أحدث الأخبارفلسطينمحور المقاومة

حماس … نحو حركة عابرة للقطرية

مجلة تحليلات العصر الدولية - عماد عفانة

في وقتٍ كان مشروع سايكس بيكو يستهدف فيه تفتيت العالم العربي، وتمزيق الضمير الجمعي للأمة، تحت يافطات النزعة القطرية والقومية، مرورا بانهيار الدولة العثمانية كمرجعية اسلامية جامعة للامة.
غذى الغرب مسميات أخرى كما اصطلح على تسميته بالإسلام السياسي، أو القومية العربية بتفرّعاتها، الشيوعيين، وغيرهم، لتفقد الأمة الأرضية الصالحة لاستنبات مشاريع نهضوية عابرة للقُطرية، مشاريع تخاطب ضمير الأمة وارثها الجامع، لجهة القدرة على تعبئة الأمة وتحريضها، باتجاه تحقيق مصالح الأمة وتحرير أراضيها المحتلة وعروشها المستباحة.
لا زلنا نذكر أن فلسطين عندما استباحها العدو الصهيوني وأعلن قيام كيانه على أراضيها عام 1948، هبت الأمة العربية دفاعا عن فلسطين تدفعها عاطفتها الجياشة وانتمائها الفطري، ومرجعيتها الاسلامية الواحدة.
كما سبقت هذه الهبة العربية تقاطر آلاف المجاهدين من مختلف البقاع العربية للمشاركة في الدفاع عن فلسطين في وجه العصابات الصهيونية، حتى أن أبرز أجنحة المقاومة المسلحة على الأراضي الفلسطينية الآن تسمى على اسم مجاهد ذو أصل سوري وهو الشهيد عز الدين القسام الذي استشهد في يعبد قضاء جنين عام 1935في مواجهة المحتل البريطاني.
كما أن منظمة التحرير وفصائل المقاومة المنضوية تحتها كانت تضم بين مقاتليها مناضلين عرب من الدول العربية التي قسمها سايكس بيكو، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من أمضى عشرات السنوات في سجون العدو الصهيوني.
إلى أن تمكن النظام العربي من تقزيم القضية الفلسطينية من قضية للأمة الاسلامية جمعاء إلى قضية عربية، ومن قضية عربية إلى قضية فلسطينية تحت عنوان منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، واستقلالية القرار الفلسطيني، ومن قضية فلسطينية جامعة للشعب الفلسطيني إلى قضية قاصرة على الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة بفضل اتفاقية أوسلو التي شطبت أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في المنافي والشتات من خارطة النضال بعدما حرمتهم من حق العودة.
ومع بلوغ حركة المقاومة الاسلامية حماس الثلاثين من عمرها في منافحة العدو وتسطير آيات البطولة والنضال على أرض فلسطين، الأمر الذي شهد لها به الأعداء قبل الأصدقاء، فانه يمكن لهذه الحركة ذات المرجعية الاسلامية الممتدة التي تمثلها جماعة الاخوان المسلمين العريقة التي لا تؤمن بالقطرية وتعمل على اعادة الخلافة الاسلامية كهدف استراتيجي.
يمكن لهذه الحركة كسر حلقات الحصار المفروضة عليها وعلى القضية الفلسطينية، وافشال محاولات حشرها في غزة المحاصرة، والتملص من محاولات احتوائها ضمن النظام السياسي المحكوم بتعاليم اتفاقات اوسلو، عبر طرح مشروع حقيقي على الأرض، لتحرير فلسطين، كبوابة لازمة لكسر الهيمنة الغربية على الأمة، والخلاص من تبعات سايكس بيكو التي فتتت الأمة وقسمت شعوبها.
فالأمة في امس الحاجة لمن يقدّم مثل هذا المشروع لشعوبها، لملئ حالة الفراغ الحاصلة في المنطقة العربية، بخاصة بعد أحداث الربيع العربي، حيث أن حماس تصنف كحركة قوية ولديها الجرأة في استخدام القوة، وقد قدّمت أوراق اعتمادها لشعوب الأمة مبكرا، بوصفها من يملك الأهلية والمشروعية للوقوف في وجه العدو الصهيوني.
اذا كانت الانتفاضات الفلسطينية شكلت أحد أهم منابع الالهام للربيع العربي ، فان طرح حماس لمثل هذا المشروع العابر للقطرية سيشكل أهم عوامل افشال الثورة المضادة والانقلاب على الحلم العربي بالانعتاق والوحدة.
اذا كان أهم أحلام الربيع العربي هو الخلاص والانتقال إلى مرحلة انبعاث عربية جديدة لمشروع نهضتها، فان في وسع مشروع التحرير الذي تطرحه حماس بما يمتلك من بعدا اسلاميا وقوميا، وبما يطرحه من خطاب يناغي الفطرة السليمة والحمية العربية الأصيلة، أن يقدّم أملا وآفاقاً جديدة، في وجه محاولات الاجراءات القمعية للأنظمة العربية، التي ستجد حرجا بالغا في قمع هذا الحراك الشامل العابر للقطرية باتجاه تحرير فلسطين، شرط أن ممارسة ديناميكيات تفلح في مجاراة التغيرات المجتمعية والثقافية الكبيرة، وتوظيف التكنلوجيا الحديثة في الترويج لهذا المشروع دون الوقوع فريسةً لمشروعات التشويه او الاتهام بالتطرّف.
تمتلك حماس فرصة ذهبية للتقدم بمشروعها المنقذ، في وقت يعلق فيه الجميع في عنق اللحظة الراهنة، والغرق في بحور الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية العميقة، لجهة تقديم خطاب متحلل من الارتباط بمرحلة الصراع مع الأنظمة العربية، والتحرّر الفكري من العقلية الحزبية، لصالح تطوير خطاب جديد يستجيب لمتطلبات المرحلة التي تشهد تحدّيات غير مسبوقة.
على أن يتضمن هذا المشروع المأمول اعادة ترتيب أولويات الأمة لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظر الأمة المفتتة، في مواجهة تكتلات كبرى تتشكل على حساب مصالح شعوبنا ومجتمعاتنا.
مشروع ينقذ الامة من ملهاة المعارك الصغيرة والجانبية، ومن الحروب الداخلية، ويمد حبل النجاة لجيل الشباب الذي يتعرّض لضغوط اجتماعية واقتصادية وسلوكية واخلاقية شديدة تستهدف دينه وأخلاقه وقيمه وانتماؤه العروبي والاسلامي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى