أحدث الأخبارالعراقمحور المقاومة

تفجيرات العراق واخوة يوسف

مجلة تحليلات العصر - د. لينة بلاغي / موقع العهد

بعد تفجير ساحة الطيران في العاصمة العراقية بغداد قبل أيام، والذي ادى الى سقوط نحو 32 شهيدا واكثر من 100 جريح، خرجت وسائل الاعلام الخليجية خاصة السعودية منها، وكما جرت العادة في التعامل والتعاطي مع هذه التفجيرات ومثيلاتها، لتوجيه الاتهام الى الجمهورية الاسلامية الايرانية واعتبار ان طهران التي تواجه ضغوطا امريكية وحصارا اقتصاديا تمر في ازمة حقيقية مع الادارة الجديدة للبيت الابيض التي رفضت الشروط الايرانية بالغاء العقوبات الاقتصادية قبل العودة الى الاتفاق النووي، وانها تريد حرف الانظار عن السقف العالي الذي تحدثت به ادارة الرئيس جو بايدن لفتح المفاوضات الجديدة لتشمل ملفي البرنامج الصاروخي والدور الاقليمي لايران وما تقدمه من دعم لحلفائها في المنطقة.

توجيه الاتهام لايران بالوقوف وراء هذه التفجيرات، اقل ما يقال فيه انه سخيف من حيث البنية الاعلامية وتحريف الحقائق الواضحة فيما يتعلق بالهدف الكامن في توقيت عودة العنف الى الساحة العراقية. ومحاولة ربط هذا التصعيد الامني بالتغييرات الحاصلة في الادارة الامريكية والخوف الايراني من ان تمارس هذه الادارة المزيد من الضغوط عليها، وبالتالي فان ايران تريد تخفيف الحصار الذي وصل الى درجة متقدمة باثاره السلبية على الاقتصاد ومعيشة الناس وافقدتها القدرة على تقديم الدعم الكبير لحلفائها في المنطقة. وان هذه التفجيرات تشكل رسالة ايرانية لادارة بايدن عن استعدادها لاشعال منطقة الشرق الاوسط اذا لم تتخلى واشنطن عن شروطها الصاروخية والاقليمية مقابل العودة الى الاتفاق النووي.

في قراءة بسيطة للاحداث التي شهدها العراق خلال السنوات الاربع الماضية والتي كان دونالد ترمب يتولى القيادة الامريكية ويشكل رأس الحربة ـ الخليجية والاسرائيلية ـ ضد ايران وحلفائها، يمكن تقسيم المشهد في العراق الى مستويين.

المستوى الاول يتعلق باستمرار الحرب على “داعش”، والعمليات العسكرية التي كانت مستمرة وصولا الى اعلان الانتصار وتحرير مدينة الموصل، وهي مرحلة لجأ فيها ترامب الى اعتماد سياسة التصعيد الهادئ ضد ايران والتلويح بسياسات اكثر تشددا في مواجهة طموحاتها السياسية والعسكرية والاقليمية، في وقت كانت الجمهورية الاسلامية وقوات حرس الثورة تدفع بالعديد من مستشاريها وقادتها العسكريين في قوة القدس بقيادة الشهيد الجنرال قاسم سليماني للوقوف الى جانب القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي في معركتهم من اجل القضاء على الارهاب الداعشي وتحرير المناطق المغتصبة من قبل هذه الجماعات الارهابية.

اما المستوى الثاني، يبدأ بعد اعلان النصر العراقي على “داعش”، والذي بدأ فيه ترامب الكشف عن جزء من اتفاقياته مع الدول الخليجية المتضررة من استعادة العراق لسيادته بمساعدة ايرانية، بالاضافة الى موفقهم السلبي من دخول واشنطن في الاتفاق النووي الذي وفر لايران ارضية الانفتاح على المجتمع الدولي وازاح عنها الجزء الاكبر من الضغوط الدولية وسيف العقوبات وقرارات مجلس الامن الدولي. واعطى لبرنامجها النووي شرعية قانونية ودولية وضعها على خارطة الدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا المتقدمة. وهي مواقف تلاقت مع رغبات ترامبية للتخلص من ارث سلفه باراك اوباما، اضافة لمعاقبة ايران على رفضها فتح المجال امام الاستثمارات الامريكية من الدخول الى البلاد بعد توقيع الاتفاق. فكشف عن وجهه الحقيقي وكذلك عن الصفقة التي عقدها مع الدول الخليجية والكيان الصهيوني والتي قبض ثمنها مسبقا، فاعلن الانسحاب من الاتفاق النووي واعاد سياسة فرض العقوبات على الشعب الايراني ومؤسسات الدولة وسعى الى تصفير صادرات ايران النفطية من اجل الضغط عليها للموافقة على عقد اتفاق جديد يتضمن الكثير من الشروط على البرنامج النووي ويفرض عليها تفكيك برنامجها الصاروخي والتخلي عن دعم حلفائها وتغيير سلوكها في منطقة غرب آسيا، والتي عبرت عنها الشروط 12 التي اعلنها وزير خارجيته مايك بومبيو مطلع عام 2018.

لم تتردد ايران في الاعتراف بالاثار السلبية للعقوبات الامريكية على لسان كبار المسؤولين في الجمهورية، الا ان استراتيجية الصبر التي اعتمدتها والذهاب الى خيار الاقتصاد المقاوم، وفر لها الارضية التي ساعدت على استيعاب الهجمة الامريكية التي تحولت الى حرب اقتصادية شاملة، طالت حتى الدواء، من دون اي تنازلات امام المطالب الامريكية ذات الاهداف الخليجية والاسرائيلية.

وامام فشل كل هذه الضغوط الامريكية المدعومة خليجيا واسرائيليا، لجأ ترامب الى خطوة تعبر عن درجة كبيرة من الحمق السياسي باغتيال الفريق الحاج قاسم سليماني فجر الثالث من كانون ثاني/ يناير 2020 بالقرب من مطار بغداد الدولي، ثم جاءت عملية اغتيال العالم النووي الدكتور محسن فخري زاده بالقرب من طهران لتعقد المشهد اكثر وتعزز اعتقاد ترامب بان هذه الاغتيالات ستجبر ايران على الرضوخ بعد هذه الخسارة الكبيرة ويدفعها لتقديم تنازلات سريعة وقاسية خوفا من اي هجوم عسكري ضدها قد يؤدي الى سقوط النظام الاسلامي.

امام كل هذه الاستهدافات والتحديات لم تلجأ ايران الى استخدام اوراقها الاقليمية في عملية الرد على هذه الاعتداءات والجرائم الامريكية ـ الاسرائيلية، بل كان الرد على كل الحصار والاغتيالات باستهداف القوات الامريكية مباشرة باسقاط طائرة التجسس “غلوبال هوك” الاكثر تطورا في الترسانة الامريكية، واستهداف قاعدة عين الاسد في الانبار وقاعدة الحرير في اربيل، فيما تركت للقوى والفصائل العراقية حرية الرد على عملية اغتيال قائد اركان الحشد الشعبي الشهيد ابو مهدي المهندس، التي حصرت ردودها باستهداف القوافل والقواعد الامريكية داخل العراق على اعتبارها قوات احتلال.

وعلى الرغم من كل الخيانات التي تعرضت لها ايران من قبل بعض القوى العراقية التي تنكرت لكل التضحيات التي قدمتها في الحرب ضد الارهاب ومن اجل استعادة السيادة العراقية، والوضع الذي واجهته جراء ما يسمى بانتفاضة تشرين والاتهامات التي وجهت لها وكل الاصوات التي لم تتردد بالمطالبة بخروجها من العراق سياسيا واقتصاديا واستشاريا، وذلك خدمة لمطالب الادارة الامريكية ولبعض الدول الخليجية تحت ذريعة عودة العراق الى الحضن العربي، وهي تحركات ومواقف كانت واضحة الاهداف ضدها، حتى انها لم تعارض تشكيل حكومة تقترب من المطالب الشعبية على الرغم مما في ذلك من تعارض لمصالحها ومصالح بعض حلفائها الحقيقيين. الا انها وامام كل هذه الخيانات لم تلجأ لاستخدام الساحة العراقية لتوجيه الرسائل الى الدول المتأمرة عليها ولم تعتمد سياسة التفجيرات لايصال هذه الرسائل، من منطلق واضح وصريح هو عقيدتها بحرمة هذه الدماء والتزاما بالمبادئ والعقائد الدينية والاخوية والمذهبية التي تربطها بالشعب العراق وتتحكم بقرارها السياسي والاخلاقي.

اكثر من 5000 انتحاري استخدمتهم “القاعدة” ومن ثم تنظيم “داعش” ليعيثوا قتلا وتدميرا في العراق هم من الجنسية السعودية، التي تعتبر الرافد السياسي والعقائدي والمذهبي لهذه الجماعات، والهدف منها ليس من اجل محاربة الاحتلال الامريكي، بل من اجل قطع الطريق على نجاح تجربة الحكم الجديدة ما بعد عام 2003 التي تقودها جماعات المعارضة العراقية المعادية لاميركا، وهي لم تترك مناسبة او وسيلة من اجل افشال هذه التجربة، والعمل على شيطنة الدور الايراني الذي وقف الى جانب العراق الجديد واستطاع ان يدعمها من اجل استقرار العراق والمنطقة. ولم تتوقف هذه العمليات والاستهدافات والتفجيرات الا بعد وصول ترامب الى الرئاسة الامريكية وعقد الصفقة مع بعض هذه الدول الخليجية، وما عودة التفجيرات الى العراق الا تعبير عن فشل هذه الدول ومعهم ترامب بالوصول الى اهدافهم في حصار واسقاط ايران ودورها، وبالتالي فان مقولة دبلوماسي خليجي في جلسة جرت في بغداد تعليقا على سؤال حول اسباب توقف التفجيرات في العراق في رئاسة ترامب وانفتاح بعض القوى “الشيعية” على هذه الدول وابتعادها عن ايران بان “المعادلة اختلفت”، ما هذه المقولة سوى تأكيد بان معادلة جديدة بدأت تلوح في الافق مبنية على ايجابية نسبية وحذرة بين طهران والادارة الامريكية الجديدة ستكون في غير صالح هذه الدول وادواتها العراقية، وان خيار تفجير الاستقرار العراقي هو المدخل لافشال اي “تفاهمات” ايرانية امريكية قد تعيد المعادلة السابقة الى ما كانت عليه وهذه المرة بشروط ايرانية اكثر وضوحا وصلابة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى