أحدث الأخبارايرانمحور المقاومة

حاجة الغرب لتنفيذ الاتفاق النووي مع ايران

مجلة تحليلات العصر الدولية - صالح القزويني / مرصد طه الإخباري

يسعى الغرب الى الايحاء بأن الاتفاق النووي لا يأبه به وأنه غير مهتم به وان ايران هي المتعطشة له، ولعل تصريحات بعض المسؤولين الغربيين وخاصة الأميركيين حول نتائج المفاوضات وتأكيدهم أنها لم تحرز أي تقدم نموذج على ذلك، على الرغم من أن المفاوضات لم تتحرك لتحرز التقدم، بل المفاوضين اتفقوا على بحث المواضيع التي تحظى بالأولوية ومن المفترض أن يبحث كل فريق مفاوض القضايا المطروحة مع حكومة بلده ثم يعود لاحقا الى المفاوضات لمناقشتها، وبالتالي لم تناقش المفاوضات أي موضوع لتحرز تقدم أو لا تحرزه.

🔸ان اساس ايفاد الغرب لفرق التفاوض الى فيينا، والاتفاق على العودة اليها واستئناف التفاوض دليل واضح على أن الاتفاق النووي يحظى بأهمية بالغة للغرب، وان لم تكن مهمة للغرب فهل من المعقول أن يهدر مئات الساعات من وقت مفاوضيه، والنفقات الكبيرة على قضية غير مجدية؟

✨. وقبل أن ندخل في صلب الموضوع علينا أن نقسم الغرب الى قسمين، الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، فليس بالضرورة أن تتطابق حاجة الولايات المتحدة الأميركية مع الدول الأوروبية، بل أن حاجة الأوربيين للاتفاق أكبر من حاجة الأميركيين، وربما اشتركت أوروبا وأميركا في بعض دوافعهما وحاجاتهما للاتفاق مع ايران.

الحاجة الأوروبية

🔸العامل الاقتصادي يأتي في مقدمة الأسباب التي تدفع الدول الأوروبية الى الاتفاق مع ايران، فمنذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق وفرضه عقوبات على الشركات التي تتعامل مع ايران فان جميع الشركات الاوروبية انسحبت من السوق الايرانية وخاصة السوق النفطية التي تدر عليها أرباحا طائلة.

▪️لاشك أن الانسحاب من هذه السوق كبدها خسائر فادحة خاصة تلك الشركات التي أبرمت اتفاقيات مع ايران وكانت تنشط في العديد من المجالات، ومن الطبيعي أن هذه الشركات لم يكن بوسعها التمرد على العقوبات الأميركية، لأنها ستكون قد خسرت مشاريعها ونشاطاتها الاقتصادية والتجارية في الولايات المتحدة، لذلك اضطرت الى وقف التعامل مع ايران على حساب علاقاتها التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة.

الى جانب العامل الاقتصادي فهناك أيضا التعاون الأمني والمعلوماتي وخاصة فيما يتعلق بالجماعات الارهابية وتجارة المخدرات من حاجات أوروبا للاتفاق مع ايران، وطالما هددت طهران بوقف تعاونها الأمني مع أوروبا اذا رافقت الولايات المتحدة في مسيرة التصعيد ضدها، كأن تدعم واشنطن في مساعيها لنقل الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن الدولي.

كما أن ايران تلعب دورا مهما في الحد من الهجرة الى الدول الأوروبية، وخاصة هجرة الايرانيين أو الأفغان أو رعايا بعض الدول الذين يريدون العبور الى أوروبا عبر ايران من خلال التنقل عبر خطوطها الجوية.

وتعد قضية الهجرة من القضايا التي تتسبب بقلق وصداع مزمن للدول الأوروبية، وتبذل أوروبا المستحيل لمنع الهجرة غير الشرعية اليها، بل أن بعض الدول تستخدم هذا العامل للضغط على أوروبا لانتزاع بعض المكاسب منها أو لتوقف ضغوطها عليها، كما فعلت بيلاروسيا في الآونة الأخيرة، عندما فتحت حدودها للاجئين والمهاجرين.

والى جانب كل ذلك فهناك كلام عن أن الدول الأوروبية تقلقها مديات الصواريخ الباليستية الايرانية، وتعتقد أن هذه الصواريخ تشكل عامل تهديد لها، ولكن من المؤكد ان ايران لن تستخدم هذه الصواريخ ضد اوروبا ان امتنعت عن المشاركة في أي عدوان ضد ايران، أما لو شاركت فلا ينبغي أن تتردد أن الصواريخ الايرانية ستطالها.

الحاجة الأميركية

احد الأسباب الرئيسية وراء انسحاب ترامب من الاتفاق النووي انه لا يحقق مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة، وطالما وصف الاتفاق النووي بانه أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، فبما أن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين ايران وأميركا فان الشركات الأميركية لم يكن لديها اي نشاط في ايران، لاشك أن طهران أعلنت عندما أبرم الاتفاق النووي عام 2015 بأنها ليس لديها مانع في أن تنشط وتستثمر الشركات الأميركية في ايران.

عندما انسحب ترامب من الاتفاق شعر بأهميته وضرورته للولايات المتحدة، ورأى أن الأهمية الأمنية والسياسية للاتفاق تحقق مكاسب أكبر من الاقتصادية للولايات المتحدة، فقد بدات المقاومة العراقية تلاحق القوات الأميركية وتسدد لها الضربات تلو الضربات،ط ولم يكن يمر أسبوع الا وشهد العراق هجمات على الارتال الأميركية، كما أن السفارة الأميركية في بغداد تعرضت لعشرات الهجمات الصاروخية.

كان لانسحاب ترامب من الاتفاق دورا كبيرا في تصاعد التوتر في المنطقة، الأمر الذي أدى الى انشغال الولايات المتحدة بملفات وقضايا ارغمتها على الابتعاد عن قضايا أكثر أهمية بل تعد أولوية للولايات المتحدة، ومن بين هذه القضايا الاهتمام بالوضع الداخلي ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تنفجر بين فترة وأخرى كقضية الاحتجاجات التي شهدتها المدن الأميركية بعد مقتل جورج فلويد.

▪️كما أن انشغال الادارة الأميركية بقضايا المنطقة وخاصة الملف النووي والصراع الاسرائيلي وفر فرصة ذهبية لللاعبين دوليين بتوسيع نفوذهم سواء السياسي أو الاقتصادي وفي مقدمتهم اللاعبان الروسي والصيني، لذلك فان تهدئة أوضاع المنطقة يسمح للولايات المتحدة بالتفرغ لمواجهة تحديات ومشاكل أكبر.

🔸وفي اطار التوتر الذي ساد المنطقة تلقت الولايات المتحدة ضربتين من ايران لم تتلق مثيلات لها في العصر الحديث، فلربما تتعرض القوات الأميركية أو المصالح الأميركية هنا وهناك لهجمات أو انفجارات، ولكن أن تقوم دولة وبشكل رسمي بتوجيه ضربة لأميركا، فهذا لم يحصل في التاريخ الأميركي الحديث، فقد سددت ايران ضربتين موجعتين للهيبة والكرامة الأميركية، الأولى ضرب قواتها في قاعدة عين الأسد، والثانية اسقاط طائرتها المسيرة، وعلى الرغم من الخسائر المادية للضربتين فان الخسارة المعنوية تفوق بشكل كبير الخسارة المادية، فقد هزت الضربتان كبرياء الولايات المتحدة.

▪️أما الحاجة الأميركية الأخرى لتنفيذ الاتفاق فهي مسايرة أوروبا لأميركا، فقد كان انسحاب ترامب من الاتفاق أحد أسباب برودة العلاقات الأميركية -–الأوروبية، بينما واشنطن بامس الحاجة لمسايرة أوروبا معها في كافة القضايا الدولية، وهذا ما صرح به الرئيس الأميركي جو بايدن فور وصوله للبيت الأبيض فقد أعلن بأنه سيتشاور مع الأوروبيين في القضايا الدولية.

🔸والى جانب اشتراك أوروبا وأميركا في الحاجة الأمنية للاتفاق النووي، فإن الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة تحدوهما الرغبة في السيطرة على البرنامج النووي الايراني، لكي لا يخرج هذا البرنامج عن السيطرة وكذلك لاستخدامه كأداة للضغط على ايران في تحقيق غايات أخرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى