أحدث الأخبارالخليج الفارسيةالسعودية

حديث ولي العهد السعودي.. وبعض “إشكالياته الإيرانية”

مجلة تحليلات العصر الدولية

قال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة بثتها مساء أمس الثلاثاء وسائل الإعلام الرسمية السعودية،”أن إيران دولة جارة، نريد أن تكون لدينا علاقة طيبة ومميزة معها.. لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بالعكس نريد إيران مزدهرة.. إشكاليتنا هي تصرفات إيران السلبية التي تقوم بها سواء عبر برنامجها النووي أو دعمها للميليشيات الخارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامجها للصواريخ الباليستية.. نعمل اليوم مع شركائنا في العالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات”.

نتمنى ان تكون مواقف ولي العهد السعودي “الجديدة”، من ايران، نابعة من التجربة المُرة للسعودية، خلال السنوات القليلة الماضية، والتي كانت حبلى بالدروس والعبر، في اليمن والعراق وليبيا وسوريا ولبنان وفي مجمل المنطقة، والا تكون تماهيا مع السياسة الامريكية في عهد الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن، انطلاقا من مبدأ الانحناء امام العاصفة.

اكدنا على وصف مواقف ولي العهد السعودي من ايران بـ”الجديدة”، لانه لم يستخدم يوما لغة دبلوماسية مع ايران، ناهيك عن التصالحية، حيث استخدم لغة في غاية التصادمية والعداء مع ايران ، ولم يؤمن بالتوصل معها الى حلول وسط ، رافضا مبدأ الحوار معها من الاساس، وبلغ به العداء لإيران، انه ربط رفض الحوار معها استنادا الى خلفيات طائفية ودينية وتاريخية!!، بمعنى انه يرفض الحوار مع ايران الى الابد، كما جاء في حواره الشهير مع الاعلامي السعودي داود الشريان عام 2017 ، بل هدد وبشكل علني وصريح عندما قال ما نصه:” الوصول إلى قبلة المسلمين هدف رئيس للنظام الإيراني، لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية بل سنعمل لكي تكون المعركة لديهم في إيران”!!.

من المؤكد ان مواقف ابن سلمان “الجديدة” ستكون محط اهتمام وسائل الاعلام العالمية، لسبب واحد وحيد، هي انها “جديدة” ولم يعتاد عليها العالم. فالعالم اعتاد فقط على دعوات ايران المتكررة للسلام في المنطقة، وخاصة مبادرتها الاخيرة المعروفة بمبادرة “هرمز” او “الامل” للسلام، والتي للاسف الشديد واجهت جميعها رفضا سعوديا لافتا، ويزداد هذا الرد قوة، كلما كانت الادارات الامريكية اكثر يمينية وصهيونية.

اما ان ولي العهد السعودي لا يريد ان تكون ايران في وضع صعب، فمثل هذا الكلام لا تؤيده ممارسات السعودية، التي تتناغم حتى التطابق مع “اسرائيل”، والتي تجلت في تأييد وتعضيد سياسة “الضغوط القصوى” التي مارسها الارعن ترامب ضد ايران، ومحاولات السعودية قبل ذلك اغراق اسواق النفط بالنفط الرخيص من اجل ضرب الاقتصاد الايراني، واستخدام النفوذ السعودي، القائم على المال، في امريكا، من اجل تحريض اليمين المتصهين هناك، لفرض المزيد من العقوبات، ضد يران، بهدف تجويع شعبها وتركيعه.

اما حديثه عن:”تصرفات إيران السلبية التي تقوم بها سواء عبر برنامجها النووي أو دعمها للميليشيات الخارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامجها للصواريخ الباليستية”، فهذا كلام أقرب ما يكون الى المزحة، فحتى امراء ال سعود باتوا يتذمرون من تصرفات ولي العهد السعودي، والتي عادة ما تتصف بالتسرع وعدم الحكمة، فهل هناك تصرفات “سلبية” اكثر من اخذ رئيس وزراء دولة عربية رهينة، واهانته ودفعه الى تقديم الاستقالة ومن الرياض. وهل هناك تصرفات “سلبية” اكثر من اشعال حرب مدمرة، في دولة عربية مجاورة هي اليمن، ومازالت متواصلة منذ اكثر من ست سنوات، احرقت الاخضر واليابس، ويفرض عليهم حصارا بريا وبحريا وجويا خانقا ، جاع بسببه ومازال اكثر من 20 مليون عربي مسلم، يموت طفل واحد كل عشر دقائق من الجوع، لاسباب تضحك الثكلى. وهل هناك تصرفات اكثر “سلبية” عندما يتحول المال السعودي والجماعات التي تحمل الفكر الوهابي السعودي الظلامي، الى معول للهدم في العراق وسوريا وليبيا واليمن ولبنان والصومال وافغانستان وباكستان، بشهادة التقارير الامريكية والغربية. وهل هناك تصرفات اكثر “سلبية” من طريقة تعامل النظام السعودي مع المعارضين السعوديين، وحتى الشخصيات المحايدة فيهم، عندما يتم مطاردتهم في شتى بقاع الارض وتصفيتهم عبر تقطيع اوصالهم وحرقها بالنار، كما كان مصير الصحفي جمال خاشقجي، وما خفي داخل االسعودية كان اعظم .

اما برنامج ايران النووي، فأين “سلبية” ايران من هذا الموضوع؟، الم توقع ايران اتفاقا نوويا مع القوى الدولية الكبرى، تم تاييده بالقرار الاممي 2231، واخضعت ايران منشآتها النووية لاشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وزادت على ذلك بقبولها بالبروتوكول الاضافي، الذي يسمح للمفنشين الدوليين، بتفتيش المنشآت االنووية بشكل مفاجىء دون سابق انذار. وتم تاييد التزام ايران بهذا الاتفاق بشهادة 15 تقريرا، صادرا عن الوكالة الدولية للطقة الذرية. بينما وقفت السعودية موقفا في غاية “السلبية” من هذا الاتفاق، وهو موقف اكثر سلبية من موقف “اسرائيل”، كرست السعودية كل امكانياتها من اجل اقناع ترامب للخروج من هذا الاتفاق، لانها لا تريد امن واستقرار المنطقة كما تدعي، فالذي يرفض اكبر نجاح للدبلوماسية الدولية، ويرجح الفوضى واستخدام القوة، لن يكون امن واستقرار المنطقة هاجسه، بل هاجسه هو ما تريده الصهيونية، وما تريده “اسرائيل”، وهو منع تقدم اي دولة عربية او اسلامية، تحت ذرائع شتى ومنها السلاح النووي.

في المقابل لا تلوذ السعودية بالصمت، عندما يتعلق الامر بالبرنامج النووي العسكري الاسرئيلي، وترسانة “اسرائيل” النووية التي تتجاوز 200 راس نووية، وما يمثله ذلك من تهديد لامن واستقرار المنطقة فحسب، بل تتبنى وللاسف الرؤية الاسرائيلية بحذافيرها، من ابسط الى اخطر القضايا الاقليمية، وعلى سبيل المثال لا الحصر حديث ولي العهد السعودي عن “دعم ايران للميليشيات الخارجة عن القانون في بعض دول المنطقة”، فهذه الصفة، “الميليشيات الخارجة عن القانون”، هي صفة تطلقها “اسرائيل” وامريكا على القوى الوطنية والاسلامية في المنطقة وفي مقدمتها حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله والحشد الشعبي وانصارالله، وهي قوى تمتلك شرعية سياسية وشعبية وبرلمانية، اكثر من النظام السعودي في دولها، فهي ممثلة تمثيلا واسعا في برلماناتها ولها تمثيل في حكوماتها، الا ان ولي العهد السعودي يقفز فوق كل هذه الحقائق ويتبنى الرؤية الامريكية الاسرائيلية المشوهة لما يجري في المنطقة.

اخيرا، اما حديث ابن سلمان عن البرنامج الصاروخي الايراني، والذي يحاول ان يجد مع شركائه حلا له، نقول، ان هذا البرنامج هو الذي لجم قوى غاشمة متغطرسة مثل امريكا و”اسرائيل” عن التعرض لايران، هذا اولا ، اما ثانيا، نحيل القارىء اللبيب، الى ما كشف عنه تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام لعام 2020، من ان السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي جاءت بين قائمة أكبر 10 دول من حيث الإنفاق على التسلح خلال العام الماضي، وحلت سادسة بعد كل من الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا وبريطانيا، بإنفاقها العام المنصرم 57 مليارا و700 مليون دولار على التسليح. تُرى من الذي يهدد بكل هذه الاسلحة الضخمة وبهذه الارقام الفلكية، أمن وإستقرار المنطقة، سؤال نوجهه الى اصحاب العقول الراجحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى