يتلفظ ذلك الحرف الصعب ،  الفعل ” bark ” الذي يعني ” ينبح ” بدلاً من ” park ” الذي يعني ” يوقف سيارته ” و كان ماكان .

و بحفظ النسبة ، و مع كل الإحترام للذين شاركوا و يشاركون و سيشاركون – و نحن منهم – في المظاهرات و المسيرات و الاعتصامات في جميع أنحاء العالم و منها بلادنا العربية و الإسلامية في كل الأوقات ، فهذه النشاطات لاتعني أكثر من النباح حتى الصباح ، مايضرّ بالحناجر فقط ليس غير ، أما من نتظاهر ضده ، خصوصاً في دول الغرب و عملائها ، فهو يضحك علينا في سرّه و علناً أحياناً ، راثياً وفاة عقولنا و دفنها تحت ركام التضليل و التجهيل و الاستغفال ، فالسلطات و الحكومات و الأنظمة و قوانينها و أشخاصها و مؤسساتها قدرٌ مقدور  وفق الدين الماسوني العالمي الذي يهيمن على مصير البشرية .

و كما كان للأنظمة المستبدة في التاريخ الإسلامي مثلاً ،  من ينظّر لقدَريّة السلطة و عدم جدوى مقاومتها و الوقوف في وجهها ، بحيث اخترع أولئك المنظّرون و المفكّرون القدريون مايسمى بدعاء :

” اللهم إني لاأسألك ردّ القضاء و لكن أسألك اللطف فيه ”

فهناك اليوم من ينظّر لثبات و سرمدية هذا النظام العالمي الذي لايمكن لنا تغييره لكونه قدرا مقدورا ، و لكن يمكن لنا النباح فقط في مظاهرات و مسيرات و اعتصامات ، شرط أن تكون مرخّصة مسبقاً !

و هنا ، يثور تساؤل مزعج لن يهدأ قبل تقديم الإجابة عليه : ماالعمل إذن ؟ هل نلوذ بالصمت حيال الإعوجاج و الظلم ، و نعتكف في بيوتنا بانتظار الفرَج الآتي من آفاق الغيب ، دون أن نفعل شيئاً ؟

هناك إجابات سهلة كثيرة على هذا التساؤل ؛ منها التخريب و الإحراق و مخالفة القوانين المرعية و تحويل حياة الناس الى جحيم ، بهدف إجبار السلطات على الرضوخ لمطالب المعترضين ، و لكن مثل هذه الممارسات فضلاً عن أنها ستدفع بالتأكيد السلطات والحكومات الى مواجهة القائمين عليها بالقدر ذاته من الوحشية و العنف إن لم يكن أكثر ، فإنها تدمّر المنجزات الوطنية و تهدد السلم الإجتماعي و تؤكد فوضوية و لامسؤولية الممارسين لها ، و ربما زادت الطين بِلّة و حولت حياة الجميع الى جحيم أكثر استعاراً و اشتعالا .

ماهو الحل إذن ؟

ليست ثمة وصفة سحرية تنطبق على جميع الحالات و الظروف ، لكن الخطوة الأولى على طريق الألف ميل – من وجهة نظري – هي التصدّي – بمسؤولية – لعملية غسيل الدماغ التي يتعرض لها الجميع – الشعب و القوى الحارسة للأمن و الاستقرار و أغلب الذين يخدمون السلطات و الحكومات – و تبديد سُحُب الوهم التي تلبّد سماء الجميع ، و استخدام وسائل التواصل الإجتماعي الممكنة للغسل المضاد لأدمغة الشعب و أعوان السلطات !

بدلاً من أن ننشر النكات و التفاهات و ” الخرط ” في وسائل التواصل الإجتماعي علينا أن ننشر عن الحقائق المغيّبة ، و عن العدو الغربي و الماسوني الذي يرسّخ أقدامه و ثقافاته و نماذجه في مجتمعاتنا و سلطاتنا و حتى في حركاتنا الإحتجاجية ، فضلاً عن إصراره على ترسيخ وجوده العسكري المباشر على أرضنا و في جميع بلداننا بأشكال مختلفة .

علينا أن نكشف حقيقة مايسمى بالمجتمع الدولي و التحالف الدولي و البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و الأمم المتحدة و مجلس الأمن الدولي و منظمات المجتمع المدني و دورات التأهيل في السفارات و الخارج و الناشطين المدنيين الذين تمتد خيوطهم نحو العدو بعد قليل من البحث في محركات البحث على الإنترنت !

يقول الأكاديميون حول غسيل الدماغ بأنه كل محاولة للسيطرة على العقل البشري و توجيهه لغايات مرسومة بعد أن يُجرَّد من ذخيرته و معلوماته و مبادئه السابقة ، ويُعرف كذلك بأنه عملية إعادة تشكيل أو إعادة تعليم و تحويل الإيمان أو العقيدة إلى كفرٍ بها ثم الإيمان بنقيضها ( علم النفس و المخابرات – ٧١ ) .

هذا هو الذي تتعرض له مجتمعاتنا ، و هذا هو سبب إراقة الدماء ، و هذا هو سبب استمرار الإضطرابات هنا و هناك .

و هذه هي مسؤوليتنا ، و هذه هي مواجهتنا و مقاومتنا و حربنا القادمة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى