أحدث الأخبارشؤون آسيويةشؤون امريكية

جيوش أمريكا نمور من ورق بقلم ابو حيدر المدرس

مجالة تحليلات العصر الدولية

كان انهيار الجيش الأفغاني التراجيدي وسقوط العاصمة كابل خلال أيام معدودات بيد طالبان مفاجأة صاعقة للكثيرين الذين كانوا يتصورون إن هذا الجيش الذي تدرب وتجهز بواسطة الخبراء الأمريكان وكلف الحكومة الأفغانية 88 مليار دولار خلال عقدين من الزمن ( حسب تقرير صحيفةpolitico الأمريكية ) يمكن له أن ينهار بمثل هذه السرعة الخاطفة ؛ ولكن هذا الأمر لم يكن مفاجأة لمن عايشوا نفس التجربة في العراق وشهدوا بأم أعينهم انهيار ثلاثة فرق عسكرية مسلحة ومدربة ومجهزة على يد الخبراء الأمريكان وصرفت عليها عشرات الملايين من الدولارات وهي تتبخر خلال ساعات معدودات أمام هجوم الدواعش على الموصل واحتلالها .
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو ما هو السبب في هذه الانهيار هنا وهناك وكيف يمكن لدولة مثل أمريكا وما تملكه من خبرات وتقنيات عسكرية أن تصنع جيوشا وبأحدث التجهيزات تكلف المليارات لتنهار خلال أيام معدودات ؟
أن الجواب لا يمكن الحصول عليه بسهولة إذا تصورنا إن أمريكا إنما تقوم بذلك من خلال حسن النية والصدق في التعامل والاعتقاد إنها تريد بشكل جدي بناء جيوشا وطنية بكل معنى الكلمة جيوشا تدافع عن أرضها وشعبها و وجودها لان تشكيل أي جيش قوي يحمل أيدلوجية تنبع من هويته الذاتية وروحه الدينية والوطنية لن يكون بنفع أمريكا وسياستها المبنية على الهيمنة العسكرية ونفوذها السياسي وتاريخها الطويل في صنع وبيع السلاح للدول المتحاربة في كل نقاط العالم .
ويمكن لنا أن نخوض أكثر في تجربة تسليح الجيش الأفغاني فقد أعلن البنتاكون في بداية شهر تموز الحالي أن الجيش الأفغاني وصل إلى مرحلة يمكنه فيها الدفاع عن بلده وصد هجمات طالبان بشكل جيد .
وعلى الرغم من تلك التصريحات فقد كان من الواضح بأنه على الرغم من تجهيز الجيش بالطائرات والعجلات المدرعة إلا انه كان هناك نوعا من التخطيط لجعله يعاني من الشلل والفساد والاعتماد بصورة كاملة على الخبراء الاميركان ؛ فلم تكن هناك سوى قوات للمشاة وليس هناك تقريبا أي فرق مدرعة ثقيلة أو قوات مشاة ميكانيكية كما لم تكن هناك وحدات مدفعية سوى قطعات محدودة تملك مدافع من عيار 122ملم وبعض صواريخ كراد .
أما الطامة الكبرى فقد كانت في القوة الجوية الأفغانية فبلد جبلي كبير مثل أفغانستان يجب لن يكون مجهزا بقوة جوية مناسبة لتغطية العمليات العسكرية ولكن أمريكا لم ترسل سوى 28 طائرة هليكوبتر (أم دي 530 أف )وكان من المقرران يصل هذا العدد إلى 154 طائرة في سنة 2022 وكلها مجهزة بمدافع رشاشة وصواريخ بدون توجيه ليزري أي ان قدراتها في الإصابة محدودة جدا إذا أخذنا بنظر الاعتبار حركة الطائرة واهتزازها وسرعتها خلال العمليات كما ان قدرة تلك الطائرات محدودة جدا في الارتفاعات العالية والبيئة الجبلية ويكفي أن نشير إلى كلام احد العسكريين الأفغان وهو طيار متمرس اسمه قلندر شاه قلندري خلال لقاء في صحيفة نيويورك تايمز إذ يقول في الواقع إنا لا ادري لمذا نملك تلك الطائرات فلو طاردنا بها العدو و تعرضنا لإطلاق النار فإننا لا نستطيع الصمود وإذا ارتفعنا إلى الأعلى فلن نستطيع رؤية العدو وهي غير مدرعة ومحركها ضعيف أيضا وعندما يطير بها رجالنا فالله وحده إلى أي اتجاه ستذهب وليس من الواضح بأنها ومن عليها سيعودون سالمين أم لا ؟
أما الجانب المهم والعجيب فهو إن كل عمليات التجهيز والصيانة لكل تلك الطائرات تحت إشراف الخبراء الأمريكان فقط ولا يسمح لأي قوة محلية أفغانية بالتخصص في هذا الجانب .
أما الطامة الكبرى فهي موضوع الفساد المالي وهو نسخة مطابقة تماما لما حدث ويحدث في العراق فرجال الحكومة لا يهمهم الجيش بل الدولارات ورجال الحكومة وقادة الجيش وفي ظل الوجود الأمريكي وتشجيعه لهذا النهج من الفساد لا يهمهم التسليح بل زيادة أرصدتهم وتكررت لديهم أيضا قصة الجنود الفضائيين بشكل لا يختلف عما حدث في العراق .
ومن خلال تجربة صنع الجيوش الأمريكية في البلدان التي احتلتها يمكن أن تترسخ لنا قناعة كاملة بالمثل العربي القديم “ما حك جلدك مثل ظفرك” وهو درس عرفه أبناء العراق جيدا عندما خاضوا تجربتهم الأولى مع الدواعش فلم ينقذ العراق سوى أبنائه الذين لبوا نداء الفتوى ولم ينتظروا التسليح الأمريكي بل توجهوا وهم يحملون البنادق في أيديهم وعقيدة حب الوطن والدفاع عن المقدسات في قلوبهم فكتبوا شهادة النصر بدمائهم .
إن الجيوش لا تصنعها الدولارات ولا الخبراء العسكريين الأمريكان بل يصنعها الإيمان والرجال المؤمنون بعقيدهم والملبين لنداء قادتهم الحقيقيين الذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى