أحدث الأخبارايران

جوانب خفية من داخل ايران حول الاتفاق النووي

مجلة تحليلات العصر الدولية

بقلم: د. محمد العبادي

خاضت ايران سباقا مارثونيا في التفاوض مع مجموعة النادي النووي ، وكان ملف التفاوض معقودا بعهدة رئيس المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني .
لقد تولى هذه المسؤولية وتفاوض مع تلك المجموعة الدولية كل من الرئيس الحالي حسن روحاني ،وبعده جاء علي لاريجاني ثم اخيرا سعيد جليلي وكانت تجارب المفاوضات وتعقيداتها تنتقل من السابق إلى اللاحق .
فكرة التفاوض لم تكن بنات أفكار الرئيس روحاني ، بل كانت قد طرحت سابقا في زمن الرئيس خاتمي في اواخر التسعينيات من القرن الماضي وعلقت ايران بعد التفاوض تخصيب اليورانيوم في مفاعلاتها لمدة سنتين ، لكنها لم تحصل آنذاك من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن إلا على المماطلة والتسويف واجهضت تلك المفاوضات .
ثم إستئنفت من رأس فيما بعد في زمن الرئيس محمود أحمدي نژاد ، وبني على ماهو صحيح من خطوات توافقية سابقة وعفي عن ماهو مورد اشكال وخطأ ، وبدأت عمليات التفاوض تأخذ مسارات متقدمة ،ولم تصل ايران إلى نتيجة بسبب منهج المغالبة الذي تتبعه المجموعة الغربية فهم يريدون تسجيل أكبر ربح لهم مقابل اقل منفعة لإيران !.
على اية حال عندما جاء الرئيس روحاني إلى السلطة تم نقل مسؤولية الملف النووي من المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني إلى وزارة الخارجية . وبدأ السيد ظريف باعتباره يملك خبرة كافية في العمل الديبلوماسي بتحريك ملف التفاوض مع المجموعة الدولية .
وزير الخارجية الإيراني كان يتابع ملف المفاوضات مع الاعضاء في مجلس الأمن ومع ممثل السياسة الخارجية الأوربية خافيير سولانا ، لكنه كان يرفض الأسلوب المتصلب الذي سلكه الدكتور سعيد جليلي مع العلم ان جواد ظريف اتبع أكثر الخطوات التي وضع جليلي قدمه عليها ، الفرق كان في الكاريزما الشخصية للسيد ظريف وطريقة التعاطي مع الدول النووية للوصول إلى الهدف .
لقد كان الإمام الخامنئي يتابع موضوع الملف النووي بنفسه من خلال تواصله مع الرئيس روحاني وايضا مع وزير الخارجية وفريقه ، وكانت تنقل اليه الصورة من أكثر من قناة قانونية ولديه مستشارين كبار من أمثال ولايتي وناطق نوري وغيرهم . وكان السيد خامنئي بصيرا ويقظا وقد أشار إلى أنه لايعارض ألتفاوض لكنه لايثق بامريكا وطرح هواجسه أمام المسؤولين انذاك وقال لهم الأصل أننا اهل الحوار والمنطق ولكن عند التفاوض مع هذه الدول يجب عدم الاقتراب من الخطوط الحمراء ومراعاة مصالحنا وهي : ان نستفيد من حقنا في عضوية منظمة الطاقة النووية بتخصيب اليورانيوم وفق المعدلات المسموح بها . وأن برامجنا العسكرية ومنها الصاروخية ليست موضعا للتفاوض مع هذه الأطراف ، وأن تلغى اجراءات الحظر ،ويرفع الحصار الاقتصادي دفعة واحدة وأن لا يسمح لتلك المجموعة الغربية في الدخول الى ملفات أخرى مثل سوريا وسلاح المقاومة ودعم فلسطين .
وقال لهم أنني قلق من التفاوض مع الدول الغربية وخاصة أمريكا لان طبيعتها الماهوية وتاريخها لايساعدان على التقيد بالالتزام ببنود الاتفاق ويجب أخذ ضمانات كافية عند وضع بنود الاتفاق .
السيد روحاني ووزير خارجيته لم يكونا بعيدين عن أفكار الرئيس الأسبق رفسنجاني وكانا يستشيرانه لتخمير الافكار . وكان لدى وزارة الخارجية الايرانية بعض المستشارين وايضا يوجد فيها مجلس للسياسات الاستراتيجية يضم خيرة النخب الثقافية والسياسية بترأسه الدكتور كمال خرازي وقد عقد اجتماعاته ومداولاته بشأن موضوع الملف النووي حتى ان هذا المجلس قد عقد جلسة علنية وتحت ضوء الإعلام لمناقشة التوافقات الأولية مع المجموعة النووية ووضع لمساته عليها .
لقد تم مناقشة بنود الاتفاق النووي في أكثر من مؤسسة رسمية ؛ فقد ناقشها مجلس السياسات الاستراتيجية في وزارة الخارجية ، و ايضا تم مناقشتها من قبل اعضاء المجلس الاعلى الأمن القومي الإيراني، وايضا نوقشت المسودة من قبل اللجان البرلمانية المختصة مثل لجنة الأمن والدفاع ، ولجنة السياسات الخارجية ، واللجنة القانونية حتى ان هذه اللجان البرلمانية قد ناقشت المسؤول السابق للامن القومي الايراني وأعضاء فريقه حول بنود الاتفاق ، ووصلت دقة المناقشات حتى إلى صياغة نص الاتفاق والتوقف عند بعض الكلمات الانگلیزية السيالة والتي تحتمل أكثر من تفسير .
ثم ناقشت تلك اللجان البرلمانية الرئيس السابق لمنظمة الطاقة النووية فريدون عباسي لمناقشة الجوانب الإدارية والفنية .
وقد حصل التصويت بعد ذلك من قبل أكثر أعضاء البرلمان الإيراني في مبنى البرلمان.
بعد التوافق على ذلك الاتفاق التاريخي في سنة ٢٠١٥م ، عادت أمريكا إلى سيرتها الأولى، وأعادت فرض جميع العقوبات على ايران في انتهاك واضح لقرار مجلس الأمن الدولي رقم ( ٢٢٣١ ). وبعد تمزيق أمريكا للاتفاق فرضت( ١٢٩ )عقوبة جديدة على ايران مضافا إلى العقوبات السابقة.
ان الدول التي وقعت على الاتفاق وحسب قول وزير الخارجية الايرانية لم تلتزم حتى بنسبة 1% من بنوده !!! بل ان السيد عراقچی مساعد وزير الخارجية قال أنهم قدموا لنا صفر من الالتزام .
وفي مقابل ذلك التزمت ايران بالاتفاق حتى انها وفي مبادرة حسن نية قد سلمت الدول الأعضاء في التفاوض جهود عشر سنوات في مفاعلاتها حيث سلمتهم ( ١٠ ) آلاف كيلو من اليورانيوم المخصب وتبلغ قيمته في الأسواق العالمية (١٨ ) مليار دولار !!! و..و..الخ
ان الفريق الايراني المفاوض رغم خبرته ، لكنه لم يكن موفقا ، لانه أعاد الاستماع إلى الدرس الذي تعلمه سابقا من الثورة وهو : لا تثقوا بامريكا حتى ولو حلفت لكم باليمين المغلظة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى