أحدث الأخباراليمنمحور المقاومة

ثبات اليمـن

مجلة تحليلات العصر الدولية - حميد رزق /مجلة يمن ثبات

سيخلد التاريخ في صفحاته أن اليمن الجريح، وأن شعبه المظلوم والمستهدف تمكن من تسطير آيات المجد والعز بثباته في وجه أعتى مؤامرة، وأقسى الحروب التي شنتها قوى الاستكبار العالمية بأذرع عربية وأقنعة إسلامية مستهدفة تركيع هذا الشعب، وتمزيق وحدته، والقضاء على هويته الإيمانية والوطنية الأصيلة والإيجابية.

وقناعتي أن العدوان على اليمن لم يبدأ في شهر مارس 2015م، ولكنه بدأ مع ظهور دولة الدرعية الأولى عام 1744م على يد محمد بن سعود بن مقرن، وهو تاريخ ظهور الدعوة الوهابية عندما التقى محمد بن عبد الوهاب بمحمد بن سعود، واتفقا على إقرار ما يسمى بميثاق الدرعية القائم على تكفير مجتمع الجزيرة العربية، والتوسع في كل الاتجاهات بما في ذلك جنوباً باتجاه اليمن بعد نجاحهم في غزو إمارة الرياض والأحساء، والوصول إلى البحرين والكويت، وخاضت الدولة السعودية الأولى حروبا عدة قبل سقوطها على يد الجيش المصري التابع للدولة العثمانية.

نزعة التوسع والعدوان جزء من تكوين الذات السعودية؛ وذلك لعدة أسباب أولها: كون هذا الكيان صنيعة الاستعمار الإنجليزي تم زرعه في شبه الجزيرة العربية؛ للقيام بوظائف محددة أبرزها القضاء على القبائل العربية الأصيلة التي ارتبطت بالهوية النقية للإسلام؛ لما لها- أي: تلك القبائل- من أهمية في قيادة العالم الإسلامي بأسره نتيجة وجودها بالقرب من مكة والمدينة، وكونها الامتداد البشري لجيل الإسلام الأول، فكان التوسع السعودي في شبه الجزيرة العربية مدروسا بعناية، ووقفت دول الاستعمار خلف ابن سعود وابن عبد الوهاب حتى وحدوا شبه الجزيرة العربية، وأقاموا دولتهم الوهابية عليها بما يضمن للإنجليز والغرب إيجاد نسخة من الإسلام قائمة على التوحش، والقضاء على كل ما له صلة بالهوية العربية والإسلامية الأصيلة، وباسم الإسلام ذاته.

السبب الثاني من أسباب تجذر نزعة التوسع والعدوان في النظام السعودي تحالفه الوثيق مع الفكر التكفيري الوهابي الذي يدفعه لتكفير المجتمعات المسلمة، واستحلال دماء المخالفين بذريعة محاربة الشرك، والدفاع عن التوحيد والسنة وعن الصحابة.

بعدما استتبّ الأمر للدولة السعودية الثالثة، وسيطرت على شبه الجزيرة العربية بشكل كامل، شكّل الوجود الزيدي في اليمن أهم العراقيل والمهددات للفكر الوهابي السعودي، ومن هنا بدأ تركيز السعودية (النظام والمذهب) على اليمن، وجرت المحاولات الكثيرة لضم اليمن بشكل كامل إلى الدولة السعودية، ولكن الأطماع الوهابية كانت تتكسر على صخرة صمود اليمنيين ومقاومتهم للمد السعودي الوهابي الذي تمكن في نهاية المطاف من احتلال مساحات غير قليلة من الأرض اليمنية.

حتى عام 1905م كانت نجران وعسير اليمنيتان تابعتين إداريًّا للوالي العثماني باليمن، وقبل الأتراك كانت تحت حكم الأئمة اليمنيين من بني القاسم ومن قبلهم من حكام اليمن ودولها المتعاقبة، واتفاقية الطائف على الرغم من إجحافها بحق اليمن، لكنها نصت على أن تستمر السيطرة السعودية على نجران وعسير عشرين سنة فقط بعدها تعود المفاوضات؛ لتحديد مصير المدينتين باعتبارهما يمنيتين، ويجب أن تعودا إلى السيادة اليمنية.

لم تكن عين السعودية على الأرض اليمنية فقط، وكان الاهتمام يتركز أيضا على الفكر والهوية الدينية، وما لم يستطع السعوديون تحقيقه بالغزو عملوا على إنجازه بحملات التبشير الوهابية التي بلغت ذروتها خلال الخمسين عاما الماضية بعد ثورة 26 سبتمبر، وقتها نجحت السعودية في اختطاف النظام الجمهوري الوليد، وإفراغه من مضمونه؛ لتتحول اليمن بعد ذلك إلى شبه مستعمرة سعودية.

وحتى لا أطيل وأخرج عن الموضوع لا بد من الإشارة إلى أن ثبات اليمن واليمنيين بوجه العدوان الحالي ليس ثباتاً في مواجهة النظام السعودي فقط، ولكنه ثبات في وجه حرب عالمية كونية كبرى لا يمثل آل سعود فيها سوى رأس الحربة والأداة القذرة، ولم يسبق لليمنيين أن كانوا بمثل هذه القوة والعنفوان والعزة أمام الحقد والغطرسة الوهابية التكفيرية منذ نشأة الكيان السعودي.

من يتأمل في موازين القوة بعد ستة أعوام من العدوان، وكيف يراكم اليمانيون عوامل الثبات والمواجهة والصمود مقابل التخبط السعودي، يدرك أننا نعيش مرحلة تحولات يقودها شعب الإيمان والحكمة؛ لإعادة مياه الكرامة والعزة العربية والإسلامية إلى مجاريها بعد قرون من الفساد والإفساد الوهابي السعودي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى