أحدث الأخبارشؤون اوروبيية

ثرثرة على ضفاف الحرب على أوروبا

مجلة تحليلات العصر الدولية

كلمة ثرثرة لا توحي بالجدية، كما لا توحي بالرسمية، فهي مجرد ثرثرة تعبر عن الانطباعات الشخصية حول ما يحدث في أوروبا.

ينتقد الكثيرون مؤخرا ظاهرة الدخول الجماعي على مجال الفتوى والتحليل السياسي في كل ما يحدث في العالم، وكأن الجميع تحولوا إلى خبراء، وأنا هنا لا الوم كل من يدلي بدلوه في هذا المجال، من باب أن 73 من متابعة الشعب الفلسطيني كل أنواع المحطات الإخبارية، تتبعا لأخبار فلسطين، خلف ثقافة سياسية واسعة لدى الشعب الفلسطيني، قلما حظي بها شعب آخر في العالم.

كما لا الوم أيضا المنتقدين للدخول الجماعي على خط التحليل السياسي، من باب افساح المجال لأولي التخصص كي لا تغرق الساحة في تكهنات وتخمينات وبناء مقدمات ونتائج غير صحيحة.

ما علينا نعود للثرثرة الخاصة بنا على ضفاف الحرب على أوروبا، وليس الحرب الروسية على أوكرانيا كما اعتاد الجميع على القول.

فأنا شخصيا أعتقد أن انسحاب أمريكا من أفغانستان ليست هزيمة بالشكل الذي يحلوا للبعض تصويره، فأمريكا وتحت غطاء أحداث الحادي عشر من سبتمبر، غزت أفغانستان ليس لحرب طالبان والقاعدة، بقدر شن الحرب لتأمين مصالحها التي تتمثل بتأمين مرور خطوط البترول والغاز من دول الاتحاد السوفيتي السابق عبر الأراضي الأفغانية، وما انسحبت أمريكا من أفغانستان إلا بعد الحصول على اتفاق يضمن لها سلامة هذه الأنابيب، في وقت تركت فيه أفغانستان بلدا مدمرا مفلسا محاصرا، منشغلا في ترميم وإعادة بناء واعاشة شعبه الفقير عن أية احتمالات او انشغالات بتهديد المصالح الأمريكية.

وضربت مثلا على انسحاب أمريكا من أفغانستان للتدليل على أن الخطوات الامريكية بالانسحاب، التقدم أو التراجع، مرتبط بإعادة التموضع، وبما يخدم الأهداف والخطط الأمريكية الموضوعة مسبقا، وليس مرتبط بما يعتقده البعض من ضعف أو تراجع أمريكا كقطب أوحد، كما غير مرتبط بشباب أو كهولة رئيسها، فالرئيس في أمريكا هو مجرد واجهة لمنظومة سياسية واقتصادية عميقة وقوية وكبيرة تدير المشهد الدولي.

ومن هنا بالضبط يعود سبب التسمية للحرب على أوروبا، وليس الروسية على أوكرانيا، فحفاظ أمريكا على موقعها كقطب أوحد يستلزم الإبقاء على أمريكا كمسيطر أكبر على كامل أوروبا، وهذا لا يتحقق بعد اقتراب انتهاء صلاحية اتفاقية الاستسلام إثر هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الأولى قبل نحو 100 عام، وقرب خروج كل من تركيا وألمانيا من السيطرة الامريكية المطلقة، لناحية إعادة الاعتبار لجيوشهم وعوامل قوتهم المختلفة، لا يتحقق استمرار السيطرة الامريكية ووحدانية قطبيتها إلا بمهدد خارجي يضمن إبقاء أوروبا تحت الجناح والنفوذ الأمريكي، ويضمن ابعاد المانيا عن خطر التحالف مع روسيا، تحت ستار خط الغاز وشريان الحياة الصناعية والاجتماعية نورد ستريم 2.

وهذا المهدد الذي وقع عليه الاختيار الأمريكي هو الروسي الذي تقضي الخطة الامريكية بإضعافه وعزله وازاحته عن مواقع المنافس المحتمل على موقع القطبية، فكان لابد من طعم أو فريسة يلقى إلى النمر الروسي الجائع للعودة إلى الحلم السوفيتي المسيطر والمتمدد على مساحات الدول التي استقلت في اعقاب سقوطه مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وعليه هل ما يجري في أوروبا مجرد حرب روسية على أوكرانيا بهدف تامين حدود روسيا من حلف الناتو، أم أن الأمر ابعد من ذلك بكثير، وما هذه التلويح بضم أوكرانيا لحلف الناتو إلا الطعم الذي تم استدراج روسيا به لتورطيها في المستنقع الأوكراني.

واليكم بعض الشواهد:
– لمن ترسل أمريكا أوروبا الدعم العسكري، هل للجيش الأوكراني أم لما يسمى بالمقاومة الأوكرانية المدعومة بالمرتزقة وبالسلاح وبالخبراء والمستشارين من أمريكا وغيرها.!

– في وقت تجري فيه مباحثات سلام روسية اوكرانية، لماذا لا تبني أمريكا آمال على نجاح هذه المفاوضات وبدأت أمريكا بالحديث عن إيجاد بديل عن زيلينسكي في حال اغتياله، وعن حكومة منفى اوكرانية، إذا لم يكن يقضي المخطط الأمريكي بتوريط روسيا في المستنقع الاوكراني لفترة طويلة من الزمن.

– ألم تقرأوا تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال فيه أن الأسوأ لم يأت بعد، وأن علينا الاستعداد لحرب طويلة في اوكرانيا.

– لماذا تستمر أمريكا في استفزاز روسيا بالإجراءات العقابية اقتصاديا وعسكريا ورياضيا وثقافيا وفنيا الخ على مستوى العالم، والتي طالت افراداَ ولم تستثني حتى الطلاب الروس في أوروبا، فضلا عن الحراك الأمريكي لمدمراتها في بحر البلطيق، ولحركة الامداد المتنامي للسلاح عبر بولندا باتجاه روسيا، اللهم إلا إذا كانت أمريكا تستدعي ردا روسيا على مستوى السلاح النووي، لتحقيق الحلم الأمريكي بدمار روسيا وأوروبا معا، ثم التفرغ للدب الصيني الذي لم يسبق له خوض أية معارك خارج أرضه.

بعد 100 عام على سقوط الخلافة العثمانية، وعلى اتفاقية الاستسلام في اعقاب الحرب العالمية الأولى، كان لابد من خطة أمريكية تجدد فيه عوامل قوتها ونفوذها وبسط سيطرتها على كثير من الدول في العالم، ضمانا لمصالحها، ولضمان بقاء السيطرة على الثروات وعلى مصادر الطاقة.

فنتائج الحرب المدمرة على أوروبا، لابد ان تنتج تغير حقيقي في الخارطة الجيوسياسية في العالم، لناحية اختفاء دول ونشوء أخرى، وتقسيم دول وتوحيد أخرى، لتتغير الخرائط بما يضمن المصالح الأمريكية ووحدانية قطبيتها.

قرأنا كثيرا أن المحافل الماسونية تحاول افناء البشر وتقليل اعدادهم الحالية عبر تصنيع ونشر الأوبئة، فكانت كورونا، ولا نستبعد ايضا أن تندرج هذه الحرب في أوكرانيا وامتداداتها المحتملة في أوروبا، واحتمالات تطورها لحرب نووية ضمن خطط افناء اعداد كبيرة من البشر ليسهل عليهم السيطرة كما يخططون.

طبعا أمريكا ليست قدرا، ولا يمكن لها أن تلعب دور الآلهة، فهي تمكر بخبث، وتخطط بدناءة مادية لا تعطي أي اعتبار للإنسانية ولا لحياة البشر، لكن للإله العظيم قدر آخر، ونؤمن بل نوقن، أن هذا القرن هو قرن الإسلام العظيم، فهو الوحيد المؤهل والقادر على مواجهة هذه الحضارة المادية الخالية من الروح ومن الاعتبارات الإنسانية.

تمكر أمريكا ومن خلفها كل المحافل الماسونية والصهيونية، ويمكر الله، والله خير الماكرين، وحتما سيجعل الله تعالى تدبيرهم في تدميرهم، وتدميرهم في تدبيرهم، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا، لا نقول متى ولا نقول كيف، فهذه تساؤلات لا تليق لمن أمره بين الكاف والنون، إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.

وما علينا سوى العمل ثم العمل ثم العمل والاستعداد لهذا اليوم.
أولا بالتقرب إلى الله تعالى لنستحق وراثة هذه الأرض.
وثانيا بامتلاك كل أسباب القوة، ترجمة لأمره تعالى وأعدو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى